الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فقد فطر الله الإنسان، وخلقه من ذكر وأنثى، وركز في كل منهما غريزة الميل إلى الجنس الآخر، قال تعالى: هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا {الأعراف:189}، وجعل الله تعالى اختلاط الذكر بالأنثى في سياج من الحيطة، والحذر؛ لئلا يفضي ذلك إلى ما حرم الله تعالى، فيفسد المجتمع؛ بتركه أمر الله، وانتهاكه حدود الله.
وأما الاختلاط الموجود في المجتمعات المعاصرة، فإنه شر مستطير، أحدق بالمسلمين حتى استمرؤوه، حيث يفضي إلى محرمات عظيمة، ومفاسد كبيرة، أقلها: ذهاب حياء المرأة، وحسبها من مصيبة أن يقل حياؤها!.
هذا وقد أرشد القرآن الكريم في نموذج رائع يحتذى -إذا كان ثم ضرورة، أو حاجة- إلى مثل هذا الأمر -كأن تخرج المرأة من بيتها؛ لتعلم، أو تجارة، أو نحو ذلك-؛ بأن عليها أن تكون متعففة غاية التعفف في المخالطة، وأنه إذا انتهى غرضها من الخروج، فعليها أن ترجع فورًا إلى مسكنها، ومحضنها، وأن تجتهد غاية الاجتهاد في ترك هذا الأمر، أعني الاختلاط، إن تيسر لها السبيل إلى مجانبته، والنموذج هو ما حكاه الله عن بنتي شعيب، وشأنهما مع موسى صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ {القصص:23}، فلما دعت الحاجة إلى خروج المرأتين، خرجتا، ولكنهما احتاطتا لأنفسهما؛ فلهذا كانتا لا تردان حتى تخلو البئر لهما، (وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ) أي: تكفان غنمهما عن السقيا، وعن مخالطة الناس؛ حتى ينتهي القوم من سقياهم. وقد اجتهدتا في تحصيل ما يغنيهما عن الخروج من المسكن، كما دل عليه قوله تعالى حكاية عن إحداهما: (قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ {القصص:26}؛ وذلك لأنها تبحث عن حل للقيام بهذه المهمة، وهذه القصة من جملة القصص التي قصها الله في كتابه العزيز؛ للاعتبار بها، والتأسّي بأصحابها، وهم الأنبياء، وأتباعهم؛ ولذلك قال عنهم في آية أخرى: أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ {الأنعام:90}.
ومن ذلك نخلص إلى أن الاختلاط بصورته الحالية، أمر محرم، فعلى ولاة الأمور أن يتقوا الله تعالى في رعاياهم، وأن يعينوهم على طاعة الله، وأن يجنبوهم سبل الحرام.
والاختلاط ضرره لا يقتصر على جنس دون آخر، فشره يعم الرجال والنساء، فإذا اضطر الرجل، أو المرأة إلى مثل ذلك، فيقتصر الحضور من كليهما على المحاضرات، فإذا انتهت الحاجة اليومية من الجامعة، خرج لتوه من ذلك المكان المختلط، كما فعلت ابنتا شعيب، وكما فعل موسى معهما لما سقى لهما، ثم تولى إلى الظل.
والمراد بالاضطرار في حق المرأة هنا: أن تكون بحاجة إلى عمل، تنفق منه على نفسها؛ لعدم وجود من ينفق عليها، وعدم إحسانها لصنعة تعملها، كخياطة، ونحوها.
فإذا كان هذا العمل يتوقف على هذه الشهادة الدراسية؛ جاز لها حينئذ أن تدرس في هذا المكان المختلط، الذي لا تجد غيره، إن تحققت الأمور الآتية:
أ -إن تحجبت حجابًا كاملًا، غير متعطرة، ولا متبرجة بزينة.
ب - أن تتجنب الجلوس بجوار الرجال.
ج -أن تتجنب محادثتهم، فيما لا تدعو الحاجة إليه، ويكون الحديث واضحًا، لا ملاينة فيه، وبعيدًا عن كل ما يخدش الحياء.
د- أن تخاف على نفسها من الانحراف فيما لا يرضي الله تعالى.
فإن آنست من نفسها بعض الميل إلى ما لا يرضي الله تعالى، فعليها أن تترك الدراسة في هذه الجامعة، وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا {الطلاق:4}.
والله أعلم.