الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تقدم لي شاب وبعد التحري تبين أنه كذب في اسمه.. فهل أواصل معه؟

السؤال

السلام عليكم

منذ 4 سنوات تعرفت عبر الشات على شاب، وأخبرني أنه ليس لديه أهل تماما، أحببته وتمت الخطبة بعد عناء، ثم وضع الله الشك في قلبي، ذهبت إلى السجل المدني لأتحقق من بياناته ثم قيل لي إنه لا يوجد أحد بهذا الاسم، واجهته بالحقيقة، ولكنه عالج الكذب بكذب آخر، ثم علم أبي بالأمر فرفض الأمر بشدة، وبعد ذلك تردد بالأمر، ومرت سنة، وفي تلك الفترة لم يكف عن إرسال أهله ويتوسل بالدموع، ويقسم أنه تاب، فهل هو صادق؟ وهل يصلح الزواج منه؟

أنا حائرة، أفيدوني؟

وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ saraomarmohammed حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فاحمدي الله -أختي العزيزة سارة- أن كشف لك حقيقة هذا الشاب الذي تقدم لخطبتك، واتصافه بقبيحة الكذب قبل الزواج منك.

نعم، فإن من الواقعية أن نتحمل ونتقبل بعض الأخطاء والعيوب في شريك الحياة؛ إذ الكمال لله تعالى، وأما الكمال في البشر فعزيز، بل مستحيل (كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون) رواه الترمذي وابن ماجه وأحمد وحسنه الألباني.
ومن ذا الذي ترضى سجاياه كلها كفى المرء نبلا أن تعد معايبه

لكن من مقتضى الواقعية –الموافقة للشرع- أيضا عدم تقبل الأخطاء الجوهرية والعيوب القاتلة في شريك الحياة، كالانحراف في ثوابت الدين والقيم والأخلاق، ومنها خلقا الخيانة والكذب، فقد صح عنه -صلى الله عليه وسلم- قوله فيما رواه الإمام أحمد عن أبي أمامة رضي الله عنه: (يطبع المؤمن على الخلال كلها إلا الخيانة والكذب). أي أن من طبيعة الإنسان - بل والمؤمن أيضا كما في نص الحديث - أن يبتلى بصفات سيئة وأخلاق ذميمة يمكن احتمالها واحتمال صاحبها إلا أن يبتلى بهذين الخلقين الذميمين (الخيانة والكذب).

فالمؤمن مطبوع مجبول على خلقي (الصدق والأمانة) كما قال صلى الله عليه وسلم: (لا إيمان لمن لا أمانة له) رواه أحمد. وتشمل أمانة الكلمة والوفاء بالوعد وحفظ السر...إلخ.

كما أن الكذب علامة على ضعف شخصية صاحبه؛ مما يستلزم في العادة إلى أن يجر إلى أخلاق أخرى ذميمة سيئة تتفرع منه مثل: الجبن، والبخل، وضعف الغيرة ...إلخ؛ لهذا فقد ورد في الصحيحين قوله صلى الله عليه وسلم: (وإياكم والكذب؛ فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذابا) وذلك إذا تحراه واعتاد عليه وأظهره للناس حيث لا ضرورة ولا عذر شرعي.

وتكمن خطورة هذا الكذب حين صدوره من بداية العلاقة الزوجية كونها علاقة مقدسة سماها الله تعالى: (ميثاقا غليظا)؛ لذا فقد شدد الشرع في الإلزام بالوفاء في شروط النكاح خاصة لما يترتب عليه من آثار في الواقع والمستقبل خطيرة؛ لذا فقد قال صلى الله عليه وسلم: (إن أحق الشروط أن يوفى بها ما استحللتم به الفروج) متفق عليه.

أي أن أحق الشروط بالوفاء شروطا النكاح؛ لأن أمره أحوط، فكيف بمن يكذب في الأساسيات التي تقوم عليها أصل الشخصية: (الاسم والأهل)؟ فرجل مثل هذا لا ينبغي أن يقبل زوجا شريكا في الفراش، وأبا للأولاد يركن إليه ويعتمد عليه في أمور الحياة كافة.

إلا أن يكون لعذر شرعي وحجة واقعية مقنعة وضرورة لا بد له منها، واليقين -لا الشك- بصدق توبته واستقامته وصلاحه، مع ترجيحي –والله أعلم - بأن مثل هذه الشروط لا تكاد تتوفر في مثل هذا الأمر.

هذا وأسأل الله تعالى أن يشرح صدرك وينير عقلك، ويلهمك ما فيه الخير والصواب، وأن يرزقك الزوج الصالح الأمين الناصح، ويوفقك إلى العمل الصالح وسعادة الدنيا والآخرة.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً