الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

والدي سبب في اكتئابي ووساوسي..فهل من نصيحة؟

السؤال

السلام عليكم

بداية لا أعلم كيف سأطرح عليكم مشكلتي، فنفسيتي جدا متعبة، لدرجة أنها بدأت تأثر على صحتي.

أنا فتاة جدا طموحة، تخرجت من الجامعة بمعدل عالٍ، وأحسست وقتها أن المستقبل سيفتح لي كل أبوابه، وأنه حان الوقت بأن أبدأ العمل في كل الطموحات التي تمنيتها حتى أحققها، لكن لم أكن أعرف أن الحياة لن تكون سهلة كما كنت أتوقع.

هناك معوقات تعيقني للوصول لهدفي، كوظيفة أشغل بها وقتي، وأطور بها من نفسي، وأكتسب ثقافات أخرى، كل المعوقات كان لها حلول، إلا أن هناك معوقا لم أجد له حلا، ألا وهو أبي، فهو إنسان شديد الخوف من المجتمع والناس، لا يثق بأحد، كما أنه شديد الوسواس، فكلما توفرت لي وظيفة يضع لي جميع المعوقات، حتى أعدل عنها.

تخرجت منذ 3 سنوات، وإلى الآن لم أمارس مهنة واحدة، كل من كنّ معي توظفن أو سافرن للخارج لإكمال الماجستير، وأنا فقط أنظر إليهنَّ بحسرة، لم يقتصر رفضه على ذلك، فكلما طرحت عليه أمرا أشغل فيه وقتي رفض بشدة، ويرفض كل شيء أقوله له، لا أعرف ما الذي يرضيه، لكنه لا يعرف شيئا سوى الرفض، ولا يستمع إلي حينما أتحدث فقط يستمع لكلامه.

غير ذلك فهو يظن بنا ظنا سيء، فهو يتوقع أن أي تصرف نفعله أننا نخطط لعمل محرم أو خطير، بمجرد دخوله للبيت يبدأ بالصراخ والعتاب واللوم، هكذا هو منذ عرفته، حتى في جلسات العائلة لا يضحك ولا يبتسم، وإذا تحدث يتحدث فقط باللوم والعتاب والتوبيخ.

أصبحت أرتعب من دخوله للمنزل، ولا أشعر بالأمان، رغم أنه يجب أن يكون هو مصدر الأمان.

عندما يسافر إخواني المتزوجون إلى الخارج ألح عليه بأن أذهب لتتغير نفسيتي لكنه يرفض، أصبحت أتهرب من مجالسته، وأضطر للنوم أثناء وجوده بالبيت، ولا أعلم كيف لم أنجرف نحو الحرام رغم الكبت النفسي الذي أعيشه، وأحمد الله على ذلك، فأنا لا أجد أحدا يستمع إلي سوى الله. 

عندما أختنق وأشعر بالضيق أكتم بداخلي، ولا أشتكي لأحد، حتى وصلت لدرجة أنني أشعر أن جلوسي بالبيت أصبح يجلب لي الوساوس، من ناحية خوفي من الوحدة، أو خوفي على صحتي، وأيضا صرت أخاف من أي أعراض تبدو علي، وأفسرها على أنها مرض خطير.

كثرت زيارتي للمستشفيات، والكل يفسر لي أنها أمراض نفسية، وصرت أشعر أني مصابة بالعين والسحر، وتلك الأحلام والكوابيس المزعجة التي تأتيني كل ليلة، وقد أدمنت تفسيرها، وكل مفسر يخبرني أنهم أعداء، يحاولون النيل مني.

أنا إنسانة بلا وظيفة، أعتكف بالبيت بلا صحبة ولا زملاء، فمن أين لي الأعداء? فقدت كثيرا من وزني، وقلت شهيتي للأكل، وأصبت طيلة السنين بعد تخرجي باكتئاب أحاول الخروج منه، حتى شخصيتي تغيرت، فقد كنت مرحة أحب الحياة، والآن فقط أنا حزينة ومكتئبة.

أنا لا أريد منه سوى أن يشعرني بالأمان والاهتمام والحنان، فأنا أعتصر ألما كل ليلة, وأنتظر الفرج من الله، وكل يوم أحترق من داخلي على الشهادة التي حصلت عليها، وعلى الأمنيات التي تمنيتها.

لم أنكر أن كل هذا قد كانت له نتائج طيبة, فقد تحسنت علاقتي مع الله، التزمت السنن والصيام والوتر، وأكثرت الدعاء، وأنتظر الفرج، لكن كل ما يتعبني في هذا الموضوع هي الوساوس التي تأتيني خوفا على صحتي.

أتمنى منكم أن تجدوا لي حلا مع والدي، وكيف لي أن أترك كل الوساوس التي أشعر بها.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ fatmah حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أسأل الله لك العافية والتوفيق والسداد.

أنت بالفعل لديك بعض المخاوف الوسواسية واضحة جدًّا، وبالنسبة لموضوع والدك: أريد أن أؤكد لك حقيقة أزلية، وهي أن والدك يحبك، والدك يريد لك كل خير، الحب الذي يحمله والدك حيالك هو حب جبلي فطري، لا يستطيع أن يحيد عنه، وربما يكون منهجه منهجًا خاطئًا في التعامل معك، لكن الجوهر هو أنه لا يكرهك ويريد لك كل خير.

أيتها الفاضلة الكريمة: حاولي أن تتقربي إلى والدك، أن تجدي له العذر في نفس الوقت حول أسلوبه المُطبق عليك، فنحن كآباء نخاف على بناتنا كثيرًا، ليس الأمر أمر ثقة أو عدم ثقة، فلا أريدك أبدًا أن تضخمي أو تجسّمي هذا الموضوع، ولا تجعليه شاغلاً أساسيًا بالنسبة لك.

أرجو أن تقتنعي قناعة تامة بأن والدك يريد لك كل خير، هذا أمر أصيل في فطرة الآباء والأمهات، ولا يمكن أبدًا أن نُجادل حوله.

أريدك أيضًا أن تصرفي انتباهك من هذه الحقيقة التي تُزعجك، وهي أن والدك متسلط عليك، أريدك تمامًا أن تفكري في أمورٍ حياتية أخرى، كيف تؤسسي لحياتك؟ ما هي خططك المستقبلية؟ كيف توسعي من آفاقك وإدراكاتك الثقافية والمعرفية؟ كيف تكوني عضوًا نافعًا وفعّالاً في أسرتك؟ .. فيجب أن تجعلي وتهيئي لنفسك الفرصة للتفكير في أمور أخرى تساعدك في بنائك النفسي بصورة إيجابية.

الوساوس دائمًا تُعالج من خلال التحقير، وعدم مناقشتها، واستبدالها بفكر آخر.

أنا أراك أيضًا بحاجة لعلاج دوائي، إذا كان بالإمكان أن تذهبي وتقابلي طبيبًا نفسيًا أو حتى طبيبة الأسرة، دعيها تقوم بإجراء الفحوصات الطبية العادية الروتينية حتى تطمئني على مستوى الدم لديك، ووظائف الكبد، ووظائف الكلى، وكذلك الهرمونات، خاصة وظائف الغدة الدرقية، وبعد ذلك يمكن أن تصرف لك الطبيبة أحد الأدوية الممتازة جدًّا لعلاج قلق المخاوف الوسواسي.

الدواء أيضًا محسِّنٌ للمزاج، وهو يعرف تجاريًا باسم (زولفت) ويسمى علميًا باسم (سيرترالين) ويسمى تجاريًا أيضًا (لسترال) وهو معروف جدًّا، وأنت تحتاجين لجرعة حبة واحدةٍ، تكون البداية نصف حبةٍ يوميًا، أي خمسة وعشرين مليجرامًا لمدة أسبوعين، بعد ذلك تُرفع الجرعة إلى حبة كاملة –أي خمسين مليجرامًا– تتناولينها لمدة أربعة أشهر، ثم تخفض الجرعة إلى نصف حبة يوميًا لمدة شهرٍ، ثم نصف حبةٍ يومًا بعد يومٍ لمدة شهرٍ آخر، ثم تتوقفي عن تناول الدواء.

باركَ الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وأسأل الله لك الشفاء والعافية والتوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً