قال الزجاج وغيرهما : انتصب ( إذ ) بفعل مضمر تقديره : اذكر ، أي : أن ( إذ ) مجرد عن الظرفية مستعمل بمعنى مطلق الوقت ، ونصبه على المفعول به ، أي : اذكر قصة زمن قال والزمخشري موسى لأهله ، يعني أنه جار على طريقة وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة .
فالجملة استئناف ابتدائي . ومناسبة موقعها إفادة تنظير تلقي النبيء صلى الله عليه وسلم القرآن موسى عليه السلام كلام الله إذ نودي بتلقي يا موسى إنه أنا الله العزيز الحكيم .
وذلك من بديع التخلص إلى ذكر قصص هؤلاء الأنبياء عقب التنويه بالقرآن ، وأنه من لدن حكيم عليم . والمعنى : أن الله يقص عليك من أنباء الرسل ما فيه مثل لك ولقومك وما يثبت به فؤادك .
وفي ذلك انتقال لنوع آخر من الإعجاز وهو الإخبار عن المغيبات وهو ما عددناه في الجهة الرابعة في المقدمة العاشرة من المقدمات . من جهات إعجاز القرآن
[ ص: 225 ] وجملة ( قال موسى لأهله ) إلى آخرها تمهيد لجملة فلما جاءها نودي أن بورك من في النار إلخ . وزمان قول موسى لأهله هذه المقالة وهو وقت اجتلابه للمبادرة بالوحي إليه . فهذه القصة مثل ضربه الله لحال رسول الله صلى الله عليه وسلم مع قومه ، ابتدئت بما تقدم رسالة موسى من الأحوال إدماجا للقصة في الموعظة .
والأهل : مراد به زوجه ، ولم يكن معه إلا زوجه وابنان صغيران . والمخاطب بالقول زوجه ، ويكنى عن الزوجة بالأهل . وفي الحديث . والله ما علمت على أهلي إلا خيرا
ولم تظهر النار إلا لموسى دون غيره من أهله ; لأنها لم تكن نارا معتادة لكنها من أنوار عالم الملكوت جلاه الله لموسى فلا يراه غيره . ويؤيد هذا تأكيده الخبر ب ( إن ) المشير إلى أن زوجه ترددت في ظهور نار ; لأنها لم ترها .
والإيناس : الإحساس والشعور بأمر خفي ، فيكون في المرئيات وفي الأصوات كما قال الحارث بن حلزة :
آنست نبأة وأفزعها الـقـنـ اص عصرا وقد دنا الإمساء
والمراد بالخبر خبر المكان الذي تلوح منه النار . ولعله ظن أن هنالك بيتا يرجو استضافتهم إياه وأهله تلك الليلة ، وإن لم يكن أهل النار أهل بيت يستضيفون بأن كانوا رجالا مقوين يأت منهم بجمرة نار ليوقد أهله نارا من حطب الطريق للتدفؤ بها .
والشهاب : الجمر المشتعل . والقبس : جمرة أو شعلة نار تقبس ، أي : يؤخذ اشتعالها من نار أخرى ليشعل بها حطب أو ذبالة نار أو غيرهما .
وقرأ الجمهور بإضافة ( شهاب ) إلى ( قبس ) إضافة العام إلى الخاص مثل : خاتم حديد . وقرأه عاصم وحمزة والكسائي ويعقوب وخلف بتنوين ( شهاب ) ، فيكون ( قبس ) بدلا من ( شهاب ) أو نعتا له . وتقدم في أول سورة طه .
والاصطلاء : افتعال من الصلي وهو الشي بالنار . ودلت صيغة الافتعال أنه محاولة الصلي فصار بمعنى التدفؤ بوهج النار .