ذكر أبي لبابة وما وقع له ونزول توبته
قال أهل المغازي وجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حصارهم ، فلما اشتد عليهم الحصار أرسلوا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلة السبت أن ابعث إلينا طلب يهود أبا لبابة بن عبد المنذر فنستشيره في أمرنا فأرسله إليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما رأوه قام إليه الرجال وبهش إليه النساء والصبيان يبكون في وجهه ، فرق لهم ، فقال كعب بن أسد : يا أبا لبابة ، إنا قد اخترناك على غيرك ، إن محمدا قد أبى إلا أن ننزل على حكمه أفترى أن ننزل على حكمه ؟ قال نعم ، وأشار بيده إلى حلقه أي أنه الذبح . قال أبو لبابة : فو الله ما زالت قدماي عن مكانهما حتى عرفت أني قد خنت الله ورسوله . فندمت واسترجعت فنزلت وإن لحيتي لمبتلة من الدموع ، والناس ينتظرون رجوعي إليهم حتى أخذت من وراء الحصن طريقا أخرى ، حتى جئت إلى المسجد ، ولم آت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فارتبطت وكان ارتباطي على الأسطوانة المخلقة التي يقال لها أسطوانة التوبة ، وقلت لا أبرح من مكاني حتى أموت أو يتوب الله علي مما صنعت ، وعاهدت الله تعالى بألا أطأ أرض بني قريظة أبدا ولا أرى في بلد خنت الله تعالى ورسوله - صلى الله عليه وسلم - فيه أبدا ،
وبلغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذهابي وما صنعت ، فقال : «دعوه حتى يحدث الله تعالى - فيه ما شاء ، لو كان جاءني استغفرت له ، فإذا لم يأتني وذهب ، فدعوه» .
وأنزل الله تعالى : يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون [الأنفال 27] قال أبو لبابة : فكنت في أمر عظيم ، في حر شديد عدة ليال لا آكل فيهن ولا أشرب ، وقلت : لا أزال هكذا حتى أفارق الدنيا ، أو يتوب الله علي . وأذكر رؤيا رأيتها في النوم ونحن محاصرون بني قريظة . كأني في حمأة آسنة ، فلم أخرج منها حتى كدت أموت من ريحها ، ثم أرى نهرا جاريا فأراني اغتسلت فيه حتى استنقيت وأراني أجد ريحا طيبة فاستعبرتها أبا بكر فقال : لتدخلن في أمر تغتم له ، ثم يفرج عندئذ ، فكنت أذكر قول وأنا مرتبط ، فأرجو أن ينزل الله تعالى - توبتي . قال : فلم أزل كذلك حتى ما أسمع الصوت من الجهد - ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينظر إلي . أبي بكر
قال ابن هشام : أقام مرتبطا ست ليال تأتيه امرأته كل صلاة فتحله حتى يتوضأ ويصلي ثم يرتبط . [ ص: 9 ]
وقال ابن عقبة : زعموا أنه ارتبط قريبا من عشرين ليلة . قال في البداية : وهذا أشبه الأقاويل ، وقال : أقام مرتبطا خمسا وعشرين ليلة . قال أبو ابن إسحاق : روى عمر ابن وهب عن عن مالك عبد الله بن أبي بكر أن أبا لبابة ارتبط بسلسلة ربوض والربوض الثقيلة - بضع عشرة ليلة حتى ذهب سمعه فما يكاد يسمع ، ويكاد يذهب بصره . وكانت ابنته تحله إذا حضرت الصلاة أو أراد أن يذهب لحاجته فإذا فرغ أعادت الرباط . والظاهر أن زوجته كانت تباشر حله مرة وابنته مرة .
وأنزل الله تعالى - في أبي لبابة توبة وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا عسى الله أن يتوب عليهم إن الله غفور رحيم [التوبة 102] قال : حدثني ابن إسحاق يزيد بن عبد الله بن قسيط : إن توبة أبي لبابة نزلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم من السحر وهو في بيت أم سلمة ،
قالت فسمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم من السحر وهو يضحك ، قالت : فقلت : يا رسول الله مم تضحك ؟ أضحك الله سنك ، قال : «تيب على أم سلمة : أبي لبابة » قالت : فقلت أفلا أبشره يا رسول الله ؟ قال : بلى إن شئت»
قال :
فقامت على باب حجرتها - وذلك قبل أن يضرب عليهن الحجاب - فقالت : يا أبا لبابة ، أبشر فقد تاب الله عليك قالت : فسار الناس إليه ليطلقوه ، فقال : لا والله حتى يكون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو الذي يطلقني بيده . فلما مر عليه خارجا إلى صلاة الصبح أطلقه . قال السهيلي
وروى عن حماد بن سلمة عن علي بن زيد علي بن الحسين - رضوان الله عليهم أجمعين - قال : إن فاطمة - رضي الله عنها . جاءت تحله فقال إني حلفت ألا يحلني إلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال النبي - صلى الله عليه وسلم : «إن فاطمة بضعة مني»
قلت : علي بن زيد هو ابن جدعان ضعيف ، وعلي بن الحسين روايته مرسلة -
أبو لبابة : يا رسول الله إن من توبتي أن أهجر دار قومي التي أصبت فيها الذنب ، وأن أنخلع من مالي كله صدقة إلى الله وإلى رسوله . قال : «يجزئك الثلث يا أبا لبابة» . قال