وهي مكية في قول الحسن وعطاء وعكرمة وجابر . قال الحسن : إلا قوله : وسبح بحمد ربك [ غافر : 55 ] لأن الصلوات نزلت بالمدينة .
وقال ، ابن عباس وقتادة : إلا آيتين نزلتا بالمدينة ، وهما إن الذين يجادلون في آيات الله [ غافر : 56 ] والتي بعدها ، وهي خمس وثمانون آية ، وقيل : اثنتان وثمانون آية .
وأخرج ابن مردويه عن قال : ابن عباس بمكة . وأخرج أنزلت سورة حم المؤمن ابن مردويه عن ابن الزبير مثله .
وأخرج ابن الضريس والنحاس ، والبيهقي في الدلائل عن قال : أنزلت الحواميم السبع ابن عباس بمكة .
وأخرج ابن مردويه والديلمي عن قال نزلت الحواميم جميعا سمرة بن جندب بمكة .
وأخرج ، محمد بن نصر وابن مردويه عن سمعت رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يقول : أنس بن مالك إن الله أعطاني السبع الحواميم مكان التوراة ، وأعطاني الراءات إلى الطواسين مكان الإنجيل وأعطاني ما بين الطواسين إلى الحواميم مكان الزبور ، وفضلني بالحواميم والمفصل ما قرأهن نبي قبلي .
وأخرج أبو عبيد في فضائله عن قال : إن لكل شيء لبابا ، وإن لباب القرآن آل حم . ابن عباس
وأخرج أبو عبيد ، وابن الضريس وابن المنذر ، والحاكم ، والبيهقي في الشعب عن قال : الحواميم ديباج القرآن . ، وأخرج ابن مسعود أبو عبيد ومحمد بن نصر وابن المنذر عنه قال : إذا وقعت في آل حم وقعت في دمثات أتأنق فيهن .
وأخرج أبو الشيخ وأبو نعيم والديلمي عن أنس قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - : الحواميم ديباج القرآن .
وأخرج البيهقي في الشعب عن خليل بن مرة أن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - قال : الحواميم سبع ، سبع ، تجيء كل حم منها تقف على باب من هذه الأبواب تقول : اللهم لا تدخل من هذا الباب من كان يؤمن بي ويقرأني وأبواب النار .
وأخرج أبو عبيد وابن سعد ومحمد بن نصر ، وابن مردويه ، والبيهقي في الشعب عن قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - : أبي هريرة . من قرأ حم المؤمن أي : [ غافر : 1 - 3 ] وآية الكرسي [ البقرة : 255 ] حين يصبح ، حفظ بهما حتى يمسي ، ومن قرأهما حين [ ص: 1294 ] يمسي ، حفظ بهما حتى يصبح
بسم الله الرحمن الرحيم
حم تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا فلا يغررك تقلبهم في البلاد كذبت قبلهم قوم نوح والأحزاب من بعدهم وهمت كل أمة برسولهم ليأخذوه وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق فأخذتهم فكيف كان عقاب وكذلك حقت كلمة ربك على الذين كفروا أنهم أصحاب النار الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم إنك أنت العزيز الحكيم وقهم السيئات ومن تق السيئات يومئذ فقد رحمته وذلك هو الفوز العظيم
قوله : حم قرأ الجمهور بفتح الحاء مشبعا ، وقرأ حمزة بإمالته إمالة محضة . وقرأ والكسائي أبو عمرو بإمالته بين بين ، وقرأ الجمهور حم بسكون الميم كسائر الحروف المقطعة . وقرأ بضمها على أنها خبر مبتدأ مضمر أو مبتدأ والخبر ما بعده . وقرأ الزهري بفتحها على أنها منصوبة بفعل مقدر أو على أنها حركة بناء لا حركة إعراب . وقرأ عيسى بن عمر الثقفي ابن أبي إسحاق وأبو السماك بكسرها لالتقاء الساكنين ، أو بتقدير القسم . وقرأ الجمهور بوصل الحاء بالميم . وقرأ أبو جعفر بقطعها .
وقد اختلف في معناه ، فقيل : هو اسم من ، وقيل : اسم من أسماء الله . أسماء القرآن
وقال الضحاك معناه قضى ، وجعلاه بمعنى حم أي : قضي ووقع ، وقيل : معناه حم أمر الله أي : قرب نصره لأوليائه وانتقامه من أعدائه . والكسائي
وهذا كله تكلف لا موجب له وتعسف لا ملجئ إليه ، والحق أن هذه الفاتحة لهذه وأمثالها من المتشابه الذي استأثر الله بعلم معناه كما قدمنا تحقيقه في فاتحة سورة البقرة .
تنزيل الكتاب هو خبر ل حم على تقدير أنه مبتدأ ، أو خبر لمبتدأ مضمر ، أو هو مبتدأ وخبره من الله العزيز العليم قال الرازي : المراد بـ تنزيل : المنزل ، والمعنى : أن ليس بكذب عليه . القرآن منزل من عند الله
والعزيز الغالب القاهر ، والعليم : الكثير العلم بخلقه وما يقولونه ويفعلونه .
غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب قال الفراء : جعلها كالنعت للمعرفة ، وهي نكرة ، ووجه قوله هذا أن إضافتها لفظية ، ولكنه يجوز أن تجعل إضافتها معنوية كما قال أن كل ما إضافته غير محضة يجوز أن تجعل محضة ، وتوصف به المعارف إلا الصفة المشبهة . سيبويه
وأما الكوفيون فلم يستثنوا شيئا بل جعلوا الصفة المشبهة كاسم الفاعل في جواز جعلها إضافة محضة ، وذلك حيث لا يراد بها زمان مخصوص ، فيجوزون في شديد هنا أن تكون إضافته محضة . وعلى قول لا بد من تأويله بمشدد . سيبويه
وقال : إن هذه الصفات الثلاث مخفوضة على البدل . وروي عنه أنه جعل غافر وقابل مخفوضين على الوصف ، وشديد مخفوضا على البدل ؛ والمعنى : غافر الذنب لأوليائه وقابل توبتهم وشديد العقاب لأعدائه ، والتوب مصدر بمعنى التوبة من تاب يتوب توبة وتوبا ، وقيل : هو جمع توبة ، وقيل : غافر الذنب لمن قال لا إله إلا الله ، وقابل التوب من الشرك ، وشديد العقاب لمن لا يوحده ، وقوله : ذي الطول يجوز أن يكون صفة ؛ لأنه معرفة وأن يكون بدلا ، وأصل الطول الإنعام والتفضل أي : ذي الإنعام على عباده والتفضل عليهم . وقال الزجاج مجاهد : ذي الغنى والسعة . ومنه قوله : ومن لم يستطع منكم طولا [ النساء : 25 ] أي : غنى وسعة ، وقال عكرمة : ذي الطول : ذي المن .
قال الجوهري : والطول بالفتح : المن يقال منه : طال عليه ويطول عليه إذا امتن عليه . وقال : ذي الطول : ذي التفضل . قال محمد بن كعب الماوردي : والفرق بين المن والتفضل أن المن عفو عن ذنب ، والتفضل إحسان غير مستحق .
ثم ذكر ما يدل على توحيده وأنه الحقيق بالعبادة فقال : لا إله إلا هو إليه المصير لا إلى غيره ، وذلك في اليوم الآخر .
ثم لما ذكر أن القرآن كتاب الله أنزله ليهتدى به في الدين ، ذكر أحوال من يجادل فيه لقصد إبطاله فقال : ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا أي : ما يخاصم في دفع آيات الله وتكذيبها إلا الذين كفروا ، والمراد والقصد إلى دحض الحق كما في قوله : الجدال بالباطل وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق ، فأما ورفع اللبس والبحث عن الراجح والمرجوح وعن المحكم والمتشابه ودفع ما يتعلق به المبطلون من متشابهات القرآن ، وردهم بالجدال إلى المحكم فهو من أعظم ما يتقرب المتقربون ، وبذلك أخذ الله الميثاق على الذين أوتوا الكتاب فقال : الجدال لاستيضاح الحق وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه [ آل عمران : 187 ] وقال : إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون [ البقرة : 159 ] وقال ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن [ العنكبوت : 46 ] فلا يغررك تقلبهم في البلاد لما حكم - سبحانه - على بالكفر ، نهى رسوله - صلى الله عليه وآله وسلم - عن أن يغتر بشيء من حظوظهم الدنيوية فقال : فلا يغررك ما يفعلونه من التجارة في البلاد وما يحصلونه من الأرباح ويجمعونه من الأموال فإنهم معاقبون عما قليل وإن أمهلوا فإنهم لا يهملون . المجادلين في آيات الله
قال : لا يغررك سلامتهم بعد كفرهم ، فإن عاقبتهم الهلاك . الزجاج
قرأ الجمهور لا يغررك بفك الإدغام . وقرأ زيد بن علي بالإدغام . وعبيد بن عمير
ثم بين حال من كان قبلهم ، وأن هؤلاء سلكوا سبيل أولئك في التكذيب فقال : كذبت قبلهم قوم نوح والأحزاب من بعدهم [ ص: 1295 ] الضمير في بعدهم يرجع إلى قوم نوح أي : وكذبت الأحزاب الذين تحزبوا على الرسل من بعد قوم نوح كعاد وثمود وهمت كل أمة برسولهم ليأخذوه أي : همت كل أمة من تلك الأمم المكذبة برسولهم الذي أرسل إليهم ليأخذوه ليتمكنوا منه فيحبسوه ويعذبوه ويصيبوا منه ما أرادوا .
وقال قتادة والسدي : ليقتلوه ، والأخذ قد يرد بمعنى الإهلاك ، كقوله : ثم أخذتهم فكيف كان نكير [ الحج : 44 ] والعرب تسمي الأسير الأخيذ وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق أي : خاصموا رسولهم بالباطل من القول ليدحضوا به الحق ليزيلوه ، ومنه مكان دحض : أي : مزلقة ، ومزلة أقدام ، والباطل داحض لأنه يزلق ويزول فلا يستقر .
قال : جادلوا الأنبياء بالشرك ليبطلوا به الإيمان يحيى بن سلام فأخذتهم فكيف كان عقاب أي : فأخذت هؤلاء المجادلين بالباطل ، فكيف كان عقابي الذي عاقبتهم به ، وحذف ياء المتكلم من عقاب اجتزاء بالكسرة عنها وصلا ووقفا لأنها رأس آية .
وكذلك حقت كلمة ربك على الذين كفروا أي : وجبت وثبتت ولزمت ، يقال : حق الشيء إذا لزم وثبت ، والمعنى : وكما حقت كلمة العذاب على الأمم المكذبة لرسلهم حقت على الذين كفروا به وجادلوك بالباطل وتحزبوا عليك ، وجملة أنهم أصحاب النار للتعليل أي : لأجل أنهم مستحقون للنار . قال الأخفش أي : لأنهم ، أو بأنهم . ويجوز أن تكون في محل رفع بدلا من كلمة .
قرأ الجمهور كلمة بالتوحيد ، وقرأ نافع ، وابن عامر " كلمات " بالجمع .
ثم ذكر أحوال ومن حوله فقال : حملة العرش الذين يحملون العرش ومن حوله والموصول مبتدأ ، وخبره يسبحون بحمد ربهم ، والجملة مستأنفة مسوقة لتسلية رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ببيان أن هذا الجنس من الملائكة الذين هم أعلى طبقاتهم يضمون إلى تسبيحهم لله والإيمان به الاستغفار للذين آمنوا بالله ورسوله وصدقوا ، والمراد بمن حول العرش : هم الملائكة الذين يطوفون به مهللين مكبرين ، وهو في محل رفع عطفا على الذين يحملون العرش ، وهذا هو الظاهر .
وقيل : يجوز أن تكون في محل نصب عطفا على العرش ، والأول أولى .
والمعنى : أن الملائكة الذين يحملون العرش ، وكذلك الملائكة الذين هم حول العرش ينزهون الله ملتبسين بحمده على نعمه ويؤمنون بالله ويستغفرون الله لعباده المؤمنين به .
ثم بين - سبحانه - فقال حاكيا عنهم كيفية استغفارهم للمؤمنين ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما وهو بتقدير القول أي : يقولون ربنا ، أو قائلين : ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما انتصاب رحمة وعلما على التمييز المحول عن الفاعل ، والأصل وسعت رحمتك وعلمك كل شيء فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك أي : أوقعوا التوبة عن الذنوب واتبعوا سبيل الله ، وهو دين الإسلام وقهم عذاب الجحيم أي : احفظهم منه .
ربنا وأدخلهم جنات عدن وأدخلهم معطوف على قوله : " قهم " ووسط الجملة الندائية لقصد المبالغة بالتكرير ، ووصف جنات عدن بأنها التي وعدتهم إياها ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم أي : وأدخل من صلح ، والمراد بالصلاح هاهنا : الإيمان بالله والعمل بما شرعه الله ، فمن فعل ذلك فقد صلح لدخول الجنة ، ويجوز عطف ومن صلح على الضمير في وعدتهم أي : ووعدت من صلح ، والأولى عطفه على الضمير الأول في وأدخلهم .
قال الفراء : نصبه من مكانين إن شئت على الضمير في أدخلهم ، وإن شئت على الضمير في وعدتهم . والزجاج
قرأ الجمهور بفتح اللام من صلح . وقرأ بضمها . وقرأ الجمهور وذرياتهم على الجمع . وقرأ ابن أبي عبلة عيسى بن عمر على الإفراد .
إنك أنت العزيز الحكيم أي : الغالب القاهر الكثير الحكمة الباهرة .
وقهم السيئات أي : العقوبات ، أو جزاء السيئات على تقدير مضاف محذوف .
قال قتادة : وقهم ما يسوؤهم من العذاب ومن تق السيئات يومئذ أي : يوم القيامة فقد رحمته يقال : وقاه يقيه وقاية أي : حفظه ، ومعنى فقد رحمته أي : رحمته من عذابك وأدخلته جنتك ، والإشارة بقوله : وذلك إلى ما تقدم من إدخالهم الجنات ، ووقايتهم السيئات وهو مبتدأ ، وخبره هو الفوز العظيم أي : الظفر الذي لا ظفر مثله ، والنجاة التي لا تساويها نجاة .
وأخرج ابن مردويه عن أبي أمامة قال : حم اسم من أسماء الله .
وأخرج عبد الرزاق ، في المصنف وأبو عبيد وابن سعد وابن أبي شيبة وأبو داود ، والترمذي والحاكم وصححه ، وابن مردويه عن قال : حدثني من المهلب بن أبي صفرة الخندق إن أتيتم الليلة فقولوا حم لا ينصرون . سمع النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - يقول ليلة
وأخرج ، ابن أبي شيبة والنسائي والحاكم ، وابن مردويه عن أن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - قال : البراء بن عازب . إنكم تلقون عدوكم فليكن شعاركم حم لا ينصرون
وأخرج ابن المنذر ، ، وابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات عن في ابن عباس ذي الطول قال : ذي السعة والغنى . قوله :
وأخرج في الأوسط ، الطبراني وابن مردويه عن في قوله : ابن عمر غافر الذنب الآية قال : غافر الذنب لمن يقول لا إله إلا الله وقابل التوب ممن يقول لا إله إلا الله شديد العقاب لمن لا يقول لا إله إلا الله ذي الطول ذي الغنى لا إله إلا هو كانت كفار قريش لا يوحدونه فوحد نفسه إليه المصير مصير من يقول لا إله إلا الله فيدخله الجنة ، ومصير من لا يقول لا إله إلا الله فيدخله النار .
وأخرج ، عن عبد بن حميد قال : قال النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - : أبي هريرة . إن جدالا في القرآن كفر
وأخرج عبد بن حميد وأبو داود عنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - : . مراء في القرآن كفر