جهل السيد أحمد الكبير من أفتى بحل بقرة
وقد أفتى بعض علماء الهند ممن مات بحلة بقرة السيد أحمد الكبير، وغنم الشيخ سدو؛ بدليل ذبحهما على اسم الله، وإن رفع بهما الصوت لغير الله. وهذا من الجهل بمكان لا يخفى على من له أدنى معرفة بمدارك الشرع.
قال في «فتح البيان»: وفي هذه الآية الشريفة ما يصك مسامع المتصدرين للإفتاء لعباد الله في شريعته؛ بالتحليل، والتحريم، والجواز، وعدمه، مع كونهم من المقلدين الذين لا يعقلون حجج الله تعالى، ولا يفهمونها، ولا يدرون ما هي، ومبلغهم من العلم الحكاية لقول قائل من هذه الأمة قد قلدوه في دينهم، وجعلوه شارعا مستقلا، ما عمل به من الكتاب والسنة، فهو المعمول به عندهم، وما لم يبلغه، أو بلغه، ولم يفهمه حق فهمه، وأخطأ الصواب في اجتهاده وترجيحه، فهو في حكم المنسوخ عندهم، المرفوع حكمه عن العباد، مع كون من قلدوه متعبدا [ ص: 119 ] بهذه الشريعة كما هم متعبدون بها، ومحكوم عليه بأحكامها كما هم محكوم عليهم بها. وقد اجتهد رأيه، وأدى ما عليه، وفاز بأجرين مع الإصابة، وبأجر مع الخطأ. وإنما الشأن في جعلهم لرأيه الذي أخطأ فيه شريعة مستقلة، ودليلا معمولا به، وقد أخطأ في هذا خطأ بينا، وغلط غلطا فاحشا. فإن الترخيص للمجتهد في اجتهاد رأيه يخصه وحده. ولا قائل من أهل الإسلام المعتد بأقوالهم أنه يجوز لغيره أن يعمل به تقليدا له، واقتداء به، وما جاء به المقلدة في تقويم هذا الباطل، فهو من الجهل العاطل.
قال النسفي: الآية زاجرة عن وباعثة على وجوب الاحتياط فيه، وألا يقول أحد في شيء: جائز، أو غير جائز، إلا بعد إيقان وإتقان، وإلا فهو مفتر على الديان. انتهى. التجوز فيما يسأل من الأحكام،
قلت: وإنك إذا تتبعت فتاوى فقهاء الزمان، وجدت غالبها عارية عن الدليل، مبنية على قال وقيل، فيها تحليل ما لم يحلله الشارع، وتحريم ما حلله. ولا سيما أطال مريدو المشايخ ذيول الإباحة إلى غاية لا تحصى، وأفتى فقهاء الرأي والتقليد بجواز ما لم يأذن به الله، وصار هذا عادة للعوام. وهم يقتتلون عليه إذا أفتى أحد من أهل الحق بعدم جوازه، فوقعوا بهذا الاعتقاد في شرك الشرك، وهم يظنون أنهم مؤمنون، فكان الأمر كما قال تعالى: وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون [يوسف: 106].
اللهم كما رزقتنا من العلم ما نميز به بين الحق والباطل، فارزقنا من الإنصاف ما نظفر عنده بما هو الحق عندك، يا واهب الخير، ونبعد عن الشرك [ ص: 120 ] في العادات والعبادات كلها، ونحيا على التوحيد، ونموت عليه، إنك على ما تشاء قدير، وبالإجابة جدير.
وقال تعالى: وما يتبع الذين يدعون من دون الله شركاء إن يتبعون إلا الظن [يونس: 66] أي ما يتبعون يقينا، إنما يتبعون ظنا، ويظنون أنهم آلهة تشفع لهم، وإن الظن لا يغني من الحق شيئا.
وإن هم إلا يخرصون الخرص: التخمين، ويستعمل بمعنى الكذب؛ لغلبته في مثله.
والحاصل: أن هذا الظن صار من عادتهم، وصاروا بسببه من المشركين. فكان ديدنهم دعاء غير الله وعبادته، على ظن شفاعته لهم. وهذا هو الخرص والكذب.
وقال تعالى: له دعوة الحق والذين يدعون من دونه [الرعد: 14] أي: غير الله - عز وجل -، وهم الأصنام، والأولياء، ونحوهم.
لا يستجيبون لهم بشيء مما يطلبونه منهم، كائنا ما كان إلا كباسط كفيه إلى الماء أي: كاستجابة الماء لمن بسط كفيه إليه من بعيد؛ فإنه لا يجيبه؛ لأنه جماد لا يشعر بحاجته إليه، ولا يقدر أن يجيب دعاءه، ولا يدري أنه طلب منه، ليبلغ فاه بارتفاعه من البئر إليه. ولهذا قال: وما هو أي: الماء ببالغه وما دعاء الكافرين إلا في ضلال أي: يضل عنهم ذلك الدعاء، إذا احتاجوا إليه؛ لأن أصواتهم محجوبة عن الله، فلا يجدون منه شيئا، ولا ينفعهم بوجه من الوجوه، بل هو ضائع ذاهب.
والمراد بالدعاء هنا: العبادة، فالمعنى: أن عبادة المشركين بالله شيئا من الأشياء الضائعات.
وقال تعالى: وما بكم من نعمة فمن الله ثم إذا مسكم الضر فإليه تجأرون [النحل: 53] أي: تتضرعون، وتستغيثون، وتضجون في كشفه، فلا كاشف له إلا هو.
[ ص: 121 ] ثم إذا كشف الضر عنكم إذا فريق منكم بربهم يشركون [النحل: 54] فيجعلون معه إلها آخر؛ من صنم، أو وثن، أو شيخ، أو ولي، أو كبير، أو طاغوت.
وقال تعالى: ويجعلون لما لا يعلمون نصيبا مما رزقناهم [النحل: 56] أي: للجمادات، والشياطين، والأولياء، والشهداء، والأئمة، والطواغيت. أي: يجعلون لهم نصيبا من أموالهم بالنذور ونحوها، يتقربون به إليهم.
قال يعلمون أن الله خلقهم، ويضرهم، وينفعهم، ثم يجعلون لما لا يعلمون أنه يضرهم وينفعهم نصيبا مما رزقناهم. مجاهد:
وقال هم مشركو العرب، جعلوا لأوثانهم، وشياطينهم مما رزقهم الله، وجزؤوا من أموالهم جزءا، فجعلوه لهم. قتادة:
وعن قال: هو قولهم: هذا لله بزعمهم، وهذا لشركائنا. السدي،
وبالجملة: نذرا لقضاء حاجة له؛ من شفاء مريض، أو حصول ولد، أو إنجاح مرام، فقد أتى بالشرك الواضح الجلي. وقد صار هذا الشرك عادة للناس في هذا العصر، قل من نجا منهم. إذا جعل الآدمي جزءا من ماله لغير الله، كائنا من كان، وبذله في سبيله
وقال تعالى: وإذا مسكم الضر [الإسراء: 67] يعني: خوف الغرق في البحر ضل من تدعون من الآلهة، وذهب عن خواطركم، ولم يوجد لإغاثتكم ما كنتم تدعون من دونه؛ من صنم، أو جن، أو ملك، أو بشر، أو شهيد، أو ولي، أو حجر، أو مدر، في حوادثكم إلا إياه وحده، فإنكم تعتقدون نجاتكم برحمته وإغاثته. ومعنى الآية: أن المشركين من عادتهم أنهم يعتقدون في سائر معبوداتهم أنها نافعة لهم في غير هذه الحالة، فأما في هذه الحالة، فإن كل واحد منهم يعلم بالفطرة علما لا يقدر على مدافعته أنهم لا فعل لهم.
[ ص: 122 ] فلما نجاكم من الغرق، وأوصلكم إلى البر أعرضتم عن الإخلاص لله وتوحيده، ورجعتم إلى دعاء آلهتكم والاستعانة بها. وكان الإنسان كفورا أي: كثير الكفران لنعمة الله.
وقال تعالى: فإذا ركبوا في الفلك [العنكبوت: 65] أي: إذا انقطع رجاؤهم من الحياة، وخافوا الغرق، رجعوا إلى الفطرة، دعوا الله وحده مخلصين له الدين بصدق نياتهم، وتركهم عند ذلك دعاء معبوداتهم؛ لعلمهم أنه لا يكشف هذه الشدة العظيمة النازلة بهم غير الله سبحانه. فلما نجاهم إلى البر ، وأمنوا من الغرق إذا هم يشركون أي: عادوا إلى الشرك، ودعوا غير الله سبحانه. ليكفروا بما آتيناهم [العنكبوت: 66] من نعمة الإنجاء وليتمتعوا بها فسوف يعلمون عاقبة ذلك الأمن، وما فيه من الوبال عليهم. وفيه تهديد للمشركين عظيم.
وقال تعالى: وإذا مس الناس ضر [الروم: 33] أي: قحط وشدة، وهزال، ومرض، ونحوها، دعوا ربهم أن يرفع ذلك عنهم، واستعانوا به منيبين أي: راجعين ملتجئين إليه، لا يعولون على غيره. ثم إذا أذاقهم منه رحمة بإجابة دعائهم، ورفع تلك الشدائد عنهم. إذا فريق منهم بربهم يشركون أي: فاجأ فريق منهم الإشراك، وهم الذين دعوه فخلصهم مما كانوا فيه.
وهذا الكلام مسوق للتعجب من أحوالهم، وما صاروا عليه من الاعتراف بوحدانية الله سبحانه عند نزول الشدائد، والرجوع إلى الشرك عند رفع ذلك عنهم.
ليكفروا بما آتيناهم فتمتعوا فسوف تعلمون [الروم: 34] ما يتعقب هذا التمتع الزائل من العذاب الأليم.
[ ص: 123 ] أم أنزلنا عليهم سلطانا [الروم: 35] أي: من حجة فهو يتكلم بما كانوا به يشركون أي: ينطق بإشراكهم بالله سبحانه، أو بالأمر الذي كانوا بسببه يشركون.
وقال تعالى: وإذا مس الإنسان ضر أي ضر كان؛ في جسمه، أو ماله، أو أهله، أو ولده؛ من بلاء، أو مرض، أو فقر، أو خوف، أو شدة. لأن اللفظ مطلق، فلا معنى لتقييده.
دعا ربه منيبا إليه أي: راجعا إليه، مستغيثا به في دفع ما نزل به، تاركا لما كان يدعوه ويستغيث به؛ من ميت، أو حي، أو صنم، أو وثن، أو إمام، أو شهيد، أو شيخ، أو ولي، أو كبير، أو غير ذلك في حال الرخاء؛ لعلمه بأنها بمعزل عن القدرة على كشف ضره.