تتمة [ وجوب الأشياء قد يكون على التخيير ] . أما الأول : فقد يكون الجمع بينهما حراما ، كالتزويج من الكفأين ، وقد يكون مباحا ، كستر العورة بثوب بعد ثوب ، وقد يكون ندبا ، كخصال الكفارة ، كذا قاله في المحصول " وفي الأول نظر ; لأنه من باب القدر المشترك لا من المخير ، نعم نظيره لو قال : أعتق أحد [ ص: 269 ] هذين العبدين . وكذا تمثيله الثاني بستر العورة ; لأنه أيضا من القدر المشترك ، وينبغي أن يتقيد بثوب زائد على الثياب المسومة ، وأيضا فالمباح لبس الثاني ، ثم الزائد ليس بساتر للعورة ، وحكمه بالندب على الثالث يحتاج إلى دليل ، ولم نر من صرح به . وجوب الأشياء على المكلف قد يكون على التخيير ، وقد يكون على الترتيب
وقد يستدل بالاحتياط له وبالقياس على تعداد الرقاب فيمن عليه عتق رقبة ، ويستدل لهذا بأن عائشة رضي الله عنها حين كلمت ، وكانت نذرت ترك كلامه أعتقت رقابا كثيرة . ولعل مراد ابن الزبير الإمام أن الجمع قبل فعله غير مطلوب ، بل إذا فعله بعد فعل غيره يقع مستحبا بناء على ثواب الندب كالنافلة المطلقة ، ويشهد له تمثيلهم للمخير المباح بستر العورة بثوب بعد آخر ، وأحسن من هذا أن يمثل له بالجمع بين الماء والحجر في الاستنجاء . وأما الثاني : فقد يكون الجمع حراما كالمضطر الواجد مذكاة وميتة كذا مثله في المحصول " ، وفيه نظر ; لأن الحرام إنما هو أكل الميتة ، إذ لا تدخل المذكاة في الحرمة ، وتحريم الجمع إنما يكون لعلة دائرة بين المفردين . وقد يكون مباحا ، ومثله في المحصول " بالوضوء والتيمم وغلط ; لأن التيمم يختص بحال العجز .
وصوره بعضهم بما إذا ، فإنه مباح له التيمم ، لأجل الخوف ، ولا يمتنع الوضوء لعدم تحقق الضرر ، فإذا توضأ بعد التيمم جاز ، ثم خدش فيه بأنه إذا توضأ بطل التيمم ; لأنه طهارة ضرورة ، ولا ضرورة هنا . خاف من استعمال [ ص: 270 ] الماء لمرض ولم ينته خوفه إلى القطع أو الظن بالضرر المانع من جواز استعمال الماء قلت : وفيه نظر ، فإنه لا يمتنع اجتماع ذلك ، إذ المبيح قائم ، ويمكن تصويره بصور : أحدها : إذا وجد الماء يباع بأكثر من ثمن المثل ، فإنه يباح له التيمم ، فلو جاز . تيمم ، ثم قبل الدخول في الصلاة ، أراد أن يتبرع بشراء الماء والوضوء به
الثانية : لو كان ، فإنه يتخير بين أن يستعمل ما معه في الوضوء ويشتري الماء للشرب ، وبين أن يتيمم أولا ثم يتوضأ به ، وإنما قلنا بصحة التيمم في هذه الحالة ، ولم نوجب عليه استعمال ما معه وشراء الماء للشرب ; لأن الماء إذا ارتفع سعره ينزل منزلة العدم ، وحاجته إلى الشرب مقدمة على الوضوء بالماء الذي معه . فإن قيل : إذا توضأ بطل التيمم إذ لا يصح التيمم مع وجود الماء . قلنا : لا نسلم بطلانه بل التيمم المتقدم لا يبطله الوضوء بعده ; لأنه إدخال عبادة على أخرى وهما لا يتنافيان . وأما قولهم : التيمم لا يصح مع وجود الماء ، فالمراد به الماء الذي يجب استعماله . أما ما يجوز استعماله معه كهذه الصور التي صورناها فلا . معه ماء يحتاج إليه لعطش ، ولو توضأ به لاحتاج إلى شرائه بأكثر من ثمن مثله
[ ص: 271 ] ويتصور اجتماعهما أيضا مع تأخر التيمم في صور . إحداها : إذا فإنه يتيمم عن الغسل ، ومثله مريد الإحرام ، والمراد بالإباحة : جواز الفعل . الثانية : لو وجد ماء للوضوء ، ثم لم يوجد ماء يغتسل به للجمعة ، فإنه يتيمم عوضا عن تجديد الوضوء ، كما يتيمم للغسل عن الجمعة . هذا هو الذي يقتضيه الفقه . توضأ وصلى وأراد التجديد فلم يجد ماء
الثالثة : ما ذكره ابن سريج في كتاب الودائع " في الماء المختلف في طهوريته ، كالماء المستعمل والنبيذ الذي يجوز الطهارة به أنه يتوضأ به ، ثم يتيمم خروجا من الخلاف . أبو حنيفة
الرابعة : توضأ به وتيمم ، وكذلك مريد الإحرام . كل التيمم هاهنا عن الغسل ، وهذه صورة الجمع بينهما في الدوام ، ولم يذكر صورة ما يجب فيه الجمع بين التيمم والوضوء ، وذلك إذا كان بعضوه جراحة فإنه يتوضأ ويتيمم عن الجريح . واعلم أن الرائد للجمعة إذا وجد ما لا يكفيه للغسل ، ويكفيه للوضوء الإمام سكت في هذا القسم عن المكروه الجمع ، والواجب الجمع ، فأما وجوب الجمع مع الترتيب فلا يمكن ، وأما المكروه الجمع بينهما في المرتب فكلحم الجلالة والمذكى للمضطر .