( ) المدين ومنه كما مر مكاتب استدان للنجوم وعتق ثم ( إن استدان لنفسه ) أي : لغرضها الأخروي والدنيوي ( في غير معصية أعطي ) [ ص: 157 ] وإن صرفه فيها ، ولو لم يتب إذا علم قصده الإباحة ، أو لا لكنا لا نصدقه فيه أي : بل لا بد من بينة ، فإن قلت : من أين علمها بذلك قلت : لها أن تعتمد القرائن المفيدة له كالإعسار ( أو ) استدان ( لمعصية ) يعني أو والغارم كذا ذكره لزم ذمته دين بسبب عصى به ، وقد صرفه فيها كأن اشترى خمرا في ذمته الرافعي ، وهو مشكل ؛ لأنه إذا اشتراها ، وأتلفها لا يلزم ذمته شيء إلا أن يحمل على كافر اشتراها ، وقبضها في الكفر ثم أسلم ، فيستقر بدلها في ذمته ، أو يراد من ذلك أنه استدان شيئا بقصد صرفه في تحصيل خمر ، وصرفه فيها فالاستدانة بهذا القصد معصية ، وكأن أتلف مال غيره عمدا ، أو أسرف في النفقة ، وقولهم : إن صرف المال في اللذات المباحة غير سرف محله فيمن يصرف من ماله بالاستدانة من غير رجاء وفائه أي : حالا فيما يظهر من جهة ظاهرة مع جهل الدائن بحاله ، فإن قلت : لو أريد هذا لم يتقيد بالإسراف قلت : المراد بالإسراف هنا الزائد على الضرورة أما الاقتراض للضرورة ، فلا حرمة فيه كما هو ظاهر من كلامهم في وجوب البيع للمضطر المعسر ( فلا ) يعطى شيئا لتقصيره بالاستدانة للمعصية مع صرفا فيها ، ( قلت : الأصح يعطى إذا تاب ) حالا إن غلب ظن صدقه في توبته ، ( والله أعلم ) ، وكذا إذا صرفه في مباح كعكسه السابق ، ويظهر أن العبرة في المعصية بعقدة المدين لا غيره كالشاهد ، بل أولى ولا يعطى ؛ لأنه إن عصى به فواضح ، وإلا فهو غير محتاج ؛ لأنه لا يطالب به كذا أطلقه غارم مات ، ولا وفاء معه شارح ويتعين حمله على أنه لا يحبس بسببه عن مقامه الكريم على خلاف فيه ، وأما عدم المطالبة به حتى لا يؤخذ من حسنات المدين للدائن ، فالأدلة تقتضي خلافه [ ص: 158 ] وعلى غير المستدين لنفع عام كبقية أقسام الغارم الآتية ، ثم رأيت بعضهم جزم باستثناء بعضها فقط ، وهو المستدين للإصلاح ، وما ذكرته أولى حملا على هذه المكرمة .
( والأظهر اشتراط حاجته ) بأن يكون بحيث لو قضى دينه مما معه تمسكن كما رجحاه في الروضة وأصلها والمجموع ، فيترك له مما معه ما يكفيه أي : الكفاية السابقة للعمر الغالب فيما يظهر ثم إن فضل معه شيء صرفه في دينه وتمم له باقيه ، وإلا قضى عنه الكل ، ولا يكلف كسوب الكسب هنا ؛ لأنه لا يقدر على قضاء دينه منه غالبا إلا بتدريج ، وفيه حرج شديد ، وظاهر كلامهم هنا أنه لا يكلفه عاص بالاستدانة صرفه في مباح ، أو تاب فينافي إطلاقهم السابق في الفلس ، بل أخذ بعضهم مما هنا أن شرط ذاك أن يصرفه في معصية ، ولا يتوب ولك أن تفرق بين البابين بأن ذاك حق آدمي ، فغلظ فيه أكثر ( دون حلول الدين ) ؛ لأنه لا يسمى الآن مدينا ( قلت : الأصح اشتراط حلوله ، والله أعلم ) لعدم حاجته إليه الآن ( أو ) استدان ( لإصلاح ذات البين ) أي : الحال بين القوم بأن يخاف فتنة بين شخصين ؛ أو قبيلتين تنازعا في قتيل ، أو مال متلف ، وإن عرف قاتله ، أو متلفه ، فيستدين ما تسكن به الفتنة ، ولو كان ثم من الآحاد من يسكنها غيره ( أعطي ) إن حل الدين هنا أيضا على المعتمد ( مع الغنى ) ولو بنقد ، وإلا لامتنع الناس من هذه المكرمة .
( وقيل : إن كان غنيا بنقد فلا ) يعطى إذ ليس في صرفه إلى الدين ما يهتك المروءة ، ويرد بأن الملحظ هنا الحمل على مكارم الأخلاق القاضي بأنه لا فرق وأفهم ذكره الاستدانة الدال عليها العطف كما تقرر أنه لو أعطى من ماله لم يعط ، ومثله ما لو استدان ، ووفى من ماله ومن الغارم الضامن لغيره [ ص: 159 ] فيعطى إن كان المضمون حالا ، وقد أعسر ، أو إن ضمن بالإذن ، أو أعسر هو وحده إن لم يضمن بالإذن ومنه ثم اختلفوا فألحقه كثيرون بمن استدان لنفسه ، ورجحه جمع متأخرون وآخرون بمن استدان لإصلاح ذات البين إلا إن غني بنقد ، ورجحه بعضهم ، ولو رجح أنه لا أثر لغناه بالنقد أيضا حملا على هذه المكرمة العام نفعها لم يبعد ، وواضح أن الكلام فيمن لم يملك حصته قبل موته لكونه من المحصورين الذين ملكوها . استدان لنحو عمارة مسجد وقرى ضيف
( تنبيه )
لا يتعين على مكاتب اكتسب قدر ما أخذ الصرف فيما أخذ له كما مر ، وكذا الغارم وابن السبيل بخلاف ما إذا أرادوا ذلك قبل اكتساب ما يفي ، وإن توقع لهم كسب يفي على الأوجه ، ويظهر أن هذا بالنسبة للآخذ ، أما الدافع فيبرأ بمجرد الدفع ، وإن لم يصرفه الآخذ فيما أخذ له ويحتمل خلافه .