الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

القطعة الأدبية والقصيدة الشعرية!!

القطعة الأدبية والقصيدة الشعرية!!

القطعة الأدبية والقصيدة الشعرية!!

الأدب الرايق الماتع لا يشترط فيه أن يكون شعراً، بل القطعة الأدبية النثرية نافست الشعر منذ أزل قديم، ولا غرو أن تجد في كتب الأدب الكبيرة كـ"الكامل" للمبرد، و"عيون الأخبار" لابن قتيبة، وغيرهما مقطوعات أدبية نثرية، غاية في الجمال والابداع، وهي تنافس الشعر في جمال الصياغة، وحسن التعليل، والتسلل إلى النفس البشرية فتأنس بها أيما إيناس.

ولقد تحدث الأدباء قديماً عن المقارنة، والتفاضل بين النثر والشعر في الأدب، ومالت طائفة منهم لتفضيل النثر، رغم تمكن الشعر في هذا الباب، وحصوله على جمهور أكبر، وسوق رائجة، وهنا أنقل لك بعضاً من كلام أبي حيان التوحيدي في هذا السجال:
"سمعت أبا عابد الكرخي صالح بن علي يقول: النثر أصل الكلام، والنظم فرعه، والأصل أشرف من الفرع، والفرع أنقص من الأصل، لكن لكل واحد منهما زائنات وشائنات، فأما زائنات النثر فهي ظاهرة؛ لأن جميع الناس في أول كلامهم يقصدون النثر، وإنما يتعرضون للنظم في الثاني بداعيةٍ عارضة، وسببٍ باعث، وأمرٍ معين … قال: ومن شرفه أيضًا أن الوحدة فيه أظهر، وأثرها فيه أشهر، والتكلف منه أبعد، وهو إلى الصفاء أقرب … حتى قال: وليس كذلك المنظوم؛ لأنه صناعي؛ ألا ترى أنه داخلٌ في حصار العروض وأسر الوزن وقيد التأليف، مع توقِّي الكسر، واحتمال أصناف الزِّحاف؛ لأنه لما هبطت درجته عن تلك الربوة العالية دخلته الآفة من كل ناحية ….. ومن شرف النثر أيضًا أنه مبرَّأ من التكلف، منزَّه عن الضرورة، غني عن الاعتذار والافتقار، والتقديم والتأخير، والحذف والتكرير … إلخ.

وهذا الرأي مال إليه وعضده ثلة من الأدباء، قال عيسى الوزير: "النثر من قِبل العقل، والنظم من قِبل الحس، ولدخول النظم في طي الحس دخلت إليه الآفة، وغلبت عليه الضرورة، واحتيج إلى الإغضاء عما لا يجوز مثله في الأصل الذي هو النثر".

أما الشعر فهو فارس الأدب، وسلطانه الأمجد، بل هو أول ما يتبادر إلى الذهن حين يذكر الأدب، وكثير منا يصرف الأدب للشعر فقط، وقد يكون محقاً في ذلك لِمَا استقر في ذهنه، وتوارد عليه الناس، وفي فضائل الشعر يقول التوحيدي: "من فضائل النظْم أن صار صناعةً برأسها، وتكلم الناس في قوافيها، وتوسعوا في تصاريفها وأعاريضها، وتصرفوا في بحورها، واطلعوا على عجائب ما استخزن فيها من آثار الطبيعة الشريفة، وشواهد القدرة الصادقة؛ وما هكذا النثر، فإنه قَصَّرَ عن هذه الذروة الشامخة، والقُلَّةِ العالية، فصار بِذْلةً لكافة الناطقين من الخاصة والعامة والنساء والصبيان.... من فضائل النظم أنه لا يغنَّى ولا يُحدى إلا به … ، والغناء والشعر عجيبا الأثر، في تنبيه النفس، واجتلاب الطرب وتفريج الكُرب، وإثارة الهِزَّة، وإعادة العزة، وإذكار العهد، وإظهار النجدة، واكتساب السلوة، وما لا يُحصى عدُده"

ولو تأملنا المفاضلة بين الشعر والقطعة النثرية الأدبية، لوجدنا كفت الشعر دائمة الرجحان لكثرة أنصاره، وغلبته على الذائقة العربية، ذلك لأنه ديوان العرب بلا منازع، وخزانة قيمهم وعاداتهم، وجامع أخلاقهم، وإن كان لبعض العلماء ملاحظات على وضع القصيدة الشعرية، وضرورة أن تتوفر فيها معايير مخصوصة لتأخذ مكانتها في الأدب، ومن هؤلاء العلماء الذين ما فتئوا ينبهون على هذه الخاصية ابن خلدون حيث يقول: "الشعر هو الكلام البليغ المبني على الاستعارة والأوصاف، المفصَّل بأجزاء متفقة في الوزن والرَّوي، مستقلٌّ كل جزء منها في غرضه ومقصده عما قبله وبعده، الجاري على أساليب العرب المخصوصة به... ولا يكفي في الشعر ملكة الكلام العربي على الإطلاق، بل يحتاج بخصوصه إلى تلطُّفٍ ومحاولة في رعاية الأساليب التي اختصته العرب بها واستعمالها".

ومزايا الشعر معروفة ومبذولة، ولكن النثر الأدبي لا يقل عن الشعر أبدا، لذلك سأضع بين يديك هذا النص الأدبي النثري، الذي يُطرب الآذان، ويروي ظمأ النفوس، وهو يؤكد أن لغة العرب لغة أدب، سواء نظمها ونثرها، متى استخدمت استخداماً حسناً.

كتب الحسن بن سهل إِلى محمد بن سماعة القاضي: "أما بعد فإني احتجت لبعض أموري إِلى رجل جامع لخصال الخير: ذي عفّة ونزاهة طُعمةٍ، قد هذّبته الآداب، وأحكمته التجارب، ليس بظنين فِي رأيه، ولا بمطعون فِي حسبه، إن اؤتمن على الأسرار قام بها، وإن قُلّد مُهماً من الأمور أجزأ فيه، له سنٌّ مع أدب ولسان، تقعده الرزانة ويَسكُنه الحلم، قد فرّ- اشتمل- عَنْ ذكاء وفطنة، وعضّ عَلَى قارحة من الكمال، تكفيه اللحظة، وترشده السكتة، قد أبصر خدمة الملوك وأحكمها، وقام فِي أمورهم فحُمد فيها، له أناة الوزراء، وصولة الأمراء، وتواضع العلماء، وفهم الفقهاء، وجواب الحكماء، لا يبيع نصيب يومه بحرمان غده، يكاد يسترق قلوب الرجال بحلاوة لسانه وحسن بيانه، دلائل الفضل عليه لائحة، وأمارات العلم له شاهدة، مُضطلعاً بما اسُتنهض، مستقلاً بما حُمّل، وقد آثرتك بطلبه، وحبوتك بارتياده، ثقةً بفضل اختيارك، ومعرفةً بحسن تأتيك".

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة