الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

لو كان الزواج يشترى لاشتريته

السؤال

السلام عليكم
أنا فتاة، عمري (29) سنة، غير متزوجة، مؤمنة وعلى خلق، أؤمن بقضاء الله والحمد لله، مشكلتي مع ضعاف النفوس من الناس، فإنهم يجرحونني بكلامهم عن سبب عدم زواجي، حتى أمي ضدي، ترميني بكلام جارح، وتجعلني أبكي، رغم أني أعلم أنها تريد مصلحتي وستري، لكن الأمر ليس بيدي، إنما بيد ربي سبحانه.

زوجة أخي لا تترك مناسبة حتى تذكرني أنها أصغر مني وتزوجت، وأنها أنجبت أولاداً، وأن المرأة ستصبح غير صالحة للزواج بعد 30 سنة، كذلك الكثير من الناس، وحتى الأقارب لم يرحموني.

أنا لا أدري ماذا أعمل! فلو كان الزواج يشترى بالمال لاشتريته، لأسكت الجميع، دعوت الله كثيراً، لكن ساعة الإجابة لم تحن بعد! أريد كلمة طيبة تزيح عني القليل من المعاناة اليومية مع المحيطين بي، وجزاكم الله خيراً.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ لامية حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،

فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلاً وسهلاً ومرحباً بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله جل جلاله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يفرج كربتك، وأن يقضي حاجتك، وأن يجعل لك من لدنه وليّاً ونصيراً، وأن يربط على قلبك، وأن يرد عنك هذا الكلام الذي لا علاقة له بعقلٍ ولا شرعٍ ولا منطق، كما نسأله تبارك وتعالى أن يمنَّ عليك بزوجٍ صالح طيب مبارك عاجلاً غير آجل، وأن يعوضك خيراً عن تلك السنوات التي مرت بك، إنه جواد كريم.

وبخصوص ما ورد برسالتك أختي الكريمة الفاضلة من أنك وصلت إلى التاسعة والعشرين من عمرك ولم يشأ الله تبارك وتعالى أن يتقدم لك أحد، رغم ما أنت عليه من خلق ودين، مما ترتب على هذا الأمر ترتب أن أقرب الناس إليك أصبح يُعيّرك، ويعتب عليك، ويؤنبك بعدم زواجك، حتى الوالدة التي هي مصدر العطف والحنان والرحمة والمراعاة للمشاعر أصبحت ترميك بكلام جارح جعلك تبكين، رغم أنك تعلمين أنها تريد مصلحتك وسترك، ولكنها أيضاً تتكلم كلاماً غير مسئول، إذ أنها بهذا الكلام تجرحك وتؤلمك ألماً شديداً، إلا أنها لا تكاد تفطن لذلك نتيجة نظرتها القاصرة أو المحدودة، فهي تنظر فقط إلى مجرد الزواج، ولا تنظر إلى أن كلامها قد يكون أشد من السهام وأقوى من القنابل، وكذلك أيضاً هذه المسكينة زوجة أخيك التي لا تترك مناسبة حتى تُذكرك بأنها أصغر منك..إلى غير ذلك، وأيضاً كذلك كثيرين ممن حولك يتكلمون في هذا الموضوع وكأنه قضية الساعة وكأن الأمر بيدك، وهذا كله إن دل على شيء –أختي الكريمة لامية– فإنما يدل على جهد شديد بحقيقة الإسلام، وأن الأعراف والعادات أصبحت تلعب دوراً كبيراً في حياة الناس أكثر من دين الله سبحانه وتعالى.

لقد نسي هؤلاء أو تناسوا أن قضية الزواج من الأرزاق، وأن الأرزاق بيد الرزاق جل جلاله، وأن خزائن الأرزاق في السماء وليست في الأرض، وأنه ليس بمقدور أي أحد كائناً من كان أن يُغيّر شيئاً قضاه الله تبارك وتعالى أبداً.

أوصيك أختي الكريمة لامية بالصبر الجميل، وكثرة الدعاء والإلحاح على الله تعالى؛ لأنه ليس أمامك إلا هذا السبيل، واعلمي أختي الكريمة أن الله تبارك وتعالى قدر المقادير قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم، ومن هذه المقادير الأرزاق، ومن هذه الأرزاق الأزواج، والأولاد، والأموال، والصحة، والجمال، والطول، والقصر، والدمامة، والوجاهة، وحتى الإقامة في بلد دون بلد، كل ذلك مما قدره الله قبل خلق السماوات والأرض، وأنه ليس بمقدور أي أحد كائناً من كان أن يغير شيئاً قضاه الله تعالى إلا بالأسباب والوسائل التي بيّنها الله تعالى.

اعلمي أن لك قدر في علم الله تعالى، وأن لك رزق في خزائن الله، ولكن لعل الوقت لم يحن بعد؛ لأن الله تبارك وتعالى أعلم بالإنسان من نفسه، وهو أرحم به من أبيه وأمه، ولذلك يقول الله تعالى: (( أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ))[الملك:14] والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (والذي نفسي بيده لله تبارك وتعالى أرحم بأحدكم من آبائكم وأمهاتكم) ولذلك رأى النبي صلى الله عليه وسلم امرأة في السّبي بعد غزوة من الغزوات وهي تبحث عن طفل لها رضيع، وكلما وجدت طفلاً أخذته وضمته إلى صدرها ظناً منها أنه ولدها، حتى وجدت ولدها، فلما وجدته ألقمته ثديها وضمته إلى صدرها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: (أترون هذه المرأة طارحة ولدها في النار؟ قالوا: لا يا رسول الله. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده لله أرحم بكم من هذه المرأة بولدها).

فثقي وتأكدي من أن رحمة الله تبارك وتعالى بك أرحم من كل شيء، فهو أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين، وأبشري فالله تبارك وتعالى وعد الصابرين خيراً، ولذلك قال: (وسنجزي الصابرين) وأخبرنا أنه يُحب الصابرين، وأخبرنا أنه مع الصابرين، بل قال جل جلاله سبحانه: (( إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ))[الزمر:10].
فاصبري بارك الله فيك أختي لامية، ولكن عليك مع الصبر بالأخذ بالأسباب الكبرى، وأهمها الدعاء؛ لأنه لا يرد القضاء إلا الدعاء، فأكثري من الدعاء، ولا تتوقفي عنه أبداً لا ليلاً ولا نهاراً، وأبشري بفرج من الله قريب، وأحسني الظن به سبحانه؛ لأنه قال جل جلاله: (أنا عند ظن عبدي بي) ولا تلق بالاً لهذه الترهات التي تأتي من الشرق أو الغرب أو القريب أو البعيد، فإن هذا إن دل على شيء فإنما يدل على أنهم لا يعرفون حكمة الله تعالى، وأنهم من العوام البسطاء المساكين الذين ليس لهم نصيب من العلم الشرعي الأصيل الذي يجعلهم يعرفون أن هذا الأمر ليس بيدك ولا بيد أحد من الخلق، وإنما هو بيد الله تبارك وتعالى وحده.

احمدي الله تبارك وتعالى على ما أكرمك به من دين وخلق، وتوجهي إلى الله عز وجل بالدعاء، واصبري الصبر الجميل، واعلمي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسراً) فعليك أختي الكريمة بالصبر، وعليك بالدعاء، وأبشري بفرج من الله قريب، وإنا لنضرع إلى الله تعالى في هذا الموقع أن يمنَّ عليك بزوج صالح عاجلاً غير آجل، وأن يعوضك خيراً وأن يجعلك من سعداء الدنيا والآخرة، إنه جواد كريم.

هذا وبالله التوفيق.


مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً