[ ص: 268 ] باب من الكلام في شبه العمد وهو عمد الخطأ قال رضي الله عنه : وقد ذكرناه قبل ولم نوضح فساد الأخبار التي موهوا بها ، وتناقض الطوائف الثلاث المالكيين ، والحنفيين ، والشافعيين فيها ; فوجب أن نستدرك ذلك ، كما فعلنا في سائر المسائل - وبالله تعالى التوفيق . أبو محمد
قال : شغب الحنفيون ، والشافعيون ، القائلون بعمد الخطأ - : بما روينا من طريق أبو محمد ، شعبة ، كلاهما عن وسفيان الثوري جابر الجعفي عن أبي عازب عن قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { النعمان بن بشير } . كل شيء خطأ إلا السيف ، وفي كل خطأ أرش
قال رضي الله عنه : أبو محمد جابر الجعفي كذاب ، وأول من شهد عليه بالكذب ، ثم لم يبال بذلك أصحابه ، فاحتجوا بروايته حيث اشتهوا ، ثم العجب كله أن الحنفيين ، والشافعيين : مخالفون لهذا الخبر ، عاصون له . أبو حنيفة
فالشافعيون : يرون ، والحنفيون : يرون القود في العمد بكل ما يمكن أن يمات من مثله ، وعلى من أحرق بالنار ، وعلى من خنق ثلاث مرات ، فصاعدا - وكل هذا ليس فيه قتل بالسيف ، فمن أضل ممن يحتج بما هو أول مخالف له . القود على من ذبح بليطة القصب
وأما المالكيون : فإنهم احتجوا بخلاف السنة الثابتة من صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس جالسا آخر صلاة صلاها بأصحابه رضي الله عنهم برواية جابر الجعفي الكذاب المذكور المرسلة أيضا { } ورأوه حينئذ حجة لازمة ، ترد به [ ص: 269 ] رواية أهل لا يؤمن أحد بعدي جالسا المدينة الثقات ، المسندة ، وآخر عمله عليه الصلاة والسلام إذا وافق رأي ، ثم لم يكبر عليهم تكذيب مالك ورد روايته ، إذا خالف رأي جابر - فأي دين يبقى مع هذا ؟ وهل هذا إلا اتباع الهوى ، ولا مزيد ؟ قال مالك رضي الله عنه : وقد روي هذا الخبر أيضا - من طريق أبو محمد عبد الباقي بن قانع راوي كل بلية وترك حديثه بأخرة عن عن محمد بن عثمان بن أبي شيبة عقبة بن مكرم عن عن يونس بن بكير عن قيس بن الربيع أبي حصين عن إبراهيم ابن بنت النعمان بن بشير عن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم { النعمان بن بشير } . كل شيء خطأ إلا السيف ولكل خطأ أرش
قال رضي الله عنه : أبو محمد عبد الباقي لا شيء ، : ضعفه وقيس بن الربيع ابن معين ، ، وعفان - وترك حديثه ووكيع القطان ، - وهو بعد - عن وعبد الرحمن بن مهدي إبراهيم بن بنت النعمان الذي لا يدري أحد من هو ؟ واحتجوا أيضا - بما رويناه من طريق عن أبي بكر بن أبي شيبة عبد الرحمن بن سليمان عن إسماعيل بن مسلم عن عمرو بن دينار عن عن طاوس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم { ابن عباس } وفيه : فما كان من رمي ، أو ضربة بعصا ، أو رمية بحجر ، فهو مغلظ في أسنان الإبل . العمد قود اليد إلا أن يعفو ولي المقتول
ورويناه أيضا - من طريق عن عبد الرزاق الحسن بن عمارة عن عمرو بن دينار عن عن أبيه عن طاوس عن النبي صلى الله عليه وسلم { ابن عباس } . من قتل في رميا رميا بحجر أو ضربا بعصا أو سوط ، فعليه عقل الخطأ ، ومن قتل اعتباطا فهو قود
ومن طريق عن ابن الأعرابي ، قال عبد الرزاق : لعله عن ابن الأعرابي أخبرني ابن جريج عن أبيه { ابن طاوس } ورويناه من طريق : أن عنده كتابا جاء به الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه : قتل العمية - ديته دية الخطأ ، الحجر ، والسوط ، والعصا - ما لم يحمل سلاحا . أحمد بن شعيب أخبرني أنا هلال بن العلاء سعيد بن سليمان أنا أنا سليمان بن كثير عمرو بن دينار عن عن طاوس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم { ابن عباس } . من قتل [ ص: 270 ] في عميا أو رميا يكون بينهم بحجر أو بسوط أو بعصا فعقله عقل خطأ ومن قتل عمدا فقود يديه
ومن طريق أحمد بن شعيب أنا محمد بن معمر أنا أنا محمد بن كثير عن سليمان بن كثير عمرو بن دينار عن عن طاوس - رفعه - بنحوه . ابن عباس
وما رويناه من طريق أنا البزار محمد بن مسكين أنا عن بكر بن مضر عمرو بن دينار قال : قال عن طاوس عن النبي صلى الله عليه وسلم { أبي هريرة } . من قتل في عمية بحجر أو عصا فهو خطأ عقله عقل خطأ ومن قتل عمدا فهو قود
قال رضي الله عنه : كل هذا لا حجة لهم فيه - : أما الخبر الذي صدرنا به من طريق أبو محمد ففيه ابن أبي شيبة إسماعيل بن مسلم - وهو مخزومي مكي ضعيف - ثم لو صح لكانوا كلهم مخالفين له - : أما الحنفيون - فإن في هذا الخبر ما كان من رمي ، أو ضربة بعصا ، أو رمية بحجر ، فهو مغلظ في أسنان الإبل - وهم يقولون : من رمي بسهم ، أو رمح ، ففيه القود ، ولم يخص في هذا الباب رميا من رمي ، بل فرق بين الرمي المطلق ، والرمي بالحجر ، والضربة بالعصا - فصح أنه الرمي بالرمح والسهم - وهم لا يقولون ذلك .
وكذلك خالفه الشافعيون أيضا في الرمي من كل ما يمات من مثله .
والمالكيون مخالفون له جملة .
وأما خبرا - أما الأول ، ففيه : عبد الرزاق الحسن بن عمارة - وهو هالك - وأما الثاني - فمرسل ، ثم إنه لو صحا جميعا لكانوا أيضا قد خالفوهما ; لأن فيهما : أن عقله عقل الخطأ - ولا يرى هذا أحد منهم .
أما الحنفيون ، والشافعيون - فيغلظون فيه الدية في الإبل ، بخلاف عقل الخطأ ; وأما المالكيون - فيرون فيه القود .
وأما خبرا ، سليمان بن كثير - فصحيحان ، وبهما نقول ، وهما [ ص: 271 ] خلاف قولهم ; لأن فيهما : أن من قتل في عمية ، أو عميا ، فهو خطأ عقله عقل خطأ - فهذا قتيل لا يعرف قاتله ، وإذ هو كذلك فليس فيه إلا الدية ، وديته دية قتل الخطأ . وبكر بن مضر
وفيهما - من قتل عمدا فهو قود ، فلم يخص عليه الصلاة والسلام سيفا من غيره ، ولا حديدة من غيرها ، بل أوجب فيه القود بمثل ما أصاب بيده - وهو قولنا ، لا قولهم - وبالله تعالى التوفيق .
وموهوا أيضا - بخبر رويناه : من طريق عن عبد الرزاق عن ابن جريج قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { عمرو بن شعيب } وذلك أن ينزو الشيطان بين الناس ، فيكون رميا في عمياء ، عن غير ضغينة ، ولا حمل سلاح . شبه العمد مغلظ ولا يقتل به صاحبه
قال رضي الله عنه : هذا مرسل لا حجة فيه ، وجميع الطوائف نقضت أصولها فيه - : أما الحنفيون - فأقحموا فيه من تعمد قتل مسلم بالخنق ، أو بالتغريق ، أو بشدخ رأسه بحجر فيه قنطار - وليس هذا مما فسر في هذا الخبر في شيء . أبو محمد
وأما المالكيون فهم يقولون : المرسل كالمسند - وهذا مرسل قد تركوه .
والشافعيون لا يرون الأخذ بالمرسل - وأخذوا هاهنا بمرسل .
وبما رويناه - من طريق أبي داود أنا محمد بن يحيى بن فارس أنا أنا محمد بن بكار بن بلال عن محمد بن راشد عن سليمان بن موسى عن أبيه عن جده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { عمرو بن شعيب } . : عقل شبه العمد مغلظ مثل عقل العمد ولا يقتل صاحبه
قال محمد بن يحيى بن فارس : وزاد : أنا عن خليل ابن راشد في هذا الخبر بإسناده : وذلك مثل أن ينزو الشيطان بين الناس فيكون دما في عمياء ، في غير ضغينة ، ولا حمل سلاح .
[ ص: 272 ] قال رضي الله عنه : هذه صحيفة مرسلة لا يجوز الاحتجاج بها - ثم إنهم كلهم قد خالفوا ما في هذا الخبر . أبو محمد
أما وأصحابه فيقحمون في هذا القسم خلاف ما في الخبر ; لأنهم يجعلون من قتل في ضغينة وحمل سلاح فقتل بعمود حديد عمدا قصدا حكمه حكم من ذكر في هذا الخبر - وهو خلافه جهارا . أبو حنيفة
ولم يدخل الشافعيون فيه : من قتل في عميا قصدا بما قد يمات من مثله من عصا ونحوها - وخالفه المالكيون جملة .
وموهوا أيضا - بما روينا من طريق عن شعبة سمعت أيوب السختياني القاسم بن ربيعة عن عن النبي صلى الله عليه وسلم قال { عبد الله بن عمرو بن العاص } . قتل الخطأ شبه العمد قتيل السوط والعصا مائة من الإبل أربعون منها في بطونها أولادها
قال رضي الله عنه : هذا خبر مدلس ، سقط منه بين أبو محمد القاسم بن ربيعة وبين رجل - . عبد الله بن عمر
كما رويناه من طريق أحمد بن شعيب أنا أنا يحيى بن حبيب بن عربي حماد بن زيد عن خالد الحذاء عن القاسم بن ربيعة عن عقبة بن أوس عن عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكر فيه هذا الخبر بعينه . عبد الله بن عمرو بن العاص
وعقبة بن أوس مجهول لا يدرى من هو ؟ ولا يصح للقاسم بن ربيعة سماع من . عبد الله بن عمرو
وقد رويناه أيضا : عن القاسم بن ربيعة بخلاف هذا كما أنا حمام أنا عباس بن أصبغ أنا محمد بن عبد الملك بن أيمن أنا أحمد بن زهير بن حرب ثنا ثنا أبي ابن علية عن خالد الحذاء عن القاسم بن ربيعة عن يعقوب بن أوس رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { مكة فقال : ألا إن قتيل خطأ العمد } قال خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح : أو قال { خالد } . قتيل الخطأ شبه العمد قتيل السوط ، والعصا منها أربعون في بطونها أولادها
قال رضي الله عنه : أبو محمد يعقوب بن أوس مجهول لا صحبة له .
كما روينا هذا الخبر نفسه من طريق أحمد بن شعيب أنا إسماعيل بن مسعود - هو الجحدري - [ ص: 273 ] أنا عن بشر بن المفضل خالد الحذاء عن القاسم بن ربيعة عن يعقوب بن أوس عن رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فذكر هذا الخبر نفسه .
وقد رويناه أيضا - من طريق أسقط من هذه .
كما روينا - من طريق ، حماد بن سلمة ، قال وسفيان بن عيينة حماد : أنا عن علي بن زيد بن جدعان يعقوب السدوسي عن { عبد الله بن عمرو - هو ابن العاص } . أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب يوم الفتح فقال ألا إن دية العمد الخطأ بالسوط والعصا : دية مغلظة مائة من الإبل فيها أربعون خلفة في بطونها أولادها
وقال سفيان : أنا ابن جدعان سمعه من القاسم بن ربيعة عن فذكره - ابن عمرو وابن جدعان هذا هو ضعيف جدا - علي بن زيد ويعقوب السدوسي مجهول - ولم يلق القاسم بن ربيعة قط - فسقط جملة - والحمد لله رب العالمين . ابن عمرو
ومع ذلك فإن الطوائف الثلاث نقضت فيه أصولها - : أما الحنفيون - حاشا - فلا يرون دية عمد الخطأ إلا خمسا وعشرين بنت مخاض ، وخمسا وعشرين بنت لبون ، وخمسا وعشرين حقاقا وخمسا وعشرين جذعة - بخلاف ما في هذا الخبر . محمد بن الحسن
وأما المالكيون - فخالفوه كله .
وأما الشافعيون - فلا يرون ذلك في العصا التي يمات من مثل ضربتها ، ولا في الضرب بالسوط عمدا ، حتى يموت ، بل يرون في هذا القود خلافا لهذا الخبر ، مع أنهم لا يقولون إلا بالمسند من رواية المشهورين - وليس هذا الخبر من هذا النمط .