الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالإيمان بالقضاء والقدر أحد أركان الإيمان الستة المعروفة، وله أربع مراتب: العلم، والكتابة، والمشيئة، والخلق.
فنؤمن بعلم الله القديم المحيط بكل شيء، ومنه ما الخلق عاملون. وأنه سبحانه كتب ذلك في اللوح المحفوظ قبل أن يخلقهم، وأنه -عز وجل- شاء ذلك سلفا، ومشيئته نافذة، فما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، وأنه -تعالى- خالق كل شيء، ومن ذلك أفعال عباده.
والاقتصار على مرتبي العلم والكتابة، إنما هو من بدع القدرية. وراجع في ذلك الفتوى: 347914.
ومع ذلك، فنحن نؤمن بأن للعبد اختياراً يصح معه تكليفه ومجازاته، ولكن هذا نفسه إنما هو من جملة قضاء الله تعالى وقدره!
ولذلك فنحن لا نقول: إن الإنسان مخير بإطلاق، كما لا نقول: إنه مسير بإطلاق، بل نقول: إنه مخير من وجه، مسير من وجه. أو نلخص ذلك فنقول: إنه ميسر لما خلق له. وانظر الفتوى: 422863.
والجمع بين إثبات القدر، وبين إثبات مشيئة العبد واختياره وكسبه لفعله، إنما هو سر من أسرار الله تعالى، لا تحتمله العقول أو أكثرها؛ فيبقى للعقل حكم التسليم والإيمان بالغيب، ورد المتشابه إلى المحكم؛ وراجع تفصيل ذلك في الفتوى: 436660.
والله أعلم.