مختصر كتاب الصدقات من كتابين قديم وجديد ( قال ) رحمه الله فرض الله تبارك وتعالى على أهل دينه المسلمين في أموالهم حقا لغيرهم من أهل دينه المسلمين المحتاجين إليه لا يسعهم حبسه عمن أمروا بدفعه إليه أو ولاته ولا يسع الولاة تركه لأهل الأموال ; لأنهم أمناء على أخذه لأهله ولم نعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخره عاما لا يأخذها فيه وقال الشافعي رضي الله عنه : لو منعوني عناقا مما أعطوا رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليها . أبو بكر الصديق
( قال ) فإذا أخذت صدقة مسلم دعي له بالأجر والبركة كما قال تعالى { وصل عليهم } أي ادع لهم .
( قال ) والصدقة هي الزكاة والأغلب على أفواه العامة أن للثمر عشرا وللماشية صدقة وللورق زكاة وقد سمى رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا كله صدقة فما أخذ من مسلم من زكاة مال ناض أو ماشية أو زرع أو زكاة فطر أو خمس ركاز أو صدقة معدن أو غيره مما وجب عليه في ماله بكتاب أو سنة أو إجماع عوام المسلمين فمعناه واحد وقسمه واحد وقسم الفيء خلاف هذا فالفيء ما أخذ من مشرك تقوية لأهل دين الله وله موضع غير هذا الموضع ، وقسم الصدقات كما قال الله تعالى { إنما الصدقات للفقراء [ ص: 256 ] والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل } ثم أكدها وشددها فقال { فريضة من الله } الآية وهي سهمان ثمانية لا يصرف منها سهم ولا شيء منه عن أهله ما كان من أهله أحد يستحقه ولا يخرج عن بلد وفيه أهله ، { رضي الله عنه حين بعثه فإن أجابوك فأعلمهم أن عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم لمعاذ بن جبل } . وقال صلى الله عليه وسلم
( قال ) وترد الشافعي على من وجد منهم ويجمع أهل السهمان أنهم أهل حاجة إلى مالهم منها وأسباب حاجتهم مختلفة ، وكذلك أسباب استحقاقهم معان مختلفة فإذا اجتمعوا فالفقراء الزمنى الضعاف الذين لا حرفة لهم وأهل الحرفة الضعيفة الذين لا تقع في حرفتهم موقعا من حاجتهم ولا يسألون الناس ( وقال ) وفي الجديد زمنا كان أولى أو غير زمن سائلا أو متعففا . حصة من لم يوجد من أهل السهمان
( قال ) والمساكين السؤال ومن لا يسأل ممن له حرفة لا تقع منه موقعا ولا تغنيه ولا عياله وقال في الجديد سائلا كان أو غير سائل . الشافعي
( قال ) أشبه بقوله ما قاله في الجديد ; لأنه قال : لأن أهل هذين السهمين يستحقونهما بمعنى العدم وقد يكون السائل بين من يقل معطيهم وصالح متعفف بين من يبدونه بعطيتهم . المزني
( قال ) رحمه الله إن كان الشافعي لم يعطه ، فإن رجل جلد يعلم الوالي أنه صحيح مكتسب يغني عياله أو لا عيال له يغني نفسه بكسبه فالقول قوله ; واحتج بأن { قال الجلد : لست مكتسبا لما يغنيني ولا يغني عيالي ، وله عيال وليس عند الوالي يقين ما قال } . رجلين أتيا النبي صلى الله عليه وسلم فسألاه من الصدقة فقال إن شئتما ولا حظ فيها لغني ولا لذي مرة مكتسب
( قال ) رأى عليه الصلاة والسلام صحة وجلدا يشبه الاكتساب فأعلمهما أنه لا يصلح لهما مع الاكتساب ولم يعلم أمكتسبان أم لا فقال " إن شئتما " بعد أن أعلمتكما أن لا حظ فيها لغني ولا لمكتسب فعلت . الشافعي
( قال ) قبضها ومن لا غنى للوالي عن معونته عليها ، وأما والعاملون عليها من ولاه الوالي فليسا عندنا ممن له فيها حق ; لأنهما لا يليان أخذها وشرب الخليفة ووالي الإقليم العظيم الذي لا يلي قبض الصدقة ، وإن كانا من القائمين بالأمر بأخذها رضي الله عنه لبنا فأعجبه فأخبر أنه من نعم الصدقة فأدخل أصبعه فاستقاءه . عمر
( قال ) ويعطى العامل بقدر غنائه من الصدقة ، وإن كان موسرا ; لأنه يأخذه على معنى الإجارة .
( قال ) في متقدم الأخبار ضربان ضرب مسلمون أشراف مطاعون يجاهدون مع المسلمين فيقوى المسلمون بهم ولا يرون من نياتهم ما يرون من نيات غيرهم فإذا كانوا هكذا فأرى أن يعطوا من سهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو خمس الخمس ما يتألفون به سوى سهامهم مع المسلمين وذلك أن الله تعالى جعل هذا السهم خالصا لنبيه صلى الله عليه وسلم فرده في مصلحة المسلمين ( واحتج ) بأن { والمؤلفة قلوبهم حنين من الخمس مثل عيينة والأقرع وأصحابها ولم يعط عباد بن مرداس وكان شريفا عظيم الغناء حتى استعتب فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم } . النبي صلى الله عليه وسلم أعطى المؤلفة يوم
( قال ) رحمه الله لما أراد ما أراد القوم احتمل أن يكون دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم منه شيء حين رغب عما صنع الشافعي بالمهاجرين والأنصار فأعطاه على معنى ما أعطاهم واحتمل أن يكون رأى أن يعطيه من ماله حيث رأى أن يعطيه ; لأنه له صلى الله عليه وسلم خالصا للتقوية بالعطية ولا نرى أن قد وضع من شرفه فإنه صلى الله عليه وسلم قد أعطى من خمس الخمس النفل ، وغير النفل ; لأنه له وأعطى ولم يسلم ولكنه أعاره أداة فقال فيه عند الهزيمة أحسن مما قال بعض من أسلم من أهل صفوان بن أمية مكة عام الفتح وذلك أن الهزيمة كانت في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يوم حنين أول النهار فقال له رجل غلبت هوازن وقتل محمد صلى الله عليه وسلم فقال بفيك الحجر [ ص: 257 ] فوالله لرب من صفوان بن أمية قريش أحب إلي من رب من هوازن ثم أسلم قومه من قريش وكان كأنه لا يشك في إسلامه ، والله تعالى أعلم .
( قال ) فإذا كان مثل هذا رأيت أن يعطى من سهم النبي صلى الله عليه وسلم وهذا أحب إلي للاقتداء بأمره صلى الله عليه وسلم ( ولو قال ) قائل كان هذا السهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم فكان له أن يضع سهمه حيث يرى فقد فعل هذا مرة وأعطى من سهمه الشافعي بخيبر رجالا من المهاجرين والأنصار ; لأنه ماله يضعه حيث رأى ولا يعطي أحدا اليوم على هذا المعنى من الغنيمة ولم يبلغنا أن أحدا من خلفائه أعطى أحدا بعده ، ولو قيل : ليس للمؤلفة في قسم الغنيمة سهم مع أهل السهمين كان مذهبا ، والله أعلم .
( قال ) وللمؤلفة في قسم الصدقات سهم والذي أحفظ فيه من متقدم الخبر أن جاء إلى عدي بن حاتم أحسبه بثلاثمائة من الإبل من صدقات قومه فأعطاه أبي بكر الصديق منها ثلاثين بعيرا وأمره أن يلحق أبو بكر بمن أطاعه من قومه فجاءه بزهاء ألف رجل وأبلى بلاء حسنا والذي يكاد يعرف القلب بالاستدلال بالأخبار أنه أعطاه إياها من سهم المؤلفة ، فإما زاده ترغيبا فيما صنع وإما ليتألف به غيره من قومه ممن لم يثق منه بمثل ما يثق به من بخالد بن الوليد . عدي بن حاتم
( قال ) فأرى أن يعطى من سهم المؤلفة قلوبهم في مثل هذا المعنى إن نزلت بالمسلمين نازلة - ولن تنزل إن شاء الله تعالى - وذلك أن يكون فأعان عليهم أهل الصدقات إما بلية فأرى أن يقووا بسهم سبيل الله من الصدقات ، وإما أن لا يقاتلوا إلا بأن يعطوا سهم المؤلفة أو ما يكفيهم منه ، وكذا إذا العدو بموضع منتاط لا يناله الجيش إلا بمؤنة ويكون بإزاء قوم من أهل الصدقات وثقل مؤناتهم ويضعفون عنه فإن لم يكن مثل ما وصفت مما كان في زمن انتاط العدو وكانوا أقوى عليه من قوم من أهل الفيء يوجهون إليه ببعد ديارهم أبي بكر رضي الله عنه من امتناع أكثر العرب بالصدقة على الردة وغيرها لم أر أن يعطى أحد من سهم المؤلفة ولم يبلغني أن ولا عمر عثمان ولا رضي الله عنهم أعطوا أحدا تألفا على الإسلام وقد أغنى الله - فله الحمد - الإسلام عن أن يتألف عليه رجال . عليا
( وقال في الجديد ) لا يعطى مشرك يتألف على الإسلام ; لأن الله تعالى خول المسلمين أموال المشركين لا المشركين أموال المسلمين وجعل صدقات المسلمين مردودة فيهم .
( قال ) من حيز إنما الصدقات ، والله أعلم . ولا يعتق عبد يبتدأ عتقه فيشترى ويعتق ( والرقاب المكاتبون ) صنفان صنف دانوا في مصلحتهم أو معروف وغير معصية ثم عجزوا عن أداء ذلك في العرض والنقد فيعطون في غرمهم لعجزهم فإن كانت لهم عروض يقضون منها ديونهم فهم أغنياء لا يعطون حتى يبرءوا من الدين ثم لا يبقى لهم ما يكونون به أغنياء ، وصنف دانوا في صلاح ذات بين ومعروف ولهم عروض تحمل حمالاتهم أو عامتها ، وإن بيعت أضر ذلك بهم ، وإن لم يفتقروا فيعطى هؤلاء وتوفر عروضهم كما يعطى أهل الحاجة من الغارمين حتى يقضوا سهمهم ( واحتج ) بأن { والغارمون قبيصة بن المخارق قال : تحملت بحمالة فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألته فقال نؤديها عنك أو نخرجها عنك إذا قدم نعم الصدقة يا قبيصة المسألة حرمت إلا في ثلاث رجل تحمل بحمالة فحلت له المسألة حتى يؤديها ثم يمسك ورجل أصابته فاقة أو حاجة حتى شهد أو تكلم ثلاثة من ذوي الحجا من قومه أن به فاقة أو حاجة فحلت له المسألة حتى يصيب سدادا من عيش أو قواما من عيش ثم يمسك ورجل أصابته جائحة فاجتاحت ماله فحلت له الصدقة حتى يصيب سدادا من عيش أو قواما من عيش ثم يمسك وما سوى ذلك من المسألة فهو سحت } .
( قال ) رحمه الله بهذا قلت في الغارمين وقول النبي صلى الله عليه وسلم { الشافعي } يعني - والله أعلم - من سهم الفقراء والمساكين لا الغارمين وقوله { تحل له المسألة في الفاقة والحاجة } يعني - والله أعلم - أقل اسم [ ص: 258 ] الغناء ولقول النبي صلى الله عليه وسلم { حتى يصيب سدادا من عيش } فبهذا قلت : يعطى الغازي والعامل ، وإن كانا غنيين والغارم في الحمالة على ما أبان عليه السلام لا عاما ، ويقبل قول ابن السبيل إنه عاجز عن البلد ; لأنه غير قوي حتى تعلم قوته بالمال ، ومن لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة : لغاز في سبيل الله أو لعامل عليها أو لغارم أو لرجل اشتراها بماله أو لرجل له جار مسكين فتصدق على المسكين فأهدى المسكين للغني أعطي ومن طلب بأنه يغزو لم يعط إلا ببينة ; لأن أصل الناس أنه غير غارمين حتى يعلم غرمهم والعبيد غير مكاتبين حتى تعلم كتابتهم ومن طلب بأنه غارم أو عبد بأنه مكاتب لم يعط إلا بأن يعلم ذلك ، وما وصفت أنه يستحقه به وسهم سبيل الله كما وصفت يعطى منه من أراد الغزو من أهل الصدقة فقيرا كان أو غنيا ولا يعطى منه غيرهم إلا أن يحتاج إلى الدفع عنهم فيعطاه من دفع عنهم المشركين ; لأنه يدفع عن جماعة أهل الإسلام ، وابن السبيل عندي ابن السبيل من أهل الصدقة الذي يريد البلد غير بلده لأمر يلزمه . طلب بأنه من المؤلفة