الوجه الحادي والثلاثون وقد أفرده بالتصنيف الإمام من وجوه إعجازه (ضرب الأمثال فيه ظاهرة ومضمرة) رحمه الله تعالى. قال تعالى: أبو الحسن الماوردي ولقد صرفنا للناس في هذا القرآن من كل مثل . وقال: وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون . [ ص: 352 ] وأخرج عن البيهقي قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أبي هريرة، إن القرآن نزل على خمسة أوجه: حلال، وحرام، ومحكم، ومتشابه، وأمثال، فاعملوا بالحلال، واجتنبوا الحرام، واتبعوا المحكم، وآمنوا بالمتشابه، واعتبروا بالأمثال. قال من أعظم علم القرآن علم أمثاله، والناس في غفلة عنه لاشتغالهم بالأمثال وإغفالهم الممثلات، والمثل بلا ممثل كالفرس بلا لجام، والناقة بلا زمام. الماوردي:
وقال غيره: وقد قال مما يجب على المجتهد معرفته من علوم القرآن معرفة ما ضرب فيه من الأمثال الدوال على طاعته، البينة لاجتناب معصيته. وقال الشافعي: الشيخ عز الدين: إنما ضرب الله الأمثال في القرآن تذكيرا ووعظا، فما اشتمل منها على تفاوت في ثواب أو على إحباط عمل، أو على مدح أو ذم أو نحوه - فإنه يدل على الأحكام. وقال غيره: ضرب الأمثال في القرآن يستفاد منه أمور كثيرة: التذكير. والوعظ، والحث والزجر، والاعتبار والتقرير، وتقريب المراد للعقل، وتصويره بصورة المحسوس، فإن الأمثال تصور المعاني بصورة الأشخاص، لأنها أثبت في الأذهان لاستعانة الذهن فيها بالحواس. ومن ثم كان الغرض من المثل تشبيه الخفي بالجلي، والغائب بالمشاهد. وتأتي أمثال القرآن مشتملة على بيان تفاوت الأجر، وعلى المدح والذم، وعلى الثواب والعقاب، وعلى تفخيم الأمر أو تحقيره، وعلى تحقيق أمر أو إبطاله، قال تعالى: وضربنا لكم الأمثال ، فامتن علينا بذلك، لما تضمنت من الفوائد. قال الزركشي في البرهان: ومن حكمته تعليم البيان، وهو من خصائص هذه الشريعة. وقال التمثيل إنما يصار إليه لكشف المعاني، وإدناء التوهم من المشاهد، فإن كان المتمثل له عظيما كان المتمثل به مثله، وإن كان صغيرا كان المتمثل به كذلك. [ ص: 353 ] وقال الزمخشري: الأصبهاني: لضرب العرب الأمثال، واستحضار العلماء المثال والنظائر، شيء ليس بالخفي في إبراز خفيات الدقائق، ورفع الأستار عن الحقائق، تريك به المتخيل في صورة المتحقق، والمتوهم في معرض المتيقن، والغائب كأنه مشاهد، وفي ضرب الأمثال تبكيت للخصم الشديد الخصومة، وقمع لسورة الجامح الأبي، فإنه يؤثر في القلوب ما لا يؤثر وصف الشيء في نفسه، ولذلك أكثر الله تعالى في كتابه وفي سائر كتبه الأمثال، ومن سور الإنجيل سورة تسمى سورة الأمثال. وفشت في كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - وفي كلام الأنبياء والحكماء.