الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ما يقتضيه حصول ثواب تشييع الجنازة الكامل

السؤال

سألتكم عن ضابط الاتباع في الجنازة فذكرتم لي في فتواكم أنه حتى يحصل على أجر الاتباع لا بد أن يرافقها في كل المراحل إلى أن تدفن وفهمت من ضمن المراحل، وذلك من خلال كلام الشوكاني أنه يتبعها منذ خروجها من بيتها، وهذا كما تعلمون أمر عسير، لأننا لا نعلم بموت الميت إلا من خلال رؤيته في المسجد، أو إن علمنا به قبل ذلك فإنه يصعب علينا أن نزور أهل الميت ونحضر جنازتهم قبل دفنها، لأن فيه بعض الإحراج لنا ولهم خاصة إذا كانوا لا يعرفوننا، وفهمت أيضا من كلام صاحب الفقه الإسلامي وأدلته ـ من خلال ما ذكرتموه ـ أنه لا يشترط ذلك فأيهما أرجح؟ ليتكم تذكرون المراحل التي ترجحونها مرقمة مثل ما ذكر صاحب الفقه الإسلامي وأدلته.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

أولا: لا تعارض بين كلام الشوكاني وبين ما جاء في الفقه الإسلامي وأدلته، فإن هذا الأخير صرح أيضا بأن اتباع الجنازة يتطلب الصلاة عليها واتباعها إلى القبر حتى تدفن.

ثانيا: ذكرنا لك في الفتوى السابقة أن كامل الأجر الموعود به لا يحصل لمن لم يشيع الجنازة ويرافقها إلى المقبرة، ولا يقتضي هذا أن يحرم من الأجر بالكلية، بل إنه يحصل على أجر ما عمل، ولكنه لا يتساوى مع من حضر من بداية الأمر إلى نهايته، وقد رجح الحافظ ابن حجر أن من صلى فقط دون أن يشيع يحصل على قيراط أيضا، لكنه دون قيراط من صلى وشيع، يقول رحمه الله: ولم يبين في هذه الرواية ابتداء الحضور وقد تقدم بيانه في رواية أبي سعيد المقبري حيث قال: من أهلها، وفي رواية خباب عند مسلم: من خرج مع جنازة من بيتها ـ ولأحمد في حديث أبي سعيد الخدري: فمشى معها من أهلها ـ ومقتضاه أن القيراط يختص بمن حضر من أول الأمر إلى انقضاء الصلاة، وبذلك صرح المحب الطبري وغيره، والذي يظهر لي أن القيراط يحصل أيضا لمن صلى فقط، لأن كل ما قبل الصلاة وسيلة إليها لكن يكون قيراط من صلى فقط دون قيراط من شيع مثلا وصلى، ورواية مسلم من طريق أبي صالح عن أبي هريرة بلفظ: أصغرهما مثل أحد ـ يدل على أن القراريط تتفاوت، ووقع أيضا في رواية أبي صالح المذكورة عند مسلم: من صلى على جنازة ولم يتبعها فله قيراط ـ وفي رواية نافع بن جبير عن أبي هريرة عند أحمد: ومن صلى ولم يتبع فله قيراط ـ فدل على أن الصلاة تحصل القيراط وإن لم يقع اتباع، ويمكن أن يحمل الاتباع هنا على ما بعد الصلاة، وهل يأتي نظير هذا في قيراط الدفن؟ فيه بحث، قال النووي في شرح البخاري عند الكلام على طريق محمد بن سيرين عن أبي هريرة في كتاب الإيمان بلفظ: من اتبع جنازة مسلم إيمانا واحتسابا وكان معها حتى يصلى عليها ويفرغ من دفنها فإنه يرجع من الأجر بقيراطين ـ الحديث، ومقتضى هذا أن القيراطين إنما يحصلان لمن كان معها في جميع الطريق حتى تدفن، فإن صلى مثلا وذهب إلى القبر وحده فحضر الدفن لم يحصل له إلا قيراط واحد، انتهى، وليس في الحديث ما يقتضي ذلك إلا من طريق المفهوم، فإن ورد منطوق بحصول القيراط لشهود الدفن وحده كان مقدما، ويجمع حينئذ بتفاوت القيراط، والذين أبوا ذلك جعلوه من باب المطلق والمقيد، نعم مقتضى جميع الأحاديث أن من اقتصر على التشييع فلم يصل ولم يشهد الدفن فلا قيراط له إلا على الطريقة التي قدمناها عن ابن عقيل، لكن الحديث الذي أوردناه عن البراء في ذلك ضعيف. اهـ.

ثالثا: لا نرى أنه من الصعوبة تشييع الجنازة من بيتها إذا علم الشخص بها، ولا يشترط أن يدخل على أهل الميت إن كان في ذلك إحراج له، بل يمكنه الانتظار بالخارج حتى تخرج الجنازة من بيتها فيتبعها للمسجد للصلاة عليها، ثم إلى المقبرة.. وبذلك يحصل على كامل الأجر ـ إن شاء الله ـ ولقد كان من دأب السلف الصالح الحرص على الاستزادة من الأجر، فكان ابن عمر ـ رضي الله عنه ـ يصلي على الجنازة وينصرف، فلما بلغه حديث أبي هريرة ـ أي الذي أوردناه في الفتوى السابقة، والذي فيه: من شهد الجنازة حتى يصلي عليها فله قيراط، ومن شهدها حتى تدفن فله قيراطان ـ قال أي ابن عمر: لقد فرطنا في قراريط كثيرة ـ يعني أضعنا على أنفسنا الكثير من الأجر، لعدم مواظبتنا على اتباع الجنائز وحضور دفنها، قال العثيمين في شرح رياض الصالحين: ثم صار بعد ذلك لا يرى جنازة إلا تبعها رضي الله عنه.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني