[ ص: 197 ] لا يمكن إثبات معجزات الأنبياء إلا بالقرآن :
( 6 ) إنه لا يمكن إثبات في هذا العصر بحجة لا يمكن لمن عقلها ردها إلا هذا القرآن العظيم ، وما ثبت فيه بالنص الصريح منها ، بناء على إنكار العلماء الواقفين على كتب الأديان التي قبل الإسلام - حتى كتب معجزات الأنبياء اليهود والنصارى - وعلى تواريخها لتواتر ما ذكر فيها من الآيات ، والاشتباه في كونها خوارق حقيقية ، وحجتهم أن التواتر الذي يفيد العلم القطعي غير متحقق في نقل شيء منها ، وهو نقل الجمع الكثير الذين يؤمن تواطؤهم على الكذب لخبر أدركوه بالحس ، وحمله عنهم مثلهم قرنا بعد قرن وجيلا بعد جيل بدون انقطاع ، وإنما يكون استحالة تواطئهم على الكذب بأمور ، أهمها عدم التحيز والتشيع لمضمون الخبر وعدم تقليد بعضهم لبعض فيه ، وآية صحة هذا التواتر حصول العلم القطعي به وإذعان النفس له ، وعدم إمكان رده اعتقادا ووجدانا . وهذا غير حاصل في آيات الأنبياء الأولين عندهم .
وأما ، وكل واقف على تاريخ الإسلام يعلم علما قطعيا أنه متواتر تواترا متصلا في كل عصر ، من عصر الرسول الذي جاء به إلى الآن ، وأما الذي يخفى على كثير منهم فهو وجوه إعجازه ، وقد شرحنا شبهتهم عليه وبينا بطلانها في هذا البحث ، وإذ قد ثبت بذلك كونه وحيا من الله تعالى فقد وجب الإيمان بكل ما أثبته من آياته في خلقه ، سواء أكانت لتأييد رسله وإقامة حجتهم أم لا ، وكما يجب على كل مؤمن به أن يؤمن بها ، يجب أن يؤمن بانقطاع معجزات الرسل بعد ختم النبوة آية القرآن فهي باقية ببقائه إلى يوم القيامة بمحمد - صلى الله عليه وسلم - .
وإذ كان لا يجب على مسلم أن يعتقد بوقوع كرامة كونية خارقة للعادة بعد ( ( محمد خاتم النبيين - صلى الله عليه وسلم - ) ) فلا يضر مسلما في دينه أن يعتقد كما يعتقد أكثر عقلاء العلماء والحكماء من أن ما يدعيه الناس من الخوارق في جميع الأمم أكثره كذب وبعضه صناعة علم ، أو شعوذة سحر ، وأقله من خواص الأرواح البشرية الغالية .
( 7 ) إن الثابت بنصوص القرآن من آيات الأنبياء المرسلين المعينة قليل جدا ، فما كانت دلالته قطعية من هذه النصوص فصرفه عنها بالتحكم في التأويل الذي تأباه مدلولات اللغة العربية ، وينقض شيئا من قواعد الشرع القطعية ارتداد عن الإسلام ، وما كانت دلالته ظاهرة غير قطعية وجب حمله على ظاهره إن لم يعارضه نص مثله أو أقوى منه ، فإن عارضه فحينئذ ينظر في الترجيح بين المتعارضين بالأدلة المعروفة ، والخروج عن ذلك ابتداع .