الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

لا أملك الثقة في نفسي وأبكي لأتفه الأسباب فكيف أساعد نفسي وأنجو بها؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أنا طالبة في كلية الطب، أبلغ من العمر (20) عاما، وأعاني من بعض المشكلات وأتمنى أن أجد لديكم الحل، ولكم عني جزيل الأجر والثواب.

أولا: مشكلة مع الثقة في نفسي، أعرف قدري جيدا، ومن الداخل أثق بنفسي، ويظهر ذلك من خلال محادثاتي عبر الإنترنت، فأنا أستطيع أن أعبر عن رأيي، وأن أتحدث بشكل جيد، لكنني حينما أقابل الناس لا أعرفهم، كل ما يسيطر علي هو أنهم أفضل مني، ولو كن فتيات أشعر بأنهن أجمل مني بمراحل، حتى بين صديقاتي يراودني هذا الشعور، أصمت في معظم الوقت رغم أنني جريئة ولست خجولة. لا أعلم لماذا ينتابني هذا الشعور، شعوري بأن الجميع أفضل مني، وحينما أعود إلى بيتي أظل أقارن بيني وبينهم، وأجد أنهن أتفه من كل مقوماتي، فأنا برأي الجميع حسنة المظهر ومتفوقة وموهوبة بالفنون، وأستطيع عمل كل ما يسند لي فقط إن كنت لوحدي، أما أمام الناس فأنا أرتبك وأفسد كل شيء.

ثانيا: مشكلتي مع أبي، أبي يشعر بأنني لا أفلح بأي شيء، وجميع قريناتي أفضل مني، وأهلهن أرضى عني، ومهما حاولت ما في وسعي لكي أرضيه وأقوم بفعل ما يريد، فهو لا ينفك ويقول هذا الكلام، حقا تعبت، تناقشت معه كثيرا فيم يريدني أن أفعل وما يود أن أكون، إجاباته غير واضحة، ولا أتمكن من اتخاذ القرار فيما يريده والدي بالضبط، ففي مجال الدراسة أبذل ما بوسعي، درجاتي ممتازة، وفي المنزل أعتني بأخي الصغير، وأطبخ الطعام، وأقوم بكل شيء على أتم وجه.

يشعر أبي دائما بأنني فتاة قليلة الخبرة، لا أدري كيف أقسم له عن كم الناس الذين تعاملت معهم، و كيف أفهم نفسياتهم، وكيف أنني لست تلك الفتاة المدللة التي لا تعي شيئا عن العالم، هل يعتبر ذنبي أنه لم يهتم أن يعرف كل شيء عني؟ منذ صغري وأنا أسعى كي نكون مثل الأصدقاء، وأخبره ما يدور في حياتي ومع صديقاتي، لكنه دائما إما أن يسفه حديثي، أو لا يجد لي وقتا، أو يبعدني عنه بعصبيته وعنفه.

ثالثا: مشكلتي مع زوجة أبي، أعيش معها ومع أبي منذ كان عمري أربعة أعوام، بسبب وفاة أمي، كانت تؤذيني بالضرب وأنا صغيرة، وقد علم أبي بذلك وكان ما كان، المهم بأنها توقفت عن ضربي الآن، لكنها لا تحبني، نعم أشعر بذلك، فيظهر عليها من خلال تصرفاتها وكلامها، تمنيت كثيراً أن نتصالح ونكون كالأم وابنتها، فأنا مثل كل فتاة أحتاج لمن يرشدني ومن أحكي له ما يراودني، ليس عندي إخوة يكبرونني، وأبي كما أشرت لكم هو بعيد عن حياتي، أحاول أن أكون لطيفة معها، وأن تكون هي لطيفة معي أيضاً، ولكن في أبسط موقف تخرج كرهها لي، صارت تشع بغضا وتسيء الظن بي، وتهينني، دلوني وأرشدوني ماذا يمكن أن أفعل معها؟

مشكلتي الأخيرة، والتي ظهرت مؤخرا، صرت كلما ضايقني أحد أو استفزني، أجد نفسي قد انخرطت في البكاء وبشدة، صار أخي يسخر مني، ويقول أن ما يبكيني لا يستحق البكاء، لكنني لا أستطيع تمالك نفسي، ويعلم الله أنني لا أستدر العطف بهذا البكاء، لكن حياتي صعبة جدا، هل يمكن لأحد أن يصدق أنني أتمنى الزواج قريبا ليس حبا في الزواج، ولكن خلاصا لما أتعرض له في بيت أبي.

أسألكم المساعدة العاجلة، أدام الله عليكم البركة، وجزاكم خيرا، ووهبكم السعادة.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ بسنت حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

شكرا لك على الكتابة إلينا والفضفضة بما في نفسك، على صعوبته، أعانك الله وخفف عنك ما أنت فيه.

وهنيئا لك، أنه وبالرغم من كل هذه الصعوبات فقد وصلت إلى كلية الطب، وطبعا لم يكن هذا بالأمر السهل، وفقك الله وجعلك من الطبيبات المتفوقات.

الأرجح أن المشكلة الأولى التي ذكرتها من بعض الضعف أحيانا في الثقة في النفس إنما هي بسبب المشكلتين التاليتين، من تعامل والك وزوجته معك، ومنذ نعومة أظفارك بعد وفاة والدتك -رحمها الله تعالى-.

إن بعض ما تتعرضين له من هذه المعاملة إنما هي تقع تحت عنوان سوء المعاملة العاطفية (emotional abuse)، أو الإهمال العاطفي (emotional neglect)، ومن المعروف أن آثارة قد تكون عميقة ومزمنة على الطفل.

لا يبدو أن هناك المزيد مما يمكن أن تفعليه مع والدك من أجل أن تعيشي معه في حياة أسرية هادئة وسعيدة، وأنا حقيقة أحزن أحيانا عندما أجد، وبصراحة، أجد أبناء وبنات أكثر وعيا وحكمة وحسن معاملة من والديهم الذين المفروض فيهم أن يقدموا الرعاية والحنان والتواصل لأولادهم.

وربما أمامك خياران، أو الجمع بينهما، فالأول أن تتابعي محاولاتك مع كل من الأب وزوجته من أجل التعامل الأفضل، على أمل أن يستجيبا، والاحتمال الثاني، ربما أن تتوقفي عن مطالبتهما بالاستماع إليك والتعاطف معك، وأن لا تتوقعي منهما الكثير، مما يبدأ يساعدك على الاعتماد على نفسك، وبالتالي لا تعودي تصابي بخيبة الأمل المتكررة عندما لا يأتيك منهما ما توقعته، فما يأتي منهما يأتي وليس هناك توقعات كبيرة.

وحاولي أن تركزي على دراستك، وتدريبك، لتكوني الطبيبة الناجحة التي تتمنين، ولعل هذا يخفف عنك شيئا من الشعور بالعزلة والوحدة، ولعل أيضا مما يساعدك وجود بعض الصديقات الصدوقات اللاتي ترتاحين لهن.

وشعورك أو تمنيك بالزواج أمر متفهم في ضوء تفاصيل وظروف حياتك، ولا حرج في هذا، في الوقت المناسب.

وفقك الله ويسّر لك الخير والنجاح.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً