[ ص: 186 ] 6 -
تقع في الخبر والطلب ، فأما في الخبر فلها فيه معان : أو
( الأول ) الشك ، نحو : قام زيد أو عمرو .
( والثاني ) الإبهام وهو إخفاء الأمر على السامع مع العلم به كقوله تعالى : ( وإنا أو إياكم لعلى هدى ) ( سبأ : 24 ) . وقوله : ( أتاها أمرنا ليلا أو نهارا ) ( يونس : 24 ) يريد إذا أخذت الأرض زخرفها ، وأخذ أهلها الأمن أتاها أمرنا وهم لا يعلمون . أي فجأة فهذا إبهام ، لأن الشك محال على الله تعالى . وقوله : ( إلى مائة ألف أو يزيدون ) ( الصافات : 147 ) .
فإن قلت : يزيدون فعل ، ولا يصح عطفه على المجرور بـ " إلى " ، فإن حرف الجر لا يصح تقديره على الفعل ، ولذلك لا يجوز : مررت بقائم ويقعد ، على تأويل : قائم وقاعد . قلت : " يزيدون " خبر مبتدأ محذوف في محل رفع ، والتقدير : " أو هم يزيدون " . قاله في " المحتسب " . ابن جني
وجاز لاشتراكهما في مطلق الجملة . فإن قلت : فكيف تكون " أو " هنا لأحد الشيئين ، والزيادة لا تنفك عن المزيد عليه ؟ قلت : الأمر كذلك ، ولهذا قدروا في المبتدأ ضمير المائة ألف ، والتقدير : وأرسلناك إلى مائة ألف فقط ، أو مائة ألف معها زيادة ، ويحتمل أن تكون على بابها للشك ، وهو بالنسبة إلى المخاطب ، أي لو رأيتموهم لعلمتم أنهم مائة ألف أو يزيدون . عطف الاسمية على الفعلية بـ " أو "
( الثالث ) : التنويع كقوله تعالى : ( فهي كالحجارة أو أشد قسوة ) ( البقرة : 74 ) أي أن قلوبهم تارة تزداد قسوة ، وتارة ترد إلى قسوتها الأولى ، فجيء بـ " أو " لاختلاف أحوال قلوبهم .
( الرابع ) التفصيل كقوله تعالى : ( وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى ) [ ص: 187 ] ( البقرة : 111 ) أي قالت اليهود : لا يدخل الجنة إلا من كان هودا ، وقالت النصارى : لن يدخل الجنة إلا الذين هم نصارى ، وكذلك قوله : ( كونوا هودا أو نصارى ) ( البقرة : 135 ) .
( الخامس ) للإضراب كـ " بل " كقوله تعالى : ( كلمح البصر أو هو أقرب ) ( النحل : 77 ) و ( مائة ألف أو يزيدون ) ( الصافات : 147 ) على حد قوله : ( قاب قوسين أو أدنى ) ( النجم : 9 )
( السادس ) بمعنى الواو كقوله : ( فالملقيات ذكرا عذرا أو نذرا ) ( المرسلات : 5 - 6 ) . ( لعله يتذكر أو يخشى ) ( طه : 44 ) . ( لعلهم يتقون أو يحدث لهم ذكرا ) ( طه : 113 ) .
: وأما في الطلب فلها معان
( الأول ) الإباحة ، نحو : تعلم فقها أو نحوا كقوله تعالى : ( ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم أو بيوت آبائكم ) ( النور : 61 ) الآية . وكذلك قوله : ( كالحجارة أو أشد قسوة ) ( البقرة : 74 ) يعني إن شبهت قلوبهم بالحجارة فصواب ، أو بما هو أشد فصواب . وقوله : ( كمثل الذي استوقد نارا ) ( البقرة : 17 ) ( أو كصيب ) ( البقرة : 19 ) .
والمعنى أن التمثيل مباح في المنافقين إن شبهتموهم بأي النوعين .
قوله : ( لعله يتذكر أو يخشى ) ( طه : 44 ) إباحة لإيقاع أحد الأمرين .
[ ص: 188 ] ( الثاني ) التخيير ، نحو : خذ هذا الثوب أو ذاك ، ومنه قوله تعالى : ( فإن استطعت أن تبتغي نفقا في الأرض أو سلما في السماء ) ( الأنعام : 35 ) الآية ، فتقديره فافعل ، كأنه خير على تقدير الاستطاعة ، أن يختار أحد الأمرين ، لأن الجمع بينهما غير ممكن .
والفرق بينهما أن التخيير فيما أصله المنع ، ثم يرد الأمر بأحدهما لا على التعيين ، ويمتنع الجمع بينهما ، وأما الإباحة فأن يكون كل منهما مباحا ، ويطلب الإتيان بأحدهما ، ولا يمتنع من الجمع بينهما ، وإنما يذكر بـ " أو " لئلا يوهم بأن الجمع بينهما هو الواجب لو ذكرت الواو ، ولهذا مثل النحاة الإباحة بقوله تعالى : ( فكفارته إطعام عشرة مساكين ) ( المائدة : 89 ) وقوله : ( ففدية من صيام أو صدقة أو نسك ) ( البقرة : 196 ) لأن المراد به الأمر بأحدهما رفقا بالمكلف ، فلو أتى بالجمع لم يمنع منه بل يكون أفضل .
وأما تمثيل الأصوليين بآيتي الكفارة والفدية للتخيير مع إمكان الجمع ، فقد أجاب عنه صاحب البسيط بأنه إنما يمتنع الجمع بينهما في المحظور ، لأن أحدهما ينصرف إليه الأمر ، والآخر يبقى محظورا لا يجوز له فعله ، ولا يمتنع في خصال الكفارة ، لأنه يأتي بما عدا الواجب تبرعا ، ولا يمنع من التبرع .
واعلم أنه إذا ورد جاز صرفه إلى مجموعهما ، وهو ما كان يجوز فعله ، أو إلى أحدهما وهو ما تقتضيه أو . وأما قوله تعالى : ( النهي عن الإباحة ولا تطع منهم آثما أو كفورا ) ( الإنسان : 24 ) فليس المراد منه النهي عن إطاعة أحدهما دون الآخر ، بل [ ص: 189 ] المراد النهي عن طاعتهما مفردين أو مجتمعين ، وإنما ذكرت " أو " لئلا يتوهم أن النهي عن طاعة من اجتمع فيه الوصفان .
وقال : استشكل قوم وقوع " أو " في النهي في هذه الآية ، فإنه لو انتهى عن أحدهما لم يمتثل ولا يعد ممتثلا إلا بالانتهاء عنهما جميعا . ابن الحاجب
فقيل : إنها بمعنى " الواو " ، والأولى أنها على بابها ، وإنما جاء التعيين فيها من القرينة لأن المعنى قبل وجود النهي : " تطيع آثما أو كفورا " ، أي واحدا منهما ، فإذا جاء النهي ورد على ما كان ثابتا في المعنى ، فيصير المعنى : ولا تطع واحدا منهما ، فيجيء التعميم فيهما من جهة النهي الداخل ، وهي على بابها فيما ذكرناه ، لأنه لا يحصل الانتهاء عن أحدهما حتى ينتهي عنهما بخلاف الإثبات ، فإنه قد يفعل أحدهما دون الآخر .
قال : فهذا معنى دقيق ، يعلم منه أن " أو " في الآية على بابها ، وأن التعميم لم يجئ منها ، وإنما جاء من جهة المضموم إليها . انتهى .
ومن هذا - وإن كان خبرا - قوله تعالى : ( من بعد وصية يوصي بها أو دين ) ( النساء : 11 ) لأن الميراث لا يكون إلا بعد إنفاذ الوصية والدين ، وجد أحدهما أو وجدا معا .
وقال أبو البقاء في اللباب : إن اتصلت بالنهي وجب اجتناب الأمرين عند النحويين كقوله تعالى : ( ولا تطع منهم آثما أو كفورا ) ( الإنسان : 24 ) ولو جمع بينهما لفعل المنهي عنه مرتين لأن كل واحد منهما أحدهما . وقال في موضع آخر : مذهب أن " أو " في النهي نقيضية ، أو في الإباحة ، فقولك : جالس سيبويه الحسن أو إذن في [ ص: 190 ] مجالستهما ومجالسة من شاء منهما ، فضده في النهي ( ابن سيرين ، ولا تطع منهم آثما أو كفورا ) ، أي : لا تطع هذا ولا هذا ، والمعنى لا تطع أحدهما ، ومن أطاع منهما كان أحدهما كان منهما ، فمن ههنا كان نهيا عن كل واحد منهما ، ولو جاء بالواو في الموضعين أو أحدهما لأوهم الجمع .
وقيل : " أو " بمعنى الواو ، لأنه لو انتهى عن أحدهما لم يعد ممتثلا بالانتهاء عنهما جميعا . قال الخطيبي : والأولى أنها على بابها ، وإنما جاء التعميم فيها من النهي الذي فيه معنى النفي ، والنكرة في سياق النفي تعم ، لأن المعنى قبل وجود النهي : تطيع آثما أو كفورا ، أي واحدا منهما ، فالتعميم فيهما ، فإذا جاء النهي ورد على ما كان ثابتا ، فالمعنى : لا تطع واحدا منهما فسمى التعميم فيهما من جهة النهي ، وهي على بابها فيما ذكرناه ، لأنه لا يحصل الانتهاء عن أحدهما ، حتى ينتهي عنهما ، بخلاف الإثبات ، فإنه قد ينتهي عن أحدهما ، دون الآخر .
( تنبيهان ) الأول : روى البيهقي في سننه في باب الفدية بغير النعم ، عن قال : كل شيء في القرآن فيه " أو " للتخيير إلا قوله تعالى : ( ابن جريج ، أن يقتلوا أو يصلبوا ) ( المائدة : 33 ) ليس بمخير فيهما .
قال : وبهذا أقول . الشافعي
الثاني : من أجل أن مبناها على عدم التشريك أعاد الضمير إلى مفرديها بالإفراد ، بخلاف الواو ، وأما قوله تعالى : ( إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما ) [ ص: 191 ] ( النساء : 135 ) فقد قيل : إن " أو " بمعنى الواو ولهذا قال : بهما ولو كانت لأحد الشيئين لقيل به ، وقيل : على بابها ، ومعنى ( غنيا أو فقيرا ) إن يكن الخصمان غنيين أو فقيرين ، أو منهما ، أي الخصمين على أي حال كان ؟ لأن ذلك ذكر عقيب قوله : ( كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ) ( النساء : 135 ) يشير للحاكم والشاهد ، وذلك يتعلق باثنين .
وقيل : الأولوية المحكوم بها ثابتة للمفردين معا ، نحو : جاءني زيد أو عمرو ، ورأيتهما ، فالضمير راجع إلى الغني والفقير المعلومين من وجوه الكلام ، فصار كأنه قيل : فالله أولى بالغني والفقير . ويستعمل ذلك المذكور وغيره ، ولو قيل : فالله أولى به ، لم يشمله ولأنه لما لم يخرج المخلوقون عن الغنى والفقر ، صار المعنى : افعلوا ذلك لأن الله أولى ممن خلق ، ولو قيل : أولى به لعاد إليه من حيث الشهادة فقط .