ولنشرع الآن بعون الله وإمداده وهدايته وتيسيره في المقاصد فنقول :
[ ص: 116 ] [ ص: 117 ] المقصد الأول
في
وفيه أربعة فصول الكتاب العزيز
[ ص: 118 ] [ ص: 119 ] الفصل الأول
فيما يتعلق بتعريفه
اعلم أن الكتاب لغة : يطلق على كل كتابة ومكتوب ، ثم غلب في عرف أهل الشرع على القرآن .
والقرآن في اللغة : مصدر بمعنى القراءة ، غلب في العرف العام على المجموع المعين من كلام الله سبحانه ، المقروء بألسنة العباد ، وهو في هذا المعنى أشهر من لفظ الكتاب وأظهر ; ولذا جعل تفسيرا له ، فهذا تعريف الكتاب باعتبار اللغة وهو التعريف اللفظي الذي يكون بمرادف أشهر .
وأما حد الكتاب اصطلاحا : فهو الكلام المنزل على الرسول ، المكتوب في المصاحف ، المنقول إلينا نقلا متواترا .
فخرج بقوله : المنزل على الرسول المكتوب في المصاحف - سائر الكتب ، والأحاديث القدسية ، والأحاديث النبوية ، وغيرها .
وخرج بقوله : المنقول إلينا نقلا متواترا - القراءات الشاذة .
وقد أورد على هذا الحد أن فيه دورا ; لأنه عرف الكتاب بالمكتوب في المصاحف ، وذلك لأنه إذا قيل : ما المصحف ؟ فلا بد أن يقال : هو الذي كتب فيه القرآن .
وأجيب : بأن المصحف معلوم في العرف ، فلا يحتاج إلى تعريفه بقوله : الذي كتب فيه القرآن .
وقيل في حده : هو اللفظ العربي المنزل للتدبر والتذكر المتواتر .
فاللفظ : جنس يعم الكتب السماوية ، وغيرها .
والعربي : يخرج غير العربي من الكتب السماوية وغيرها .
والمنزل : يخرج ما ليس بمنزل من العربي .
وقوله : للتدبر والتذكر ، لزيادة التوضيح وليس من ضروريات هذا التعريف .
والتدبر : التفهم لما يتبع ظاهره من التأويلات الصحيحة ، والمعاني المستنبطة .
والتذكر : الاتعاظ بقصصه وأمثاله .
وقوله : المتواتر يخرج ما ليس بمتواتر ، كالقراءات الشاذة ، والأحاديث القدسية .
وقيل في حده : هو الكلام المنزل للإعجاز بسورة منه ، فخرج الكلام الذي لم ينزل ، والذي نزل لا للإعجاز كسائر الكتب السماوية والسنة .
[ ص: 120 ] : ارتقاؤه في البلاغة إلى حد خارج عن طوق البشر ، ولهذا عجزوا عن معارضته عند تحديهم . والمراد بالإعجاز
والمراد بالسورة : الطائفة منه ، المترجم أولها وآخرها توقيفا .
واعترض على هذا الحد : بأن الإعجاز ليس لازما بينا ، وإلا لم يقع فيه ريب ، وبأن معرفة السورة تتوقف على معرفة القرآن .
وأجيب : بأن اللزوم بين وقت التعريف لسبق العلم بإعجازه ، وبأن السورة اسم للطائفة المترجمة من الكلام المنزل ، قرآنا كان أو غيره ، بدليل سورة الإنجيل .
وقال جماعة في حده : هو ما نقل إلينا بين دفتي المصحف تواترا .
وقال جماعة : هو القرآن المنزل على رسولنا المكتوب في المصاحف المنقول تواترا بلا شبهة .
فالقرآن تعريف لفظي للكتاب ، والباقي رسمي ، ويعترض عليه بمثل ما سبق ، ويجاب عن الاعتراض بما مر .
وقيل : هو كلام الله العربي الثابت في اللوح المحفوظ للإنزال .
واعترض عليه : بأن الأحاديث القدسية والقراءات الشاذة بل وجميع الأشياء ثابتة في اللوح المحفوظ ; لقوله تعالى : ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين وأجيب بمنع كونها أثبتت في اللوح للإنزال . والأولى أن يقال : هو كلام الله المنزل على محمد المتلو المتواتر ، وهذا لا يرد عليه ما ورد على الحدود فتدبر .