القول في تأويل قوله تعالى : ( إن الذين يستأذنونك أولئك الذين يؤمنون بالله ورسوله فإذا استأذنوك لبعض شأنهم فأذن لمن شئت منهم واستغفر لهم الله إن الله غفور رحيم إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله وإذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه ( 62 ) )
يقول تعالى ذكره : ما المؤمنون حق الإيمان ، إلا الذين صدقوا الله ورسوله ( وإذا كانوا معه ) يقول : وإذا كانوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ( على أمر جامع ) يقول : على أمر يجمع جميعهم من حرب حضرت ، أو صلاة اجتمع لها ، أو تشاور في أمر نزل ( لم يذهبوا ) يقول : لم ينصرفوا عما اجتمعوا له من الأمر ، حتى يستأذنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : ( إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله وإذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه ) يقول : إذا كان أمر طاعة لله .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن قال : قال ابن جريج ، ابن عباس : قوله : ( وإذا كانوا معه على أمر جامع ) قال : أمر من طاعة الله عام .
حدثنا قال : ثنا محمد بن بشار ، قال : أخبرنا محمد بن بكر ، قال : سأل ابن جريج ، مكحولا الشامي إنسان وأنا أسمع ، ومكحول جالس مع عطاء عن قول الله في هذه الآية ( وإذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه ) فقال مكحول : في يوم الجمعة ، وفي زحف ، وفي كل أمر جامع ، قد أمر أن لا يذهب أحد في يوم جمعة حتى يستأذن الإمام ، وكذلك في كل جامع ، ألا ترى أنه يقول : ( وإذا كانوا معه على أمر جامع ) .
حدثني يعقوب ، قال : ثني قال : أخبرنا ابن علية ، عن هشام بن حسان ، الحسن ، قال : كان الرجل إذا كانت له حاجة والإمام يخطب ، قام فأمسك بأنفه ، فأشار إليه الإمام أن [ ص: 229 ] يخرج ، قال : فكان رجل قد أراد الرجوع إلى أهله ، فقام إلى هرم بن حيان وهو يخطب ، فأخذ بأنفه ، فأشار إليه هرم أن يذهب ، فخرج إلى أهله فأقام فيهم ، ثم قدم ، قال له هرم : أين كنت؟ قال : في أهلي؟ قال : أبإذن ذهبت؟ قال : نعم ، قمت إليك وأنت تخطب فأخذت بأنفي ، فأشرت إلي أن اذهب فذهبت ، فقال : أفاتخذت هذا دغلا؟ أو كلمة نحوها ، ثم قال : اللهم أخر رجال السوء إلى زمان السوء .
حدثني الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن الزهري ، في قوله : ( وإذا كانوا معه على أمر جامع ) قال : هو الجمعة إذا كانوا معه لم يذهبوا حتى يستأذنوه .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله وإذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه ) قال : الأمر الجامع حين يكونوا معه في جماعة الحرب أو جمعة ، قال : والجمعة من الأمر الجامع لا ينبغي لأحد أن يخرج إذا قعد الإمام على المنبر يوم الجمعة إلا بإذن سلطان ، إذا كان حيث يراه أو يقدر عليه ، ولا يخرج إلا بإذن ، وإذا كان حيث لا يراه ولا يقدر عليه ، ولا يصل إليه ، فالله أولى بالعذر .
وقوله : ( إن الذين يستأذنونك أولئك الذين يؤمنون بالله ورسوله ) يقول تعالى ذكره : إن الذين لا ينصرفون يا محمد إذا كانوا معك في أمر جامع عنك إلا بإذنك لهم طاعة منهم لله ولك ، وتصديقا بما أتيتهم به من عندي ، أولئك الذين يصدقون الله ورسوله حقا ، لا من يخالف أمر الله وأمر رسوله ، فينصرف عنك بغير إذن منك له ، بعد تقدمك إليه أن لا ينصرف عنك إلا بإذنك . وقوله : ( فإذا استأذنوك لبعض شأنهم فأذن لمن شئت منهم ) يقول تعالى ذكره : فإذا استأذنك يا محمد الذين لا يذهبون عنك إلا بإذنك في هذه المواطن لبعض شأنهم ، يعني : لبعض حاجاتهم التي تعرض لهم ، فأذن لمن شئت منهم في الانصراف عنك لقضائها ( واستغفر لهم ) يقول : وادع الله لهم بأن يتفضل عليهم بالعفو عن تبعات ما بينه وبينهم ( إن الله غفور ) لذنوب عباده التائبين ، ( رحيم ) بهم أن يعاقبهم عليها بعد توبتهم منها .