الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

وساوس الرياء منعتني من التفوق في الدراسة، أرشدوني

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله.

أنا فتاة في الثامنة عشرة من العمر، التزمت هذه السنة بالحجاب الشرعي، وأردت حفظ القرآن، ولكن حدثت مشكلة، وهي: كنت دائماً أريد أن أصبح طبيبة، وأنفق والداي الكثير في سبيل تعليمي، والآن أنا في آخر سنة من المرحلة الثانوية.

كنت دائماً متفوقة في دراستي، وأحصل على علامات ممتازة، ولم أتكبر بها يوماً على أحد، بل كنت أشكر الله عليها، وأفرح لاستجابة دعائي، وكنت أساعد بعض زميلاتي ممن يستصعبن بعض الأسئلة.

أما هذه السنة فإني لم أبذل جهداً في الدراسة قط، أردت التقرب لله تعالى أكثر، وشاهدت الكثير من دروس العلم، وقرأت عن الرياء والنوايا من الأعمال، فبدأت أقول لنفسي: لماذا تريدين أن تكوني طبيبة؟ فقلت: لأنها أولاً مهنة شريفة أستطيع التكسب منها بالحلال، وقلت أيضاً: لأنه يكفي أن أساعد بشراً يتألم ويدعو لي، ثم قلت: ولكن ليس هذا كل شيء؛ فأنا أردت ذلك أيضاً لأنها تكسب صاحبها احترام البشر، ويكون له مكانة اجتماعية وعلمية جيدة!

كما أني أردت أيضاً أن تزداد ثقافتي، وأقرأ كثيراً، وأتعلم أشياء كثيرة، ولغات مثلما نقرأ عن الناجحين، ولكني قرأت أن من أراد نجاحاً أو علواً في الدنيا، فليس له نصيب من الآخرة، وأن هذا كله رياء، ومن زينة الدنيا؛ فالسعي لكسب احترام الناس رياء، فأصبحت أذهب لأحضر دروسي دون شغف، وبخوف شديد، وكأن طموحي قد مات تماماً!

أصبح المعلم يسأل الطلاب في الدروس وأنا أعرف الإجابة وأتعمد عدم الإجابة حتى لا يقول لي كلمة تقدير أمام الناس، انخفضت علاماتي بشدة، وقررت ترك الدراسة؛ رغم تعلقي الشديد بها، وعدم رغبتي في تركها، ولم أعد أخرج من المنزل، ودخلت في حالة اكتئاب، جن جنون والداي لهذا، وعندما أخبرتهم بما يدور في رأسي، قالوا لي: إذن تريدين أن تكوني ذليلة في الدنيا، أي شخص يتحكم فيك، أبهذا أمرك الدين؟ من سيتزوج فتاةً لم تكمل حتى المرحلة الثانوية؟ منذ متى والنجاح حرام؟ وأنا أبكي وهما يبكيان ويتحسران على ما أنفقاه على تعليمي! لا أدري ما حكمي؟ وهل ما ذكرته حقاً مذموم في الدين؟

أرجو أن تفيدوني، فبسبب ما يحدث أصبح لديّ فتورٌ في العبادات أيضاً!

أرجو تفصيلاً بعض الشيء.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أسماء حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

ممَّا لا شك فيه أنك أخطأت في فهمك لموضوع الرياء، وأسأت الفهم لمقصود الشرع، ثم أسأت في حق نفسك وفي حق والديك، وضيّعت شيئًا فيه منفعة لك، والسبب في هذا كلِّه هو عدم سؤالك من أوّل الأمر، وكان بالإمكان أن تتفادي كل هذا الضرر الذي وقع عليك وعلى والديك بالسؤال؛ فإن السؤال مفتاح العلم، وقد أمر الله تعالى المسلم بالرجوع إلى أهل العلم، فقال: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43]، والنبي (ﷺ) يقول: (ألا سألوا إذ لم يعلموا)، وقال: (إنما ‌شِفاءُ ‌العِيّ السُّؤالُ).

لا يزال الأمر في متناول التدارك والإصلاح، ولم ينته الوقت بعد، ولا تزال الأيام سانحة لك بالفرص، فاحمدي الله تعالى على نعمه، وسارعي إلى امتثال ما قاله النبي الكريم (ﷺ) في وصيته الجامعة النافعة حين قال: (احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز).

هذا شأن الإنسان المسلم -رجلًا كان أو امرأة- الحرص والجِدّ في طلب الشيء النافع، سواء كان فيه منفعة دِينٍ، أو منفعة دُنيا.

تعلُّم المهن الدنيوية بقصد إعفاف النفس بما يُكسبْ من ورائها من مالٍ، وبقصد إعانة المسلمين على قضاء حوائجهم من خلال هذه المهن، والقيام بخدمة الأمة من خلالها؛ هذا العمل وإن كان دنيويًّا فإنه بهذه النيات الحسنة يُصبح قُربة وطاعة يُطيع بها الإنسان ربَّه، ويُثيبُه الله تعالى على هذا العمل، وليس هو في الأصل من الأعمال الدينية التي لا يجوز فيها الرياء، وأن يُقصد بها شيءٌ من الدنيا، وهذا هو الخطأ الذي وقعت فيه؛ فإن مهنة الطب مهنة دنيوية، يجوز للإنسان أن يدرس الطب بقصد تحصيل المال، وبقصد التميُّز، وبأنواع من النيات التي يقصد من ورائها تحصيل المنافع الدنيوية، وليس هذا من الرياء المحرم؛ لأن الرياء إنما يكون في العبادات التي لا يجوز أن يُقصد بها شيءٌ من الدنيا، وإنما يقصد بها الإنسان وجه الله والثواب عنده.

هذا هو الغلط الذي وقعت فيه؛ لهذا نحن ننصحك بأن تُراجعي أمرك، وأن تعرفي بأنك بدراستك هذه إذا حققت نفعًا لنفسك؛ فإن ذلك خيرٌ كثيرٌ ينفعك عند الله تعالى، فسارعي إلى إصلاح ما أخطأت فيه، وإدخال السرور على والديك.

نسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يوفقك لكل خير.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً