الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

نصيحة لمطلقة في فقدانها المعاملة الكريمة قبل الطلاق والنفقة على الأولاد بعده

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله

أعاني من حالة نفسية سيئة بعد أن طلقني زوجي، حيث امتد عمر زواجنا (13) سنة، وأنجبت منه ثلاثة أطفال، ورغم أني امرأة متدينة ومتعلمة ولله الحمد، ومن عائلة كريمة، لكني لم ألق المعاملة الكريمة منه، بل تركني أنا والأولاد نعيش وحدنا لمدة ست سنوات بحجة العمل وأشياء أخرى؛ مما فاقم المشاكل بيننا، وكان يعتمد عليّ تماماً في مصروف البيت، فأريد نصيحتكم لي ولأطفالي.

ولا تنسونا من صالح الدعاء.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أمل حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فمرحباً بك في استشارات إسلام ويب، ونسأل الله سبحانه وتعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يفرج كربك، وأن يصلح حالك وحال أبنائك، ويتولى أمركم برحمته، وييسر لكم الخير حيث كان ويقدره لكم.

وأما ما مضى من زمنك مع زوجك وبذلِك للمال مصاريف للبيت ومساعدتك لزوجك في ذلك كله فأنت مُحسنة، والله عز وجل قد وعدك ولا يُخلف الميعاد، وعد بأنه لا يضيع أجر من أحسن عملاً، فينبغي أن يكون ذلك سبباً للسكينة والطمأنينة والسعادة التي تتسرب إلى قلبك؛ لأنك تنتظرين بذلك المثوبة العظيمة والأجر الجزيل عند الله، والدنيا كلها فانية ذاهبة ولا يبقى للإنسان من عمله إلا ما قدمه لآخرته، وأنت مأجورة بإذن الله بهذه النفقات، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم قد أخبر في الحديث بأن: (خير دينار ينفقه الرجل دينار ينفقه على أهله)، فما أنفقت على نفسك وعلى أبنائك فإنك بذلك قد سلكت طريقاً صحيحاً مستقيماً، وهي من خير النفقات.

وكان ينبغي لهذا الزوج أن يكافئك على هذا المعروف والإحسان بالمحافظة عليك وإثابتك بالمعروف على هذا المعروف الذي بذلته، ولكنه لم يوفق لذلك لعلة معينة، ولكن كوني على ثقة بأن ما يقدره الله تعالى هو الخير كله، وهو سبحانه وتعالى أعلم بما هو الخير لك وأنت لا تعلمين، فقد قال سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: (( وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ))[البقرة:216].

فالله عز وجل أعلم بما هو أنفع لك، واختياره سبحانه وتعالى لك خير من اختيارك لنفسك، فهو أرحم بك من نفسك ومن أمك وأبيك، فكوني محسنة للظن بربك، وقوي صلتك بالله سبحانه وتعالى بالإكثار من طاعته، والإكثار من دعائه والاستغفار آناء الليل وأطراف النهار، فحافظي على ذكر الله تعالى كثيراً، لا سيما الأذكار الموظفة، أي: أذكار الصباح والمساء، وأذكار النوم والاستيقاظ، ودخول الخلاء والخروج منه، والإكثار من التسبيح والتهليل لا سيما في أطراف النهار قبل طلوع الشمس وقبل غروبها، فإن الإكثار من ذكر الله تعالى سبب أكيد لطمأنينة القلب وانشراح الصدر وهدوء النفس، فقد قال سبحانه وتعالى: (( أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ))[الرعد:28].

وكوني على ثقة بأن السعادة شيء ينبعث من داخلك – من قلبك – وليس شيئاً يستجلب من الخارج، فليس الزواج ولا البيت ولا الأسرة ولا المال هو الذي يحيا به الإنسان سعيداً، السعادة شيء ينبعث من قلوبنا، إذا عرفت هذه القلوب ربها وأنست بذكره وأكثرت من التعلق به والرجوع إليه فإنها ستعيش سعيدة بلا شك، وبهذا الطريق ستطردين عنك ما تعانينه من حالة نفسية سيئة، وستعلمين بأن هذه الدنيا أيامها قليلة وعمرها قصير، والإنسان ينبغي له أن يمضي أيامه ولياليه فيها بالاستعداد للقاء الله تعالى والظفر بجنة الله تعالى التي فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.

أما أطفالك فإن نفقتهم واجبة على أبيهم، فهذه من النفقات الواجبة عليه، وينبغي أن يُنصح هذا الزوج بالمعروف والحسنى أولاً، وأن تستخدمي في هذه النصيحة من لهم كلمة عنده من الأقارب أو غيرهم، فإن الرفق ما كان في شيء إلا زانه وما نزع من شيء إلا شانه، ويذكرونه بالله تعالى وبالعرض عليه، وبمغبة ونتائج التقصير في حقوق أصحاب الحقوق، لا سيما الأطفال، فإذا هو تاب ورجع إلى الله سبحانه وتعالى وأدى ما عليه فبها ونعمت، وإلا فلك الحق بأن ترفعي أمرك إلى المحكمة الشرعية لتقضي لك بنفقة هؤلاء الأبناء على أبيهم، وإذا كنت تتمكنين من الإنفاق وأنفقت عليهم وأنت مؤثرة الهدوء وراحة النفس فإنك مأجورة على كل قليل أو كثير تنفقينه عليهم، فهذه صدقة، بل من أجل الصدقات.

ونحن وصيتنا لك بأنه إذا تمكنت من إصلاح الحال مع الزوج السابق بواسطة محارم من النساء كأمه أو نحو ذلك -إذا كان الخلاف فقط بسبب بعده أو غربته- فإن صبرك على البقاء معه خير لك من أن تبقي هكذا بأطفالك بعيدة عن أبيهم، فإذا تمكنت من إصلاح الحال وكان الله سبحانه وتعالى يعلم بأن الخير لك في رجوع الزوج فإن هذا خير للأبناء بلا شك، خير لهم من أن يعيشوا بعيدين عن أبويهم، وإن لم يقدر الله سبحانه وتعالى ذلك فاعلمي أن الخير كله فيما يختاره الله عز وجل.

نسأل الله سبحانه وتعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يعظم لك الثواب والأجر فيما تبذلينه مع أبنائك، وأن ييسر لك أسباب السعادة، وأن يقدر لك الخير حيث كان، إنه على كل شيء قدير.

وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً