(الفصل الخامس: في ثناء الأكابر عليه من مشايخه وممن عاصره وممن أتى بعده)
قال ابن السبكي: حكي عن الشيخ العارف أبي الحسن الشاذلي -رضي الله عنه- وكان سيد عصره ولسان وقته، وبركة زمانه أنه رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- في النوم، وقد باهى -عليه الصلاة والسلام- موسى وعيسى -عليهما السلام- بالإمام الغزالي، وقال: "أفي أمتكما حبر مثل هذا؟ قالا: لا" .
وسئل السيد العارف بالله سيد وقته أيضا أبو العباس المرسي عن فقال: أنا أشهد له بالصديقية العظمى . الغزالي،
ونقل المناوي في طبقاته عن القطب اليافعي، عن بعض العلماء الجامعين بين علم الظاهر والباطن، أنه قال: لو كان نبي بعد النبي لكان [ ص: 10 ] وشهد له القطب سيدي الغزالي وناهيك به أنه من رؤساء الطريق وساداتهم، ونقل عنه أنه كان يرى المناسبة، ويقول بها، فرأى في بيت المقدس حمامة وغرابا لصق أحدهما بالآخر، وأنس به، ولم يستوحش منه فقال: اجتماعهما لمناسبة، فأشار إليهما بيده، فدرجا، فإذا بكل منهما عرج. قال: والمناسبة في مساق الأشياء صحيحة، ومعرفتها من مقامات خواص أهل الطريقة، وهي غامضة موجودة في كل شيء حتى بين الاسم والمسمى. قال: والقائلون بها من طريقتنا عظماء أهل المراقبة والأدب، ولا تكون إلا بعد كشف علمي، ومشهد ملكوتي . محيي الدين بن عربي،
ويروى عن بعضهم قال: الأقطاب ثلاثة: قطب العلوم كحجة الإسلام وقطب الأحوال، الغزالي، كأبي يزيد البسطامي، وقطب المقامات كعبد القادر الجيلاني، نقلته من كتاب القصد والسداد في مناقب القطب السيد عبد الله باحداد.
وفيه أيضا من كلمات المترجم -قدس سره- هذا الثوب نسجه وقصره الغزالي، أو قال عبد القادر الجيلاني، الشعراني، أو هما، ونحن خيطناه ونقشناه، وأين من يلبسه؟
قال: ففيه إشارة إلى أن الغزالي والشعراني قد بلغا في العلوم اللدنية المبلغ الذي فاقا به الكل .
وقال السبكي في جواب كتاب أبي العفيف المطري، وقد سأله عن الغزالي ما نصه: وماذا يقول الإنسان وفضله واسمه قد طبق الأرض، ومن خبر كلامه عرف أنه فوق اسمه؟! .
وقال محمد بن يحيى النيسابوري تلميذ لا يعرف الغزالي: وفضله إلا من بلغ أو كاد أن يبلغ الكمال في عقله . الغزالي
قال ابن السبكي: يعجبني هذا الكلام فإن الذي يجب أن يطلع على منزلة من هو أعلى منه في العقل يحتاج إلى العقل والفهم، فبالعقل يميز وبالفهم يقضي، ولما كان علم الغزالي في الغاية القصوى احتاج من يريد الاطلاع على مقداره أن يكون هو تام العقل .
وأقول: لا بد مع تمام العقل من مداناة مرتبته في العلم لمرتبة الآخر، وحينئذ فلا يعرف أحد ممن جاء بعد قدر الغزالي إلا بمقدار علم الغزالي إذ لم يجئ بعده مثله، ثم المداني له إنما يعرف قدره بقدر ما عنده لا بقدر الغزالي؛ نفسه . الغزالي
سمعت الشيخ الإمام الوالد يقول: مع ذلك قال: وإنما يعرف قدره بمقدار ما أوتيه هو، وكان يقول لنا: لا أحد من الأصحاب يعرف قدر لا يعرف قدر الشيخ في العلم إلا من ساواه في رتبته وخالطه، كما يعرفه الشافعي المزني، قال: وإنما يعرف المزني من قدر بمقدار قوى الشافعي المزني، والزائد عليها من قوى لم يدركه المزني . الشافعي
وكان يقول أيضا: لا يقدر أحد النبي -صلى الله عليه وسلم- حق قدره إلا الله تعالى، وإنما يعرف كل واحد من مقداره بمقدار ما عنده هو، قال: فأعرف الأمة بقدره -صلى الله عليه وسلم- -رضي الله عنه- لأنه أفضل الأمة، قال: وإنما يعرف أبو بكر الصديق أبو بكر من مقدار المصطفى -صلى الله عليه وسلم- ما تصل إليه قوى أبي بكر، وثم أمور تقتصر عنها قواه لم يحط بها علمه، ومحيط بها علم الله، وهو كلام نفيس .
وقد قدمنا كلام شيخه إمام الحرمين فيه -وناهيك به جلالة وقدرا-: إن بحر مغرق . الغزالي
وقال سمعت الفقهاء يقولون: كان الحافظ أبو طاهر السلفي: -يعني إمام الحرمين- يقول في تلامذته إذا ناظروا: التحقيق الجويني للخوافي والحربيات والبيان للغزالي، للبكاء.