السؤال
هل الاشتراكية، والرأسمالية كفر أكبر ، علما أن معظم الدول الإسلامية تطبق النظام الرأسمالي الاقتصادي؟
هل الاشتراكية، والرأسمالية كفر أكبر ، علما أن معظم الدول الإسلامية تطبق النظام الرأسمالي الاقتصادي؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الاشتراكية، والرأسمالية بمفهومهما السائد عند منظريهما، نظريتان كفريتان، تصادمان الإسلام.
فقد قال العلامة الشيخ ابن باز في رسالته: (العقيدة الصحيحة وما يضادها ) قال رحمه الله: ومن العقائد الكفرية المضادة للعقيدة الصحيحة، والمخالفة لما جاءت به الرسل عليهم الصلاة والسلام: ما يعتقده الملاحدة في هذا العصر من أتباع ماركس، ولينين، وغيرهما من دعاة الإلحاد والكفر ، سواء سموا ذلك اشتراكية، أو شيوعية، أو بعثية أو غير ذلك من الأسماء، فإن من أصول هؤلاء الملاحدة أنه لا إله، والحياة مادة. ومن أصولهم إنكار المعاد، وإنكار الجنه والنار، والكفر بالأديان كلها . ومن نظر في كتبهم ودرس ما هم عليه، علم ذلك يقيناً، ولا ريب أن هذه العقيدة مضادة لجميع الأديان السماوية، ومفضية بأهلها إلى أسوأ العواقب في الدنيا والآخرة. اهـ.
ويقول الباحث علي نايف الشحود في موسوعته في الرد على المذاهب: والنظام الرأسمالي نظام بشري لا يحكم شرع الله تعالى . ومن الأمور الظاهرة فيه أنه لا يرى مهمة للدولة سوى حماية أصحاب رؤوس الأموال، والدفاع عن البلد التي هم فيها، ولأصحاب رؤوس الأموال تنميتها بكل طريقة يريدون وإن خالفت جميع الشرائع والحريات، ولا تمانع الرأسمالية من وقوع الفوضى الاعتقادية، والفكرية، والسلوكية، والاجتماعية ما دامت لا تضر بأموالهم مباشرة. وهذه الفلسفة ولدت أنانية عالية يعيشها أربابها، وقيام أسواقها على السيطرة والاحتكار وابتزاز الأيدي العاملة، وإشاعة البطالة التي تحدثها تصرفات صاحب رأس المال الأنانية، وظهور الطبقية القاسية بين أصحاب رؤوس أموال هائلة يعملون بكل ما أوتوا من قدرات وإمكانات تشريعية، ونفسية وابتزازية، وطبقة عاملة كادحة تسعى للبحث عن لذتها تحت وطأة دفع وابتزاز أصحاب رؤوس الأموال الذي يمصون دماءهم بترويج وبيع سلعهم بكل طريقة ممكنة، وللرأسمالي أن ينمي أمواله بكل طريقة يريد؛ ومنها: صناعة الخمور، والدعارة، والربا والتدليس، والغرر، والإغراء. اهـ.
وقال الشيخ صالح الفوزان: الانتماء إلى المذاهب الإلحادية: كالشيوعية، والعلمانية، والرأسمالية، وغيرها من مذاهب الكفر ردة عن دين الإسلام . فإن كان المنتمي إلى تلك المذاهب يدعي الإسلام، فهذا من النفاق الأكبر؛ فإن المنافقين ينتمون إلى الإسلام في الظاهر، وهم مع الكفار في الباطن - كما قال تعالى فيهم: { وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزئون } [ البقرة : 14 ]. وقال تعالى: {الذين يتربصون بكم فإن كان لكم فتح من الله قالوا ألم نكن معكم وإن كان للكافرين نصيب قالوا ألم نستحوذ عليكم ونمنعكم من المؤمنين }. [ النساء : 141 ]. اهـ.
ولكنه ليس كل من ينتمي إلى طائفة، أو مذهب، أو حزب يتبنى أفكارا كفرية، يكون كافرا؛ لأن تكفير المعين دون إقامة الحجة عليه لا يجوز. وليس كل من تلبس بشيء من مظاهر الكفر يكون بالضرورة كافراً . بل لا بد من التفريق بين الحكم على الفعل بأنه كفر، وبين الحكم على الفاعل بأنه كافر، للاختلاف في متعلق كل من الأمرين. فالحكم على الفعل الظاهر بأنه كفر متعلق ببيان الحكم الشرعي مطلقاً. وأما الفاعل فلا بد من النظر إلى حاله، لاحتمال طروء عارض من العوارض المانعة من الحكم بكفره من جهل أو إكراه أو غير ذلك. ويتلخص هذا في قيام الحجة على المعين بحيث لا يكون معذوراً بجهل، أو تأويل أو إكراه. وإقامة الحجة لا تكون إلا من عالم.
قال ابن تيمية رضي الله عنه: ليس لأحد أن يكفر أحداً من المسلمين وإن أخطأ وغلط حتى تقام عليه الحجة، وتبين له المحجة. ومن يثبت إسلامه بيقين لم يزل ذلك عنه بالشك. بل لا يزول إلا بعد إقامة الحجة، وإزالة الشبهة.
وقال أيضا: إن التكفير له شروط وموانع قد تنتفي في حق المعين، وإن تكفير المطلق لا يستلزم تكفير المعين إلا إذا وجدت الشروط وانتفت الموانع، يبين هذا أن الإمام أحمد وعامة الأئمة الذين أطلقوا هذه العمومات لم يكفروا أكثر من تكلم بهذا الكلام بعينه.
وقال الدكتور عبد الله الجبرين في مختصر تسهيل العقيدة الإسلامية: من موانع التكفير للمعيَّن أيضاً: التأويل، وهو: أن يرتكب المسلم أمراً كفرياً معتقداً مشروعيته، أو إباحته له؛ لدليل يرى صحته، أو لأمر يراه عذراً له في ذلك، وهو مخطئ في ذلك كله. فإذا أنكر المسلم أمراً معلوماً من الدين بالضرورة مثلاً، أو فعل ما يدل على إنكاره لذلك، وكان عنده شبهة تأويل، فإنه يعذر بذلك ولو كانت هذه الشبهة ضعيفة إذا كان هذا التأويل سائغاً في لغة العرب، وله وجه في العلم، وهذا مما لا خلاف فيه بين أهل السنة. وعلى وجه العموم فعذر التأويل من أوسع موانع تكفير المعين؛ ولهذا ذكر بعض أهل العلم أنه إذا بلغ الدليلُ المتأوِّلَ فيما خالف فيه ولم يرجع، وكان في مسألة يُحتَملُ وقوع الخطأ فيها، واحتمل بقاء الشبهة في قلب من أخطأ فيها لشبه أثيرت حولها، أو لملابسات أحاطت بها في واقعة معينة أنه لا يحكم بكفره؛ لقوله تعالى: وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ {الأحزاب: 5}. ولذلك لم يكِفّر بعض العلماء بعض المعينين من الجهمية الذين يعتقدون بعض الاعتقادات الكفرية في صفات الله تعالى، ومن أجل مانع التأويل أيضاً لم يكفر بعض العلماء بعض من يغلون في الموتى ويسألونهم الشفاعة عند الله تعالى. ومن أجل مانع التأويل كذلك لم يكفر الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ الخوارج الذين خرجوا عليهم وحاربوهم، وخالفوا أموراً كثيرة مجمعاً عليها بين الصحابة إجماعاً قطعياً. اهـ.
وانظر الفتويين التاليتين: 127342/ 160241.
والله أعلم.
يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني