ومنهم المادح الشكار ، القانع الصبار ، الراجي الجآر الواعظ الذكار ، لزم الحداد توقيا من العباد ، واستلذ السهاد تحريا للوداد ، واحتمل الشداد توصلا إلى الفناد . يحيى بن معاذ
حدثنا أبو الحسن محمد بن محمد بن عبيد الله بن عمرو سنة اثنتين وخمسين وثلاثمائة قال : سمعت الحسن بن علويه الدامغاني يقول سنة أربع عشرة وثلاثمائة قال : سمعت يقول : يحيى بن معاذ
ذنب على عبده قد كان مقدورا كيف النجاة بعبد أنت خالقه يا ليته لم يكن في اللوح مسطورا
ماذا تريد به يا رب مفطورا يا ويحه يوم يستدعي صحائفه
إليك من خمدة الأموات منشورا
حدثنا محمد بن محمد ، ثنا الحسن بن علويه قال : سمعت يقول : يحيى بن معاذ
كف عني إن قلبي في شغل أنا مشغول بذنبي يا رجل
كيف أرجو توبة تدركني وأرى قلبي بويلي يشتغل
ذهبت نفسي بلا شك على أنني أدفع دهري بالعلل
حدثنا محمد ، ثنا الحسن قال : سمعت يحيى يقول : " قال : وسمعت لست أبكي على نفسي إن ماتت إنما أبكي على حاجتي إن فاتت يحيى يقول : . قال : وسمعت كيف أمتنع بالذنب من رجائك ولا أراك تمتنع للذنب من عطائك يقول : يحيى بن معاذ ، وحبي لك هو لك فأنت معناه ، [ ص: 52 ] والحب أعتقده لك طائعا ، والذنب آتيه مني كارها ، فهب كراهة ذنبي لطواعية حبي إنك أرحم الراحمين . قال : وسمعت إلهي ذنبي إلى نفسي فأنا معناه يحيى يقول : ، إلهي بكرمك غدا أصل إليك كما بنعمتك دللت اليوم عليك . قال : وسمعت إلهي إن لم ترحمني رحمة الكرامة عليك فارحمني رحمة الإيقاع إليك يقول : يحيى بن معاذ . وإن أنالهم فضله لم تبق لهم سيئة " . إن وضع عليهم عدله لم تبق لهم حسنة
حدثنا عثمان بن محمد العثماني ، ثنا محمد بن أحمد بن محمد البغدادي ، ثنا عبد الله بن سهل الرازي قال : سمعت يقول : " مفاوز الدنيا تقطع بالأقدام ومفاوز الآخرة تقطع بالقلوب ، قال : وسمعته يقول : يحيى بن معاذ آدم لا يزال دينك متمزقا ما دام القلب بحب الدنيا متعلقا قال : وسمعته يقول : يا ابن ، ولا مكن الدنيا من نفسه أحد إلا وقع في بحر الذنوب ، وسمعته يقول ورأى رجلا يوما يقلع الجبل في يوم حار وهو يغني فقال : مسكين ابن ما ركن إلى الدنيا أحد إلا لزمه عيب القلوب آدم قلع الأحجار أهون عليه من ترك الأوزار . قال : وسمعته يقول : من لم يرض عن الله في الممنوع لم يسلم من الممنوع . قال : وسمعته يقول : لو كانوا يعلمون . وسمعته يقول : وسئل متى يعلم الرجل أنه قد أصاب الطريق وأمن هذا الخلق ؟ قال : إذا استحلوه واستمرهم ، وأحبوا لقاءه وكره لقاءهم . قال : ونظر يوما إلى إنسان وهو يقبل ولدا له صغيرا فقال : أتحبه ؟ قال : نعم ، قال : هذا حبك له إذ ولدته فكيف بحب الله له إذ خلقه ؟ وسمعته يقول : سبحوا في بحار البلايا حتى جاوزوها إلى العطايا ، ثم سبحوا في بحار العطايا حتى جاوزوها إلى رب البرايا . وقال : وسمعته يقول : وقيل له : من أي شيء دوام غمك ؟ قال : من شيء واحد ، قيل : وما هو ؟ قال : خلقني ولا أدري لم خلقني ؟ وسمعته يقول : من أشخص بقلبه إلى الله انفتحت ينابيع الحكمة من قلبه وجرت على لسانه " . طلبوا الزهد في بطن الكتب ، وإنما هو في بطن التوكل
حدثنا محمد بن محمد بن زيد ، ثنا الحسن بن علويه الدامغاني قال : سمعت يقول : " يحيى بن معاذ . قد غرق في بلائه وهو يريد أن ينجو من ربه بصفائه
قال : وسمعت يحيى يقول : أنا في نصب المثابر وتعبية العساكر والناس لا يعلمون . [ ص: 53 ] وقال يحيى : الأبدان في سجن النيات والناس ثلاثة : مذموما ، ورجل تشاغل بالآخرة محمودا ، ورجل تشاغل بالله عما دونه مقربا مرفوعا . قال : وسمعته يقول : لا يفلح من شمت منه رائحة الرياسة . وسمعته يقول : جماع الأمر كله في شيئين : سكون القلب على رزق هذه الناحية ، والاجتهاد في طلب رزق تلك الناحية ، وسمعته يقول : إن لقيني القضاء بكيد من البلاء لقيت القضاء بكيد من الدعاء " . رجل تشاغل بالدنيا عن الله
سمعت أبا الحسن أحمد بن محمد بن الحسن بن مقسم يقول : سمعت أبا العباس بن حكويه الرازي يقول : سمعت يقول : " يحيى بن معاذ . قال : وسمعت لا تستبطئ الإجابة وقد سددت طرقاتها بالذنوب يحيى يقول : ، واسترض ربك قبل ملاقاته واعمر بيتك الذي تسكنه قبل انتقالك إليه - يعني القبر - " . اترك الدنيا قبل أن تتركك
سمعت أبا الحسن يقول : سمعت أبا العباس يقول : سمعت يقول : " يحيى بن معاذ " . إنما ينبسطون إليه على قدر منازلهم لديه
وسمعت يقول : " يحيى بن معاذ ، ومن كان مع السيئات لم تنفعه الحسنات . قال : وسمعت من كان قلبه مع الحسنات لم تضره السيئات يحيى يقول : ، ولو أدركت القلوب كنه هذه المحبة لخالقها لانخلعت مفاصلها إليه ، ولها عليه ، ولطارت الأرواح إليه من أبدانها دهشا ، فسبحان من أغفل الخليقة عن كنه هذه الأشياء وألهاهم بالوصف عن حقائق هذه الأشياء . قال : وسمعت لو رأت العقول بعيون الإيمان نزهة الجنة لذابت النفوس شوقا يحيى يقول : . قال : وسمعت لا تطلب العلم رياء ، ولا تتركه حياء يحيى يقول : - يعني : حكمة جديدة - " . أعظم المصيبة على الحكيم في اليوم أن يمضي عنه لا يأتيه فيه هدية من ربه
حدثنا محمد بن محمد قال : سمعت الحسن بن محمد الرازي المذكر يقول : سمعت أبي يقول : سمعت يقول : " يحيى بن معاذ ، الدنيا طالبة ومطلوبة ، فمن طلبها رفضته ، ومن رفضها طلبته ، الدنيا قنطرة الآخرة ، فاعبروها ولا تعمروها ، ليس من العقل بنيان القصور على [ ص: 54 ] الجسور ، الدنيا عروس وطالبها ماشطتها ، وبالزهد ينتف شعرها ، ويسود وجهها ، ويمزق ثيابها ، ومن طلق الدنيا فالآخرة زوجته . فالدنيا مطلقة الأكياس لا تنقضي عدتها أبدا ، فخل الدنيا ولا تذكرها ، واذكر الآخرة ولا تنسها ، وخذ من الدنيا ما يبلغك الآخرة ، ولا تأخذ من الدنيا ما يمنعك الآخرة " . الدنيا أمير من طلبها وخادم من تركها
حدثنا محمد قال : سمعت الحسن يقول : سمعت أبي يقول : سمعت يقول : " يحيى بن معاذ : حسن القبول ، وتقليد العلم ، وبذل الفضل ، وتفسير حسن القبول : أن تسمع بينة الاستفادة ، وتنظر الإرادة ، وتقليد العلم : أن لا تهز رأسك كأنك عالم بما تسمعه ، فهذا يدخله في الكبر ويفسد العمل . قال : وسمعت تمام المغفرة في ثلاث يحيى يقول : عدم التواضع من فاته خصال : علمه بما خلق له وما خلق منه وما يعود إليه . قال : وسمعت يحيى يقول : ثلاثة خصال : من آثر رضاه وقارن تقاه ، وخالف هواه - يعني رضا الله على رضا نفسه - وقارن تقاه - يعني جعل التقى قرينه فلا يزايله - في حال عسره ويسره وسروره ورضاه وغضبه ، وخالف هواه - يعني فيما يبعده عن الله - وينقصه حظ الجزاء " . علامة من اتقى الله
حدثنا أبو الحسن بن عمرو ، ثنا الحسن بن علويه . قال : سمعت يحيى يقول : " . قال : وسمعت إن أعرضت عنا بوجهك الكريم استعطفناك بقول لا إله إلا الله يحيى يقول : إن تلقاني بمكر منه اقتدارا تلقيته بذل مني افتقارا . قال : وسمعت يحيى يقول : التائب يبكيه ذنبه ، والزاهد تبكيه غربته ، والصديق يبكيه خوف زوال الإيمان . قال : سمعت يحيى يقول : ، وعن دينك ، فكيف إذا باشرتها بجميع جوارحك ؟ قال : وسمعت فكرتك في الدنيا تلهيك عن ربك يحيى يقول : أوثق على جراب إيمانك لا يقرضه الفأر . قال : وسمعت يحيى يقول : تضاحكت الأشياء إلى أولياء الله العارفين بأفواه القدرة عن مليكهم لما يرون من آثار صنعه فيها ويعاينون من بدائع خلقه معها ، فلهم في كل شيء معتبر ، وعند كل شيء مدكر ، وقال في دعائه : إلهي ضمن أعمالي غنيمة عقباها وامنع نفسي لذاذة دنياها . قال : وسمعت يحيى يقول : سبحان من يبيع الحبيبة بالبغيضة - يعني الدنيا - . قال : وسمعت يحيى [ ص: 55 ] يقول : الجنة حبيبة المؤمن يبيعها منه بالبغيضة - يعني الدنيا - . قال : وسمعت يحيى يقول : ربما رأيت أحدهم يقول : عشرين سنة أطلب ربي ، ويحك ربك لا يجبرك على تضييع نفسك أبدا ، اطلب نفسك حتى تجدها فإذا وجدتها فقد وجدت ربك . قال : وسمعت يحيى يقول : واعجبا كل من جاءني بكبة وقد ضاع رأسه طلبتها في ساعة ، فدفعتها إليه ورأس الكبة من غزلي قد ضاع منذ عشرين سنة ، وأنا في طلبه فلا أقدر عليه . وسمعته يقول : ، وهو لا يسألك منها جناح بعوضة " . الدنيا لا تعدل عند الله جناح بعوضة
أخبرني محمد بن أحمد البغدادي أبو بكر - في كتابه - وحدثني عنه عثمان بن محمد العثماني ، ثنا عبد الله بن سهل الرازي . قال : سمعت يقول : " أيها المريدون طريق الآخرة والصدق ، والطالبون أسباب العبادة والزهد ، اعلموا أنه يحيى بن معاذ ، ومن لم يعرف آفة العمل لم يحسن أن يحترز منه ، ومن لم تصح عنايته في طلب الشيء لم ينتفع به إذا وجده ، واعلموا أنكم خلقتم لأمر عظيم وخطر جسيم ، وأن العلم لم يرد ليعلم إنما أريد ليعلم ويعمل به ؛ لأن الثواب على من لم يحسن عقله لم يحسن تعبد ربه يقع لا على العلم ، ألا ترى أن العلم إذا لم يعمل به عاد وبالا وحجة ، وانظروا ألا تكونوا معشر المريدين ممن قد تركوا لذة الدنيا ونعيمها ، ثم لا يصدق طلبكم الآخرة فلا دنيا ولا آخرة ، وفكروا فيما تطلبون فإن من لم يعرف خطر ما يطلب لم يسهل عليه الجهل في جنب طلبه ، واعلموا أنه من لم يهن عليه الخلق لم يعظم عليه الرب ، ومن لم يكن طلبه في العمل بالعلم كان متحيرا في طلبه ، مخلطا في عمله ، لا يجد لذة العبادة ، ولا يقطع طريق الزهادة ، فاتقوا الله الذي إليه معادكم ، طريق الرغبة والرهبة والشوق والمحبة والعبادة وحالكم عند الله على خلاف ذلك ، فإن الله إنما يجزيكم على ما يعرف منكم لا على ما يعرفه الناس ، ولا تكونوا ممن يولع بصلاح الظاهر الذي إنما هو للخلق ، ولا ثواب له بل عليه العقاب ، ويدع الباطن الذي هو لله وله الثواب ولا عقاب عليه " . وانظروا ألا تكونوا ممن يعرفهم جيرانهم وإخوانهم بالخير والإرادة والزهادة