الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل يدعو الإنسان ويترك الأمر لله أم يظل يفكر في حاجته؟

السؤال

الآية الكريمة تقول: (ومن يتق الله يجعل له مخرجًا ويرزقه من حيث لا يحتسب)، وأنا أشعر أن الأمر معي ووجدته مع آخرين أنه حينما يفقد الإنسان الأمل في تحقيق ما يريد يجد أن الأمر قد تحقق، وكان قد فقد الأمل، وأيقن من عدم حدوثه، ويلاحظ بأن المرء قد يدعو طويلاً فلا يتحقق ما يريد، وحينما ينزع الأمر من رأسه يجد أن الأمر قد تحقق، فما معنى هذا؟ هل يدعو الإنسان، ويترك الأمر لله؟

ولكن المشكلة: أن الإنسان يستمر في التفكير في هذا الأمر، ومن الملاحظ أن التفكير فى الأمر وتخيل حدوثه يبعد من تحققه، ولكن إن تخيل العكس يحدث ما كان يتمناه.

أعلم أن الأمر غريب، ولكن أريد أن أفهم هل أستمر في التفكير، أم أنسى، أو أتناسى، وكيف الطريق إلى ذلك؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ عاتكة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فالأمر كما قلت -أيتها الكريمة-: بأنه من يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب، فهذا وعد الله تعالى وهو سبحانه لا يخلف الميعاد، فإذا وجد الإنسان نفسه في حال غير تلك فإن عليه أن يفتش في نفسه وسيجد الخلل فيه.

لكن من المهم جداً -أيتها الأخت- أن تتذكري حقيقة مهمة وهي: سر سعادة الإنسان، وهي الإيمان الجازم بأن كل شيء في هذا الكون بقضاء الله تعالى وقدره، وأنه سبحانه جعل للمقادير آجالاً، وقد قال سبحانه: {لكل أجل كتاب}.

وكثيراً ما يستعجل الإنسان الشيء المؤجل فيكد ويتعب، وربما يمل الانتظار وييأس، ثم بعد هذا اليأس يأتيه ذلك المقدور وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: {ضحك ربنا من قنوط عباده -أي يأسهم- وقرب غِيَره} أي وقرب تغيير الله لأحوالهم، فالله عز وجل الذي يعلم الغيب يضحك من حال هذا الإنسان الذي يئس من تغيير حاله وهو لا يعلم أن هذا التغيير سيأتي قريباً.

ولهذا على المسلم العاقل أن يدعو الله تعالى بالخير ثم يفوض الأمور إلى الله تعالى ويرضى باختيار الله له، فالله عز وجل أعلم بما يصلح له، وقد يحرص الإنسان على شيء والخير في خلافه، وقد قال الله جل شأنه: {وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون}.

وما تلاحظينه -أيتها الأخت- من أن شدة تعلق الإنسان بالشيء وحرصه عليه يكون سبباً في بُعد تحققه هي ملاحظة صحيحة من بعض الجوانب، وذلك أن الإنسان إذا اشتد تعلقه بشيء وازداد شوقه له فإنه يرى أي زمان قبل حصوله زماناً طويلاً، والحقيقة ليست كذلك، ولكن شوقه ورغبته هو من يهيئ له ذلك، فإذا قلت هذه الرغبة رأى الأمور على ما هي عليه.

ولذا لا ينبغي للعاقل أن يتعب نفسه باستعجال ما يدعو به ربه ويتمناه، وينبغي مع ذلك أن يجتهد في الدعاء، والأخذ بالأسباب، ثم يفوض الأمر لاختيار الله تعالى ويرضى بما يقدره له، وسيجد في ذلك السعادة التي تغمر حياته كلها.

وبالله التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً