الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيفية التعامل مع الأم المهملة لأولادها والمخاصمة لزوجها

السؤال

إننا أربعة أبناء لأب حنون، وأم لا تحس بنا منذ صغرنا، وقد تربينا على أيدي الخادمات، وكانت أمنا دائمة الانشغال بالحفلات والسفر والأصدقاء، حتى عندما نمرض فإن الخادمات هن من يهتم بنا!

كان أبي من الأغنياء، وقد وفر لوالدتنا الرفاهية والثراء، إلا أنه ومنذ حوالي ثلاث سنوات أفلس، وعليه سداد ديونه، ومنذ ذلك الوقت وأمي تفتعل المشاكل معه يومياً، إلى درجة أننا جميعاً صرنا ننفر من الجلوس معهما معاً!

وابتعدنا عن والدتنا تجنباً للمشاكل والإزعاج، ومؤخراً سافرت والدتنا لمدة (6) أشهر، عشنا خلالها مع والدنا براحة ودون أي مشاكل تذكر، وقد كان والدنا مطمئن البال، ولم تكن لدى أمي أي رغبة بالعودة إلينا، ولم تكن تكلف نفسها عناء السؤال عنا!

ومؤخراً عادت والدتنا، وعادت المشاكل من جديد، سؤالي هو: كيف أبر أماً لا أحس بوجودها!؟ كيف أتعامل معها وهي دائمة السب واللعن لي ولإخوتي؟ لقد قلت لها صراحة بأنها هي التي ابتعدت عنا، وأنها هي التي لا تحبنا، وأنها تؤذي والدنا بالكلام، وقد غضبت مني، وقالت لي: إنني ابنة غير بارة بوالدتها!

لا أريد أن أغضب الله، إلا أنني وبالفعل أشعر بالحسرة والألم؛ ولا أستطيع أن أحبها، بل إنني لا أشعر نحوها بأي مشاعر، ما الحل؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم.
الأخت الفاضلة/ حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

اطلعت عل رسالتك، وجزاك الله خيراً أنك تبحثين عن رضا الله تعالى بإرضاء أمك ووسيلة برّها، وأرجو الله أن يهديك إلى الحق في هذا الشهر الكريم.

اعلمي أختي أن بر الوالدين لا يتوقف على رد الفعل من الوالد، وهو ليس من الحقوق التي تتوقف على معاملة الوالد لولده، بمعنى إن قام الوالد بواجبه فيبره الابن وإلا فلا يبره.

فبر الوالدين حق لهما، وواجبٌ على الأبناء والبنات أن يقوموا به، حتى ولو قصر الوالد في واجباته تجاه أولاده، فهذا لا يعفي الأولاد من واجب البر.

نعم واجب الوالدين أن يقوموا بتربية أولادهم وتعليمهم والإنفاق عليهم من طعام وكسوة وعلاج، وأن يكونوا معهم دائماً، ويشملوهم بحنانهم، لكن إن قصر الوالدان فلا يعفى الولد من واجب البر بوالديه، فالواجب عليكِ بر أمك مهما كانت، فتطيعينها في أوامرها ونهيها إلا في معصية الله، وتخدمينها وتتفقدينها وتسألينها عن حالها، ولعل برك بها يكون سبباً لهدايتها.

ولكن لا يمنعك البر أن تقولي لها كلمة الحق، فقولك لها: (أنت ابتعدت عنا) هذا لا يُعتبر عقوقاً بها، بل يعتبر نصحاً وإرشاداً لها، لكن أرجو أن تكون نصيحتك بالتي هي أحسن، فلا تجرحيها أو تسيئي إليها، فالأم وإن كانت كافرة فبرها واجب على الأولاد.

وأما مسألة عدم حبك لها من قلبك فهذا أمرٌ لا يحاسبك الله عليه، فالإنسان لا يستطيع أن يسيطر على الحب والكراهية في قلبه؛ لأن القلوب بيده تعالى يقلبها كيف يشاء.

واعلمي -أيتها الأخت- أن هذا من أحد الابتلاءات التي يبتلي الله بها عباده، فالابتلاء أمرٌ حتمي في حياة المؤمنين؛ فلابد أن يتعرضوا للابتلاء، وكلما ابتلي العبد وصبر زاد إيمانه، ويمكن أن يكون الابتلاء بالمرض والفقر وكثرة المشاكل من الوالد أو الإخوان أو الجيران، وهكذا، وهنا على المؤمنة أن تصبر على ما ابتلاها الله به، وعاقبة الصبر خيرٌ كثير في الدنيا والآخرة.

ولهذا أرى أولاً أن تعاملي والدتك بالتي هي أحسن، وتبريها وتقومي بخدمتها، ولا تنتقديها، حتى تطمئن لك، وفي هذه الأثناء دعي والدك يتولى الحديث معها ويراجعها، فله عليها حق الولاية والتأديب.

وعندما تتحسن علاقتك بها يمكنك أيضاً أن تتحدثي معها بالتي هي أحسن، وتبيني لها أن هذا الطريق خطأ، وهكذا.

وإن لم ترجع بكلامك وكلام الوالد فأرى أن تشتكي لأحد أقاربها كإخوانها مثلاً، وتحكي لهم حاصلها، وتطلبي منهم التدخل لإصلاح سلوكها، وفي النهاية أختي فإن الأمر يكون بين والدك ووالدتك، فإن عجزتِ عن الإصلاح فأوكلي أمرك لله، وابتعدي عن المشاكل مع أمك حتى لا ينالك منها ذنب، ودعي والدك يتصرف معها.

وعليك باللجوء إلى الله لا سيما في شهر الدعاء، وتضرعي إليه أن يهديها سواء السبيل ويصلح من حالها، ويهدي قلبها لما يحبه ويرضاه.

والله ولي الهداية والتوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأكثر مشاهدة

الأعلى تقيماً