السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أرق التحيات وأعذب الأماني مع كل حبة مطر وكل ذرة رمل وكل موجة بحر لكم، فجزاكم الله عنا خير الجزاء، وبارك الله فيكم ونفع بعلمكم، ودامكم ذخراً وسنداً لكل من يبحث عن طريق الهداية.
أنا الفقير إلى الله، ثقتي فيكم كبيرة، ولذلك أود أن أستشيركم بأمر مصيري يقلقني دائماً وأخجل أن أكلمكم به.
قصتي بدأت منذ ثلاث سنوات، عندما شاهدت إحدى الفتيات الملتزمات في مكان عملي -عفواً كانوا مجموعة، والملتزمة هي من مدينتي- وشاهدت مجموعة من الذئاب الغرباء والكفرة يحاولون القرب منهن، وقد وقعت أكثر من واحدة في حبائلهم وهم يتفاخرون بذلك، وقد حاولوا مع تلك الفتاة كثيراً حتى أنها بقيت شبه وحيدة، وأتوقع أنها شارفت على الانهيار حسب خبرتي البسيطة في هذا المجال، فحاولت أن أحرمهم من نشوة النصر، وحاولت جاهداً حماية تلك الأخت المسلمة من براثنهم، فوالله هذه هي نيتي في البداية والله على ما أقول شهيد.
وبعد فتره نجحت في القرب منها، ووجدت أنها فتاة بسيطة جداً، وذكية، أخذت المرتبة الثانية على مدرستها في إحدى مراحل التعليم الثانوي، وفي نفس الوقت ملتزمة جداً، ولا أدري كيف استطعت أن أكسر الحاجز بيننا مع أنها لم تكلم أي شاب في مكان العمل أو غيره.
وكما توقعت فكانت تقول لي أن الشاب هذا فعل كذا وهذا تكلم كذا، وكان أكثرهم من أتباع الطائفة الدرزية، وتشاجرت مع أكثر من واحد منهم، وقدموا لي الاعتذارات على أساس أني قريبها فكنت الدرع والحمى لها.
وبعد فترة تغيبت الفتاة عن العمل، وعندما سألت عنها قالت لي إحدى زميلاتها أن أهلها عرفوا أنها تكلم شاباً خلال العمل، فمنعوها من الخروج خارج المنزل، فأخذت رقم هاتفها من زميلتها وعلى أساس أنني سأحل الموضوع، فعرفت أنها فتاة يتيمة الأم تعيش مع عائلتين من أقربائها في بيت مؤلف من غرفتين على السطح وحمام ومطبخ، ولها ثلاثة أخوات وأخ صغير من مواليد (82 ) وعمتها الأرملة وبناتها، وقد خرج أبوها من السجن منذ عدة سنوات وفقد عقله نتيجة التعذيب بسبب الجهاد وحمى ألمت به، ولا زالت آثار التعذيب على جسده، وفي الماضي كان رجلاً يهابه الحي كله وقد اُتهم بقضية سياسية ونقل سلاح.
لذلك أحسست بالمسئولية، وقررت تصحيح خطئي بأي طريقة، وطلبت من والدتي أن تخطب لي هذه الفتاة فكانت الوالدة ترفض بحجة أنني لست قادراً بعد على فتح بيت، وطالبتني بالانتظار ولكنني لم أنتظر وألححت عليها، وتركت العمل بضعة أيام، وقررت السفر خارج البلاد، ووقعت في مشاكل مع زملائي الذين توقعت أنهم كانوا السبب.
وبعد فترة طلبت من أختي أن تتصل بهم وتسأل عنهم، فكان ذلك، والحمد لله رجعت الأمور إلى مجاريها، وبعد فترة أخرى ذهبت أمي لزيارتهم، ولكن المشكلة بدأت الآن حيث أن الوالدة لم تستطع دخول بيتهم، حيث كانت الزيارة من دون موعد ولكن لاحظت الوالدة فقر حالهم وكثرة بناتهم اللاتي لم يتزوجن، أكبرهن عمرها 25 سنة، ولاحظت حالة أبيهن.
وقد سألت عنهم فوجدت أنهم مستورين وعمهم الموظف قد كفلهم مع كثرة عياله وبعض الناس الخيرين، وكل ذلك قد ضاعف في إصرار الوالدة للرفض وإصراري للقبول، وقد قالت لي ذات يوم: إن مشاعر العطف لا تبني بيتاً، ومما زاد الطين بلة هو وجود أقرباء لهم سمعة سيئة، وبالرجوع إلى مكان العمل فقد زاد تعلق الفتاة بي بعد أن رتبت لقاء بينها وبين أختي، وبعد علمها بقدوم الوالدة لبيتهم فكانت كل مرة تزودني بذكر معين أو آيات معينة للقراءة اليومية والحمد لله شعرت من يومها بالتوفيق، وصارحتها أنني أرغب في طلب يدها إن شاء الله، فكانت لحظات لا أنساها في من الخجل العذري والارتباك المطلق، وكل ذلك لم يشجعها على أن تكلمني بالهاتف أو ألاقيها خارج العمل، ولم تقبل مني أية هديه أو حتى حبة شوكولاته، ولكن في إحدى المرات صارحتني وقالت: أنا أدعو لك بالتوفيق في كل يوم.
وبعد عدة شهور انتهت فترة عملها، وأتوقع أنها جلست في بيتها، وأنا بعد سنة أنهيت عملي وانتقلت إلى عمل أفضل، وتحسنت ظروفي المادية قليلاً بشكل يسمح لي بالزواج.
ولكن ظلت الوالدة على إصرارها، وبالعكس زادت إصراراً بعد أن ظهرت فكرة الزواج من قريبتي وهي فتاة جميلة جداً أعرفها منذ صغرها، وخفيفة الظل، ومرحة، وأبوها رجلٌ فاضل كثير الخير، وعلاقتي معه قوية جداً، وفضله علي لن أنساه، وكذلك زوجته قريبتي، ولكن:
1- هل سيرضون بي؟
2- وهل سترضى قريبتي بي وتتخلى عن عيشها الراقي؟
3- هل تتخلى عن أطعمة المكدونالدز والشوكولاته الفاخرة، وتركب سيارتي القديمة؟
4- وإذا تخليت عن تلك الفتاة الفقيرة نزولاً عند رغبة الأهل هل هو ظلمٌ لتلك الفتاة؟
5- وهل الفقر عيب أو مرض الأب عيب مع أني أراه وسام شرف له عند رب العالمين؟
6- وإذا وجد في إحدى العوائل شخص سيئ هل يحكم على كل العائلة؟
لا أدري ما العمل، أنا في صراع ما بين العقل والضمير، ما بين رضا الوالدة ومبادئي وعقيدتي، ماذا أفعل ؟ إنني في حيرة، فقصتي تصلح أن تكون كسيناريو فلم هندي.
أتمنى من فضيلتكم الجواب الشافي، وحكم الشرع والحق والعدل، لا أريد أن أغضب والدتي، ولا أريد أن أجني على نفسي بأن أحملها ما لا طاقة لها به، ولا أريد أن أظلم تلك الفتاة الملتزمة مع أني أشعر بقرب نفسي لها.
وجزاكم الله ألف خير.