الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أضواء على قوله تعالى: اتقوا الله حق تقاته

السؤال

قال تعالى: يأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته.
ما هي أقوال أهل العلم في كيفية حق التقوى؟
وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فقد تعددت أقوال المفسرين في تفسير المراد من قوله تعالى: حَقَّ تُقَاتِهِ {آل عمران:102}، وكيفية تحقيق ذلك، حتى ذهب كثير منهم إلى أن الآية منسوخة، بقوله تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ {التغابن:16}.

وسنسوق لك ما تيسر من أقوالهم في معناها، وكيفية تحقيق "حق التقوى"

جاء في تفسير ابن كثير: قال ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد بن سنان، حدثنا عبد الرحمن، عن سفيان وشعبة، عن زبيد اليامي، عن مرة، عن عبد الله -هو ابن مسعود- {اتقوا الله حق تقاته} قال: أن يطاع فلا يعصى، وأن يذكر فلا ينسى، وأن يشكر فلا يكفر. وهذا إسناد صحيح، موقوف، [وقد تابع مرة عليه عمرو بن ميمون، عن ابن مسعود] . وقد رواه ابن مردويه من حديث يونس بن عبد الأعلى، عن ابن وهب، عن سفيان الثوري، عن زبيد، عن مرة، عن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "{اتقوا الله حق تقاته} أن يطاع فلا يعصى، ويشكر فلا يكفر، ويذكر فلا ينسى". وكذا رواه الحاكم في مستدركه، من حديث مسعر، عن زبيد، عن مرة، عن ابن مسعود، مرفوعا فذكره. ثم قال: صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه. كذا قال. والأظهر أنه موقوف والله أعلم. ثم قال ابن أبي حاتم: وروي نحوه عن مرة الهمداني، والربيع بن خثيم، وعمرو بن ميمون، وإبراهيم النخعي، وطاووس، والحسن، وقتادة، وأبي سنان، والسدي، نحو ذلك. [وروي عن أنس أنه قال: لا يتقي العبد الله حق تقاته حتى يخزن من لسانه] . وقد ذهب سعيد بن جبير، وأبو العالية، والربيع بن أنس، وقتادة، ومقاتل بن حيان، وزيد بن أسلم، والسدي وغيرهم إلى أن هذه الآية منسوخة بقوله تعالى: {فاتقوا الله ما استطعتم} [التغابن:16]. وقال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس في قوله: {اتقوا الله حق تقاته} قال: لم تنسخ، ولكن {حق تقاته} أن يجاهدوا في سبيله حق جهاده، ولا تأخذهم في الله لومة لائم، ويقوموا بالقسط ولو على أنفسهم، وآبائهم، وأبنائهم. اهـ.

وفي تفسير القرطبي: روى البخاري عن مرة، عن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: حق تقاته أن يطاع فلا يعصى، وأن يذكر فلا ينسى، وأن يشكر فلا يكفر. وقال ابن عباس: هو ألا يعصى طرفة عين. وذكر المفسرون أنه لما نزلت هذه الآية قالوا: يا رسول الله؛ من يقوى على هذا؟ وشق عليهم، فأنزل الله عز وجل:" فاتقوا الله ما استطعتم" [التغابن: 16] فنسخت هذه الآية، عن قتادة، والربيع، وابن زيد. قال مقاتل: وليس في آل عمران من المنسوخ شيء إلا هذه الآية. وقيل: إن قوله: "فاتقوا الله ما استطعتم" بيان لهذه الآية. والمعنى: فاتقوا الله حق تقاته ما استطعتم، وهذا أصوب؛ لأن النسخ إنما يكون عند عدم الجمع، والجمع ممكن، فهو أولى. وقد روى علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس، قال: قول الله عز وجل:"يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته" لم تنسخ، ولكن" حق تقاته" أن يجاهد في [سبيل] الله حق جهاده، ولا تأخذكم في الله لومة لائم، وتقوموا بالقسط ولو على أنفسكم وأبنائكم. اهـ.

وفي فتح القدير للشوكاني: قوله: اتقوا الله حق تقاته. أي: التقوى التي تحق له، وهي: أن لا يترك العبد شيئا مما يلزمه فعله، ولا يفعل شيئا مما يلزمه تركه، ويبذل في ذلك جهده، ومستطاعه. اهـ.

ولعل هذا التفسير الأخير هو الأقرب، فإذا بالغ العبد في امتثال أوامر الله، واجتناب نواهيه قدر المستطاع، فإنه يكون قد حقق المراد من قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ .. {آل عمران:102}.
يقول الشيخ محمد رشيد رضا: ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته. أي واجب تقواه وما يحق منها، كما في الكشاف، قال: مثله قوله -تعالى-: فاتقوا الله ما استطعتم [64: 16] أي بالغوا في التقوى حتى لا تتركوا من المستطاع منها شيئا. هذا ما فسر به العبارتين في الآيتين بحسب ذوقه السليم، وفهمه الدقيق، ثم نقل بعض ما ورد فيهما، وما قاله هو المتبادر. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني