الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ما مدى تأثير البيئة العائلية للطفل في شخصيته وتفكيره وسلوكه؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أنا طالب جامعي عمري 22 سنة, نشأت في طفولة ليست طبيعية بسبب انفصال والدي ووالدتي، وأنا عمري 5 سنوات ومن ذلك الوقت، وهناك دائمًا مشاكل في معيشتي بسبب هذا الانفصال والتشتت بين بيت أبي وزوجته، وكثرت المشاكل بينها وبيني وبين بيت أمي، والخلافات التي تتسبب في الضغط علي أنا وأختي التي هي أصغر مني بسنة, ومنها المادية والمعنوية.

أبي لا يهتم بأمرنا ولا يتقرب منا، وشخصيته باردة جدًا، لكنه طيب, أبي شخصيته غير قوية، وعنده أحلام كثيرة، ودائمًا يقول ولكن لا يفعل، ودائمًا يفشل فيما يفعل من تكملة دراسته، أو فعل ما يحلم به من طموحاته، وإلى الآن كما هو, وأمي بالعكس فهي متحمسة جدًا وشخصيتها قوية، ولكنها متسرعة في كثير من تصرفاتها وأفعالها، وقلقة جدًا، وهذا ما كان يسبب مشاكل عندما كانت دائمًا تغضب من تصرفات والدي بعدم مبالاته بنا، وغالبًا ما تشوه صورته عندنا, وهي دائمًا تقول هو سبب طلاقنا؛ لأنه لا يحبها رغم أنها قالت له: لا أريد الطلاق بسبب أطفالنا ومستقبلهم.

أنا ابتعثت إلى أمريكا قبل سنتين، وحياتي كانت قبل لا مبالاة في الدراسة، وكانت لا توجد عندي أي طموحات، ولا أي أفكار تفيدني في حياتي، ومستقبلي، وكان أكثر ما يهمني هو اللهو واللعب والمتعة، ولكن قبل سنة كدت أن أفصل من الجامعة بعد فصلي الأول فيها، وهنا قررت أن أتغير, تغيرت حياتي كليًا، وتغيرت شخصيتي وتفكيري, وأصبح لدي الكثير من الطموحات التي أحلم فيها والأفكار, وصرت أقرأ, وصارت لي خطة لكل يوم، وماذا أنجز, ولا أريد أنا أصبح مثل أبي أبدًا، ولا مثل شخصيته مع أني أحبه هو وأمي، ولكني لا أزال أحس بإحساس أنه ليس لدي قدوة، ولا زلت غير قادر على فعل الكثير من الأشياء، وترتيب حياتي، وتغيير بعض العادات السيئة.

أحيانًا أفكر بأن السبب هو جينات من أبي أو أمي وراثيًا، ولكني قرأت بأننا نقدر على تغيير أنفسنا والجينات ليس لها أثر على شخصياتنا وحياتنا, وقد أثبتت الدراسات هذا الشيء عندما تم إرسال طفلة إلى مكان آخر واختلفت عن أهلها كليًا بكل شيء وبصفاتها.

في نفس الوقت أنا أعتقد وألوم أهلي، والبيئة التي كنت فيها؛ لأنه ليس كان هناك أي تشجيع لنا أنا وأختي معنويًا ودراسيًا، أو كاهتمام وتحفيز الثقة بالنفس والقدوة, حتى لم نتعود على القراءة أبدًا, أبي دائمًا يشاهد التلفاز, وأمي تهتم بجمالها ونفسها بسبب صغر سنها في نشأتنا, حتى لم نتعلم أساسيات الحياة، ولا كيف نواجه الصعوبات الدراسية، أو العاطفية، وهي التي أثرت عليّ كثيرا في حياتي, وبسبب الضغوطات النفسية التي كنا نعاني منها كأطفال منذ الصغر، أنا أشعر أن عندي خجلا شديدا عند الكلام مع الغرباء، ولا أتكلم كثيرًا كالباقيين حتى أختي نفس الشيء لا تتكلم كثيرًا مع الآخرين، وعندي تأتأة، ولكن ذهبت لعيادة هنا -والحمد لله- تتحسن من فترة إلى فترة، والتأتأة بسبب البيئة التي كنت فيها، وليس بسبب الجينات الوراثية.

يوجد عدة أشياء أخرى عندي وحتى عند أختي في طريقة تعاملنا في الحياة، والثقة بالنفس، والإيجابية، وأنا وأختي عندنا جفاء في الكلام، والمشاعر مع الآخرين، في الفترة الأخيرة صرت أفكر كثيرًا في هذا الموضوع أنني يمكن أني لن أستطيع النجاح في حياتي، وتحقيق الكثير مما أتمناه فلن أصبح شخصية قيادية في المجتمع، وسأفشل وسأصبح مثل أبي كأن أقول سوف وسوف، ولا أفعل بسبب البيئة التي عشتها منذ طفولتي، والتي أثرت في حياتي كثيرًا وأهمها التأتأة في الكلام.

أسئلتي لكم أحبتي:

1- ما مدى قوة تأثير البيئة العائلية للطفل في شخصيته وتفكيره ومعتقداته على مستقبله؟ لأنني دائمًا أسمع أنها هي الأساس بسبب حساسية العمر.

2- هل بالإمكان تغيير السلبيات في شخصيتي كالخجل, عدم الإنجاز, الكسل كأبي, القلق كأمي....إلخ حتى بعد ما تكونت بعد كل هذه السنين منذ الطفولة؟ إذا كانت الإجابة نعم، فكم من الوقت تأخذ غالبًا؟ وماذا يمكن أن أفعل لكي أغير من عاداتي، ومن الأشياء التي لا تعجبني في نفسي وشخصيتي؟

شكرًا كثيرًا لكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ وليد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أيها الفاضل الكريم: كل الدراسات تشير خاصة الغربية منها أن المكون السلوكي، أو البناء النفسي للإنسان يعتمد على طفولته وطريقة تنشئته بدرجة كبيرة، وهنالك تمازج ما يعرف بالعوامل المرسبة، والعوامل المهيئة، وعوامل الاستمرارية، العوامل المرسبة هي المكونات الجينية للإنسان، وكذلك البناء النفسي لشخصيته، العوامل المهيئة قطعاً هي البيئة والتنشئة، وعوامل الاستمرارية للسلوك هي جزء من العوامل المهيئة التي لم تنقطع وظلت مستمرة.

إذاً من الناحية النظرية على الأقل نستطيع أن نقول أن التمازج ما بين المؤثرات البيئية والمكونات الجينية هو الذي يؤدي إلى السلوك، لكن هذا الكلام أنا أقوله بكل تواضع، لدي بعض التحفظات حياله؛ لأننا عشنا وشاهدنا من نشأوا في بيئات صحية جداً، ولا يعتقد أنه توجد مؤثرات بيئية سلبية عليهم وبالرغم من ذلك لم يسلكوا السلوك الإيجابي الذي يفيدهم، أو يفيد غيرهم، وبعضهم دخل في مشكلات سلوكية وتصرفات غير مقبولة.

خلاصة الأمر أيها الفاضل الكريم أنا لا أنكر الأثر الجيني لكن أود أن أوضح أن معظم الأمراض النفسية، والمشكلات السلوكية، واضطراب الشخصية إن كان هنالك أثر جيني فيها هذا الأثر ليس أثراً مباشرة بمعنى أن الذي يورث هو الاستعداد للسلوك، وليس السلوك نفسه، هذه حقيقة يجب أن نراعها تماماً، وإذا تهيأت الظروف الجينية وأتت بعد ذلك الظروف البيئية الغير مواتيه هنا احتمالية أن يضطرب السلوك موجودة.

سؤالك: ما مدى قوة تأثير البيئة العائلية للطفل في شخصيته؟ لها تأثير ولا شك أن هذا التأثير لا يمكن تجاهله، والتأثير يكون حتى سن اليفاعة والبلوغ، سؤالك الآخر: هل بالإمكان تغيير السلبيات في شخصيتي كالخجل؟ نعم هذه يمكن تغييرها تماماً، والإنسان يمكن أن يعيد تأهيل نفسه -أيها الفاضل الكريم- هذا الأمر ليس مبالغة، وهذا يتم من خلال التالي:

أولاً: لا أريدك أن تعيش تحت الانطباع القاطع أن لديك موروثات سلبية أو جينات خاطئة من والديك، أو أن تنشئتك كانت خاطئة، هذا -يا أخي- يجب أن تزيحه من تفكيرك تماماً، وحتى الذين عاشوا طفولة قاسية جداً نسبة لخلافات الأبوين، أو لعربدة الأب -مثلاً- كثير منهم أفلحوا في حياتهم، وذلك من خلال استفادتهم من العناية البديلة، عناية الأخ، عناية صديق الأسرة، عناية الدار، عناية المدرس، عناية إمام المسجد، وهذه بفضل من الله تعالى متوفرة في مجتمعاتنا.

إذاً الخطوة الأولى هي أنني لا أريدك أن تبني الانطباع ذلك، والأمر الثاني هو أن تعرف أن الإنسان بعد سن البلوغ مسؤول عن نفسه، ولديه الآلية التامة، ويكون مستبصراً، ويفرق بين الخطأ والصواب، وحكمه على الأمور يجب أن يكون صحيحاً، ومن ثم يدفع الإنسان نفسه دفعاً نحو البناء الذاتي، والبناء الذاتي أيها الفاضل الكريم يتم من خلال حسن الخلق، الاجتهاد في التعليم الأكاديمي، الحرص على أمور الدين، الرفقة الطيبة الصالحة، حسن إدارة الوقت.

والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً