الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

والدي يقصر في نفقتنا مع إغداقه على إخوانه

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله

أساتذتنا الكرام جزاكم الله خيرًا على حسن استماعكم وحرصكم على التفصيل في المسائل رغم تعقيدها وطولها.

مشكلتي مع والدي الذي هو رجل متدين، بل إمام مسجد وخطيب جمعة, عانيت معه وإخوتي الأربعة وأمي الأمرين, يكذب علينا ويشهر بنا, ودائمًا ما يضع نفسه الضحية أمام عائلته والناس, يظهر لهم كم ينفق علينا، وكم نحن لا نكترث له, رغم أن كل ذلك هو العكس -والله يشهد- فهو ينفق على إخوانه رغم قدرتهم بسخاء مبالغ، بل إن كل اخوته يسكنون في مساكن مملوكة، ونحن لا زلنا في بيت كراء, وأحيانا لا يطلب منه أحد المال فيبادر إلى ذلك, ونحن في أمس الحاجة إلى ذلك المال.

بعد عناء مع أمي وعيش قهر وظروف كلها كئيبة عاشتها معه 30 سنة تزوج عليها, ولم نعارض فذلك حقه وشرع الله لا يناقش, وقد وعد بالإنفاق مبدئيًا, ولكننا نحس بالذل كلما أردنا النفقة, وهي 10 دولار يوميًا, وإذا لم نسألها لن يأتي بها ولن يتذكرها، وفي أغلب الأحياء يؤجلها، وإذا كان أمام الناس أو بين أصحابه أعطاها ( هذا ما يسوغ له الكلام الأول بأنه يضع نفسه أمام الناس ضحية فالناس لا يحضرون في أغلب الأحيان عندما يعطينا مصروف اليوم ), فهو أصلا لا يعيش معنا وبيته دائمًا مليء بالضيوف، ونفقات بيته لا مجال للمقارنة بينها وبين بيتنا (الله يبارك له ).

وكل ذلك لا بأس به، ولكن المشكلة الكبرى أنه يظهرنا بمظهر العاقين له, ويفرض علينا احترام زوجته، بل والمبالغة في ذلك, والسؤال عنها وعن حاجاتها وخدمتها, وهذا ما لم نتعوده حتى مع أمنا (سامحنا الله إذا قصرنا ), ودائمًا ما يستعمل الدين والفقه لجانبه, كأن يقول ويردد في كل مجلس أن من حق الأب أن يمن على ابنه بمأكله ومشربه وملبسه!

والله يا مشايخنا -والله يشهد- أنني لم أكتب هذه الرسالة إلا بعد التبين منه لسنوات، وأعذار كنت أختلقها له بالمئات -والله المئات- مصداقا لقوله تعالى: {فتبينوا}!

والله يا مشايخنا الأفاضل قد تبينت بعد سنوات أن من يحبه بصدق ولا يريد منه شيئًا يذله ويحقره، ومن يكن له الحقد والكره يحاول شراء حبه واحترامه بالمال، فهل يعقل هذا؟

منعني من الالتحاق بجامعة يابانية والتي من الصعب القبول فيها بحجة مصاريف الدراسة، وبعدها بحجة أنها بلاد كفر, ثم بعدها بأشهر قليلة، أخوه يطلب منه أن يتكفل بمصاريف ابنه المتوجه للدراسة في روسيا فما كان منه إلا القبول! أعلم حق العلم أن عليّ بره ولو كان منه ما كان, ولكن يجب عليّ حبه؟

أيجب عليّ أن أرفع زوجته في مقام أمي كما يريد؟ أيجب علينا أن نتذلل إليه كلما أردنا النفقة؟ ما لعمل يا مشايخنا بارك الله فيكم؟

القصة تطول، ولكنني قصرتها كثيرًا كي لا أحرجكم، ولا أضيق وقتكم الغالي بالتعقيدات.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ ياسر سنوسي حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

لقد اطلعت على مشكلتكم، ودوري هو تقديم النصح العام والإشارة بالأصلح، دون الدخول في تفاصيل عما يجري؛ لأنني أقرأ كلام أحد الأطراف دون الآخر، ولعل ما ننصح به يكمن في الآتي:
1. يجب عليك أن تبر بأبيك على كل حال؛ لأن هذا فريضة شرعية قال تعالى: {وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريماً} [الإسراء : 23] ونشد على يديك وجميع لإخوتك بذلك، ومن البر به حبه ولو كنت تكره بعض الصفات فيه، فهذا لا يجعلك تكرهه؛ لأنه والدك والسبب في وجودك؛ وله فضل عليك.

2. والدكم الكريم يحتاج إلى الجلوس معه؛ والحوار الهادئ دون جدل ولا إلحاح؛ بما يحقق معالجة الأمر وبما يصلح الأسرة الكريمة.

3. العلاقة الحسنة من والدكم مع إخوانه وأولادهم؛ يعد من صلة الرحم؛ ولا يلام على ذلك؛ ولكن لعل وجه القصور هو أنه يحقق لهم ما يريدون دون أن يلبي حاجاتكم الضرورية كما ذكرت في السؤال؛ ولذلك يمكن أن تشركوا بعض من ترون من أقاربكم في نصح والدكم إن رأيتم ذلك ممكنًا.

4. هناك أمر أحب أن أنبه عليه، وهو أن بعض من يتصرف مثل هذه التصرفات المناقضة للشرع، والعقل لعله مبتلى بعين أو سحر؛ فلو بذلتم وسعيتم في الرقية الشرعية فلعل ذلك يكون من حلول المشكلة.

5. إذا أمر الوالد بشيء ليس فيه معصية يجب طاعته؛ ومن ذلك الإحسان إلى زوجته؛ والسؤال عنها؛ وأنتم لستم بحاجة أن يذكركم أبوكم بذلك؛ لأنها ليست امرأة أجنبية عنكم؛ ولعلكم بصلتها والإحسان إليها قد تكونون سببًا في حث أبيكم على القيام على شئونكم؛ وهي لم تكن ولن تكون في منزلة أمكم.

6. أنتم بحاجة إلى النفقة، ولا يعني طلبكم للنفقة من أبيكم أنها ذلة؛ وإذا قصر في ذلك فليذكر؛ وإذا لم يعطكم اصبروا عليه؛ وعالجوا الأمر بلطف وحكمة.

وفقكم الله لمرضاته؛ وأصلح الله شأنكم.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً