الفصل السادس : الإخبار عن الغيب
الوجه الثالث من الإعجاز ما انطوى عليه من الإخبار بالمغيبات ، وما لم يكن ، ولم يقع ، فوجد كما ورد ، وعلى الوجه الذي أخبر به ، كقوله - تعالى - : لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين [ الفتح : 27 ] .
وقوله - تعالى - : وهم من بعد غلبهم سيغلبون [ الروم : 3 ] .
وقوله : ليظهره على الدين كله [ التوبة : 33 ] .
وقوله : وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض [ النور : 55 ] الآية .
وقوله : إذا جاء نصر الله والفتح [ النصر : 1 ] إلى آخرها . فكان جميع هذا كما قال ، فغلبت الروم فارس في بضع سنين ، ودخل الناس في الإسلام أفواجا ، فما مات - صلى الله عليه وسلم - ، وفي بلاد العرب كلها موضع لم يدخله الإسلام .
واستخلف الله المؤمنين في الأرض ، ومكن فيها دينهم ، وملكهم إياها من أقصى المشارق إلى أقصى المغارب ، كما قال - صلى الله عليه وسلم - : . زويت إلي الأرض ، فأريت مشارقها ، ومغاربها ، وسيبلغ ملك أمتي ما زوي لي منها
وقوله : إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون [ الحجر : 9 ] ، فكان كذلك ، لا يكاد يعد من سعى في تغييره ، وتبديل محكمه من الملحدة ، والمعطلة ، لا سيما القرامطة ، فأجمعوا كيدهم ، وحولهم ، وقوتهم ، اليوم نيفا على خمسمائة عام ، فما قدروا على إطفاء شيء من نوره ، ولا تغيير كلمة من كلامه ، ولا تشكيك المسلمين في حرف من [ ص: 284 ] حروفه ، والحمد لله .
ومنه قوله : سيهزم الجمع ويولون الدبر [ القمر : 45 ] .
وقوله : قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم [ التوبة : 14 ] الآية .
وقوله : هو الذي أرسل رسوله بالهدى [ التوبة : 33 ] الآية .
وقوله : لن يضروكم إلا أذى وإن يقاتلوكم [ آل عمران : 111 ] الآية . . فكان كل ذلك .
وما فيه من كشف أسرار المنافقين ، واليهود ، ومقالهم ، وكذبهم في حلفهم ، وتقريعهم بذلك ، كقوله : ويقولون في أنفسهم لولا يعذبنا الله بما نقول [ المجادلة : 8 ] .
وقوله : يخفون في أنفسهم ما لا يبدون لك [ آل عمران : 154 ] .
وقوله ومن الذين هادوا سماعون للكذب سماعون [ المائدة : 41 ] الآية .
وقوله : من الذين هادوا يحرفون الكلم عن - إلى قوله - : في الدين [ النساء : 46 ] .
وقد قال مبديا ما قدره الله ، واعتقده المؤمنون يوم بدر : وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم [ الأنفال : 7 ] .
ومنه قوله - تعالى - : إنا كفيناك المستهزئين [ الحجر : 95 ] .
ولما نزلت بشر النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك أصحابه بأن الله كفاه إياهم ، وكان المستهزئون نفرا بمكة ينفرون الناس عنه ، ويؤذونه فهلكوا .
وقوله والله يعصمك من الناس [ المائدة : 67 ] فكان كذلك على كثرة من رام ضره ، وقصد قتله ، والأخبار بذلك معروفة صحيحة .