أحمد بن علي ، أبو الحسن البتي كان يكتب للقادر وهو بالبطيحة ، ثم كتب له على ديوان الخبر والبريد ، وكان يحفظ القرآن حفظا حسنا ، مليح الصوت والتلاوة ، حسن المجالسة ، ظريف النادرة والمجانة ; خرج في بعض الأيام هو والشريفان الرضي والمرتضى وجماعة من رءوس الأكابر لتلقي بعض الملوك ، فخرج عليهم بعض اللصوص ، فجعلوا يرمونهم بالحذافات ، ويقولون : يا أزواج القحاب . فقال البتي : ما خرج هؤلاء علينا إلا بعين . فقالوا : ومن أين علمت هذا ؟ فقال : وإلا من أين علموا أننا أزواج قحاب .
الحسن بن حامد بن علي بن مروان ، أبو عبد الله الوراق الحنبلي
كان مدرس أصحاب أحمد وفقيههم في زمانه ، وله المصنفات المشهورة ، منها كتاب " الجامع " في اختلاف العلماء في أربعمائة جزء ، وله في أصول الدين والفقه ، [ ص: 547 ] وعليه اشتغل القاضي أبو يعلى بن الفراء ، وكان معظما في النفوس ، مقدما عند السلطان ، ولا يأكل إلا من كسب يده من النسج ، وروى الحديث عن أبي بكر الشافعي وابن مالك القطيعي وغيرهما ، وخرج في هذه السنة إلى الحج ، فلما عطش الناس في الطريق استند هو إلى حجر هناك في الحر الشديد ، فجاءه رجل بقليل من ماء ، فقال له ابن حامد : من أين لك هذا ؟ فقال : ما هذا وقته ، اشرب . فقال : بلى ، هذا وقته عند لقاء الله تعالى . فلم يشرب ومات من فوره ، رحمه الله .
الحسين بن الحسن بن محمد بن حليم ، أبو عبد الله الحليمي
صاحب " المنهاج " في أصول الديانة ، كان أحد مشايخ الشافعية ، ولد بجرجان ، وحمل إلى بخارى ، وسمع الحديث الكثير حتى انتهت إليه رياسة المحدثين في عصره ، وولي القضاء ببخارى . قال ابن خلكان : انتهت إليه الرياسة فيما وراء النهر ، وله وجوه حسنة في المذهب ، وروى عنه رحمه الله تعالى . الحاكم أبو عبد الله ،
فيروز ، أبو نصر الملقب بهاء الدولة بن عضد الدولة الديلمي صاحب بغداد والعراق ، وهو الذي قبض على الطائع وولى القادر ، وكان يحب المصادرات ، فجمع من الأموال ما لم يجمعه أحد قبله من بني بويه ، وكان بخيلا جدا ، توفي بأرجان في جمادى الآخرة من هذه السنة عن ثنتين وأربعين سنة وتسعة أشهر [ ص: 548 ] وعشرين يوما ، وكانت مدة ملكه أربعا وعشرين سنة وثلاثة أيام ، وكان مرضه بالصرع ، ودفن بمشهد علي إلى جانب أبيه .
قابوس بن وشمكير
كان أهل دولته قد تغيروا عليه ، فبايعوا ولده منوجهر ، وقتلوا أباه كما ذكرنا في الحوادث ، وكان قد نظر في النجوم فرأى أن ولده يقتله ، وكان يتوهم أنه ولده دارا ; لما يرى من مخالفته له ، ولا يخطر بباله منوجهر ; لما يرى من طاعته له ، فكان هلاكه على يديه ، وقد قدمنا شيئا من شعره الحسن الجيد ، في الحوادث .
القاضي أبو بكر الباقلاني ، محمد بن الطيب
رأس المتكلمين على مذهب الشيخ أبي الحسن علي بن إسماعيل الأشعري ، ومن أكثر الناس كلاما وتصنيفا في الكلام ، يقال : إنه كان لا ينام كل ليلة حتى يكتب عشرين ورقة ، في مدة طويلة من عمره . فانتشرت عنه تصانيف كثيرة ، من جيدها كتاب " التبصرة " ، و " دقائق الحقائق " و " التمهيد " في أصول الفقه ، و " شرح الإبانة " ، وغير ذلك من المجاميع الكبار والصغار ، ومن أحسن تصانيفه كتابه في الرد على الباطنية ، الذي سماه " كشف الأسرار وهتك الأستار " ، وقد اختلفوا في مذهبه في الفروع ; فقيل : شافعي . وقيل : مالكي . حكى ذلك عنه [ ص: 549 ] وقد قيل : إنه كان يكتب على الفتاوى : كتبه أبو ذر الهروي محمد بن الطيب الحنبلي . وهذا غريب جدا . وقد كان في غاية الذكاء والفطنة ، ذكر وغيره عنه أن الخطيب البغدادي عضد الدولة بعثه في رسالة إلى ملك الروم ، فلما انتهى إليه إذا هو يدخل عليه من باب قصير ، ففهم أن مراده بذلك أن ينحني كهيئة الراكع للملك ، فدخل الباب بظهره وجعل يمشي القهقرى إلى نحو الملك ، ثم انفتل فسلم عليه ، فعرف الملك مكانه من العلم والفهم ، فعظمه .
ويذكر أن الملك أحضر إلى بين يديه آلة الطرب المسماة بالأرغل ، ليستفز عقله بها ، فلما سمعها الباقلاني خاف أن تظهر منه حركة ناقصة بحضرة الملك ، فجعل لا يألو جهدا أن جرح رجله حتى خرج منها الدم الكثير ، فاشتغل بالألم عن الطرب ، ولم يظهر عليه شيء من النقص والخفة ، فعجب الملك من كمال عقله ، ثم استكشف الملك عن أمره ، فإذا هو قد جرح نفسه بما أشغله عن الطرب ، فتحقق وفور علمه وعلو فهمه .
وقد سأله بعض الأساقفة بحضرة ملكهم ، فقال : ما فعلت زوجة نبيكم ؟ وما كان من أمرها فيما رميت به من الإفك ؟ فقال مجيبا له على البديهة : هما امرأتان ذكرتا بسوء ; مريم ، فبرأهما الله عز وجل ، وكانت وعائشة عائشة ذات زوج ولم تأت بولد ، وأتت مريم بولد ولم يكن لها زوج . يعني أن عائشة أولى بالبراءة من مريم - عليهما السلام - فإن تطرق في الذهن الفاسد احتمال إلى هذه فهو إلى تلك أسرع ، وهما بحمد الله مبرأتان من السماء بوحي من الله عز وجل ، رضي الله عنهما .
[ ص: 550 ] وقد سمع الباقلاني الحديث من أبي بكر بن مالك القطيعي وغيرهما ، وقد قبله وأبي محمد بن ماسي يوما بين عينيه ، وقال : هذا يرد على أهل الأهواء باطلهم . ودعا له . وكانت وفاة الدارقطني الباقلاني يوم السبت لسبع بقين من ذي القعدة ، ودفن بداره ، ثم نقل إلى مقبرة باب حرب .
محمد بن موسى بن محمد ، أبو بكر الخوارزمي
شيخ الحنفية وفقيههم ، وقد أخذ العلم عن ، وانتهت إليه رياسة الحنفية أبي بكر أحمد بن علي الرازي ببغداد ، وكان معظما عند الملوك ، ومن تلامذته الرضي والصيمري ، وقد سمع الحديث من أبي بكر الشافعي وغيره ، وكان ثقة دينا على طريقة السلف ، ويقول : ديننا دين العجائز ، لسنا من الكلام في شيء . وكان فصيحا حسن التدريس . دعي إلى ولاية القضاء غير مرة ، فلم يقبل . وكانت وفاته ليلة الجمعة الثامن عشر من جمادى الأولى سنة ثلاث وأربعمائة ، ودفن بداره من درب عبدة .
أبو الحسن علي بن محمد بن خلف المعافري القابسي الحافظ
مصنف " التلخيص " ، أصله قروي ، وإنما غلب عليه القابسي ; لأن عمه كان يتعمم قابسية ، فقيل لهم ذلك ، وقد كان حافظا بارعا في علم الحديث ، رجلا صالحا [ ص: 551 ] جليل القدر ، ولما توفي في ربيع الآخر من هذه السنة عكف الناس على قبره ليالي يقرءون القرآن ويدعون له ، وجاء الشعراء من كل أوب يرثون ويترحمون .
ولما أجلس للمناظرة أنشد لغيره :
لعمر أبيك ما نسب المعلى إلى كرم وفي الدنيا كريم ولكن البلاد إذا اقشعرت
وصوح نبتها رعي الهشيم
الحافظ بن الفرضي ، أبو الوليد عبد الله بن محمد بن يوسف بن نصر الأزدي الفرضي
قاضي بلنسية سمع الكثير ، وجمع وحصل وصنف " التاريخ " ، وفي المؤتلف والمختلف ومشتبه النسبة وغير ذلك ، وكان علامة زمانه ، قتل شهيدا على يد البربر ، فسمع ، وهو جريح طريح ، يقرأ على نفسه الحديث الذي في الصحيح : ما يكلم أحد في سبيل الله ، والله أعلم بمن يكلم في سبيله ، إلا جاء يوم القيامة وكلمه يدمى ، اللون لون الدم ، والريح ريح المسك . وقد كان سأل الله تعالى الشهادة عند أستار الكعبة ، فأعطاه الله ذلك ، ومن شعره قوله :
أسير الخطايا عند بابك واقف على وجل مما به أنت عارف
يخاف ذنوبا لم يغب عنك غيبها ويرجوك فيها فهو راج وخائف
ومن ذا الذي يرجى سواك ويتقى وما لك في فصل القضاء مخالف
فيا سيدي لا تخزني في صحيفتي إذا نشرت يوم الحساب الصحائف
وكن مؤنسي في ظلمة القبر عند ما . يصد ذووا القربى ويجفو المؤالف
لئن ضاق عني عفوك الواسع الذي أرجي لإسرافي فإني تالف