الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل يمكن أن يتوهم الإنسان المرض والاضطرابات النفسية؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أعاني من اضطرابات نفسية منذ أربع سنوات، وتلقيت العلاج المعرفي السلوكي، وتم تشخيصي باكتئاب متوسط، وبعد فترة توقفت بسبب أفكاري، وهي: أني لست مريضة، وأني لو ضغطت على نفسي سوف تتحسن حالتي، وأني اتخذت الاكتئاب حجة للكسل، فهل فعلاً المريض يفترض أنه مكتئب؟

وجزاكم الله خيرًا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ لورا حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

كثير من الاضطرابات النفسية قد يُهيأ لبعض الناس أنهم مُصابون بها، وذلك كنوع من التماهي، أو الانسجام مع الحالة المرضية التي تعفي الإنسان من الكثير من المسؤوليات الاجتماعية، أو الوظيفية، أو الدراسية، أو الأسرية، وهذا لا يُعتبر نوعًا من التمثيل حقيقةً، لا نستطيع أن نقول: إن هذا الشخص يدّعي أو يُمثِّل، هي كلها عمليات لاإرادية على مستوى العقل الباطني.

فالمريض فعلًا يمكن أن يكتئب، ويضطرب، أو أنه قلق، أو أنه يوسوس، أو أنه يتوهم مرض ما، كل هذا وارد، لكن هذه الحالات الآن انحسرت جدًّا وقلَّت، وكل إنسان تأتينا منه شكوى نفسية، أو حتى شكوى جسدية يجب أن نُدقق في الحالة، ويجب أن نفحص الإنسان بصورة دقيقة وجيدة حتى نصل إلى حقيقة الأمر.

أيتها الفاضلة الكريمة: الذي يظهر لي أيضًا أنك من نوع هؤلاء الأشخاص الذين يقعون تحت ما نسميه بالتأثير الإيحائي، أنت بالفعل في فترة من الفترات قد يكون لديك شيء من عُسر المزاج، وهو نوع من الاكتئاب البسيط، وقد يزداد أو ينقص، وهذا النوع من الاكتئاب حقيقةً لا يكون اضطراب المزاج هو الأساس، إنما تكون الأفكار السلبية هي الأساس، تُهيمن الأفكار السلبية على الإنسان، ويأخذ منحى الفكر السلبي والفكر المتشائم، ومن ثمَّ يُحدِث نوعاً من الإسقاط على مشاعره، لتُصبح هذه المشاعر أيضًا سلبية.

بمعنى: أن الفكر السلبي التشاؤمي يكون هو الأساس، وبعد ذلك تتولَّد المشاعر السلبية، والمشاعر السلبية نفسها حين تظهر طبعًا سوف تُغذِّي الفكر السلبي وتزيد منه، ويؤدي الفكر السلبي إلى مزيد من عُسر المزاج والاكتئاب، الذي قد يصل لدرجة متوسطة أو شديدة، وهكذا دواليك، يكون الإنسان في هذه الحلقة المفرغة.

وبتصحيح الأفكار وإخراجها من دائرة التشاؤم والسلبية يتحسّن الإنسان، ويختفي عُسر المزاج، أو الاكتئاب تمامًا.

الحمد لله حالتك قد تحسّنت، وأنت الآن تتمتعين بصحة نفسية جيدة، وأريدك أن تنسي هذا الماضي تمامًا، وأن تعيشي قوّة الحاضر، الحاضر دائمًا أقوى من الماضي؛ لأننا نستطيع أن نتحكّم فيه، نستطيع أن نكون إيجابيين في حاضرنا، نستطيع أن نكون مفيدين لأنفسنا ولغيرنا، ويستطيع الإنسان من خلال حاضره أن يضع مخططاً لحياته، أن تكون هنالك أهداف، أن تكون هنالك وسائل لتوصل الإنسان لغاياته ومبتغاه وأهدافه.

فأنت الآن في مرحلة تلقي العلم والدراسة (المرحلة الطلَّابية) فيجب أن تُركّزي على دراستك، وأن تُحسني إدارة وقتك، وأن تعيشي دائمًا على الأمل والرجاء، وتكوني إنسانة فعّالة في داخل أسرتك، وعليك أيضًا بالاجتهاد في العبادة، ونحن في شهر رمضان الفضيل، وهذه فرصة عظيمة جدًّا لأن يُجدد الإنسان طاقاته الإيمانية.

فإذًا قوة الحاضر دائمًا هي الأفضل، ويجب أن نستفيد منها، لا ضعف الماضي، الماضي مهما كان مليئًا بالأحداث فهو ضعيف؛ لأنه قد انتهى، قد نأخذ منه العظة والعبرة، لكن ليس أكثر من ذلك، لكن حين يتحكّم الإنسان في حاضره ويجعله فعّالًا بحول الله تعالى أيضًا المستقبل سيكون قويًّا وفعَّالًا؛ لأن الحاضر هو ماضي المستقبل.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً