يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : ( أفرأيت ) يا محمد ( الذي كفر بآياتنا ) حججنا فلم يصدق بها ، وأنكر وعيدنا من أهل الكفر ( وقال ) وهو بالله كافر وبرسوله ( لأوتين ) في الآخرة ( مالا وولدا ) .
وذكر أن هذه الآيات أنزلت في العاص بن وائل السهمي أبي عمرو بن العاص .
ذكر الرواية بذلك : حدثنا أبو السائب وسعيد بن يحيى ، قالا ثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن مسلم ، عن مسروق ، عن خباب ، قال : كنت رجلا قينا ، وكان لي على العاص بن وائل دين ، فأتيته أتقاضاه ، فقال : والله لا أقضيك حتى تكفر بمحمد ، فقلت : والله لا أكفر بمحمد حتى تموت ثم تبعث ، قال : فقال : فإذا أنا مت ثم بعثت كما تقول ، جئتني ولي مال وولد ، قال : فأنزل الله تعالى : أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقال لأوتين مالا وولدا أطلع الغيب أم اتخذ عند الرحمن عهدا ) . . . . إلى قوله : ( ( ويأتينا فردا ) .
حدثني به أبو السائب ، وقرأ في الحديث : وولدا . [ ص: 246 ]
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، أن رجالا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يطلبون العاص بن وائل السهمي بدين ، فأتوه يتقاضونه ، فقال : ألستم تزعمون أن في الجنة فضة وذهبا وحريرا ، ومن كل الثمرات؟ قالوا : بلى ، قال : فإن موعدكم الآخرة ، فوالله لأوتين مالا وولدا ، ولأوتين مثل كتابكم الذي جئتم به ، فضرب الله مثله في القرآن ، فقال : ( أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقال لأوتين مالا ) . . . . إلى قوله ( ويأتينا فردا ) .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى; وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله ( لأوتين مالا وولدا ) قال : العاص بن وائل يقوله .
حدثنا القاسم ، قال . ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن عن ابن جريج ، مجاهد ، مثله .
حدثنا بشر بن معاذ ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله ( أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقال لأوتين مالا وولدا ) فذكر لنا أن رجالا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أتوا رجلا من المشركين يتقاضونه دينا ، فقال : أليس يزعم صاحبكم أن في الجنة حريرا وذهبا؟ قالوا : بلى ، قال فميعادكم الجنة ، فوالله لا أومن بكتابكم الذي جئتم به ، استهزاء بكتاب الله ، ولأوتين مالا وولدا ، يقول الله ( أطلع الغيب أم اتخذ عند الرحمن عهدا ) ؟ .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا الثوري ، عن الأعمش ، عن أبي الضحى ، عن مسروق ، قال : قال : خباب بن الأرت أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقال لأوتين مالا وولدا ) إلى ( ويأتينا فردا ) . كنت قينا بمكة ، فكنت أعمل للعاص بن وائل ، فاجتمعت لي عليه دراهم ، فجئت لأتقاضاه ، فقال لي : لا أقضيك حتى تكفر بمحمد ، قال : قلت : لا أكفر بمحمد حتى تموت ثم تبعث ، قال : فإذا بعثت كان لي مال وولد ، قال : فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله تبارك وتعالى (
واختلفت القراء في قراءة قوله ( وولدا ) فقرأته قراء المدينة والبصرة وبعض أهل الكوفة : ( وولدا ) بفتح الواو من الولد في كل القرآن ، غير أن أبا عمرو بن [ ص: 247 ] العلاء خص التي في سورة نوح بالضم ، فقرأها "ماله وولده " وأما عامة قراء الكوفة غير عاصم ، فإنهم قرءوا من هذه السورة من قوله ( مالا وولدا ) إلى آخر السورة . واللتين في الزخرف ، والتي في نوح ، بالضم وسكون اللام .
وقد اختلف أهل العربية في معنى ذلك إذا ضمت واوه ، فقال بعضهم : ضمها وفتحها واحد ، وإنما هما لغتان ، مثل قولهم العدم والعدم ، والحزن والحزن . واستشهدوا لقيلهم ذلك بقول الشاعر :
فليت فلانا كان في بطن أمه وليت فلانا كان ولد حمار
ويقول الحارث بن حلزة :
ولقد رأيت معاشرا قد ثمروا مالا وولدا
وقول رؤبة :
الحمد لله العزيز فردا لم يتخذ من ولد شيء ولدا
وتقول العرب في مثلها : ولدك من دمى عقبيك ، قال : وهذا كله واحد ، بمعنى الولد .
وقد ذكر لي أن قيسا تجعل الولد جمعا ، والولد واحدا .
ولعل الذين قرءوا ذلك بالضم فيما اختاروا فيه الضم ، إنما قرءوه كذلك ليفرقوا بين الجمع والواحد .
قال أبو جعفر : والذي هو أولى بالصواب من القول في ذلك عندي أن الفتح في الواو من الولد والضم فيها بمعنى واحد ، وهما لغتان ، فبأيتهما قرأ [ ص: 248 ] القارئ فمصيب الصواب ، غير أن الفتح أشهر اللغتين فيها ، فالقراءة به أعجب إلي لذلك .
وقوله ( أطلع الغيب ) يقول عز ذكره : أعلم هذا القائل هذا القول علم الغيب ، فعلم أن له في الآخرة مالا وولدا باطلاعه على علم ما غاب عنه ( أم اتخذ عند الرحمن عهدا ) يقول : أم آمن بالله وعمل بما أمر به ، وانتهى عما نهاه عنه ، فكان له بذلك عند الله عهدا أن يؤتيه ما يقول من المال والولد .
كما حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( أطلع الغيب أم اتخذ عند الرحمن عهدا ) بعمل صالح قدمه .