الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل هناك أمل فى تحقيق أهدافي بعد فشلي وتقصيري في السنين الماضية؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

قصتي أنني طالب في كليةٍ مضيت فيها سنتين، وبقي لي السنتين القادمتين، المشكلة أنني عندما دخلت الكلية كنت أنوي أن أصبح معيدا، ووضعت الخطط، ولكني لم أعمل كما يجب (هذا في الترم الأول) وحصلت على جيد، ثم أحبطت، ومن هذا الإحساس شعرت بضياع هدفي أن أصبح معيدا، ثم قلت لا بأس، ودخلت الترم الثاني ثم حصلت على جيد بتقدير أقل إلى السنة التي تليها (السنة الثانية) ثم قلت ما زال الأمل موجوداً ولكني كنت محبطا، ولم أعمل، وحصلت في السنة الثانية 2010/2011 على جيد، ومن اللحظة هذه شعرت بيأس، مع العلم أن الله رزقني من الذكاء والشطارة والهيبة، ولكن أكثر ما يؤلمني أنني قصرت في حقي أن أكون الأول، وقصرت في حق ربي أنني لم أستغل ما أعطاه ربى لي، وشعرت بالفشل والتقصير في حقي أني مسلم يجب أن أكون في المقدمة، وكان أستاذي في الجامعة كان يريدني أن أكون الأول، ونحن الآن في شهر رمضان قلت أشحذ نفسي، وأكتب أخطائي حتى لا أكررها في السنتين القادمتين، ونويت أن أحصل على مركز متقدم.

المشكلة كلما أصبح عندي أمل يطاردني الماضي، وأندم على ما ضيعته بيدي، وعندما حصلت على جيد في السنتين ضاعت مني مرتبة الشرف، وكان وما زال عندي طموح عالي في أهداف عالية، ولكن نفسي تقول لي (عندما لا تستطيع تحقيق الهدف الصغير هل ستحقق الأهداف الكبيرة؟).

هل أستمر في دعاء ربي بأن أكون معيدا، ولكن واقعيا قد لا يتحقق أم أصلي صلاة استخارة؟ كيف أتخلص من الندم والشعور باليأس ؟ نعم كتبت الأخطاء، وانتهزت فرصة شهر رمضان لكي أشحجذ من نفسي، ولكن الماضي يحبطني، وهل الأفضل الاستمرار في أن أضع هدف معيد أم أبحث عن هدف آخر؟

أعترف أني فاشل لأنني لم أعمل، ولكن وعدت نفسي بأن أتعلم من الماضي، وأن أستغل ما وهبني الله إياه في خدمة الإسلام، وأن أتفوق في السنتين القادمتين، ولن أكرر أخطائي، ولكن الذي يطاردني من الماضي اليأس، وساعات أقول لنفسي: هذا أمر قد قدره الله علي لكي أتعلم من بداية الحياة، وهل عندما يكون عندي أهداف كبيرة من ضمنها أن أكون معيدا ولم أتعين في الكلية هل هذا لا يتحقق؟

وعلى الرغم من هذا عندي حسن ظن بالله أن القادم أحسن، وأتمنى من الله حسن الظن به، ثم حسن العمل، وأتمنى أن تكون حياتي رحلة كفاح لتحقيق حلم حياتي، والحمد لله في هذه الأيام المباركة أشعر بالأمل والطموح العالي لتحقيق الأهداف، ولكن الندم والفشل واليأس والماضي يطاردني.

كيف أتخلص من شعور أن هناك فرصة في يدي وأضعتها بالتقصير؟

وأحياناً أقول في نفسي: لعله خير، ولعله بداية نجاح وانتهاء الفشل، ولكن تقصير الماضي والندم يطاردني، والنتائج السيئة.

هل هناك أمل في تحقيق الأهداف الأخرى؟

وجزاكم الله خيراً، وسامحوني على الإطالة.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،

فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلاً وسهلاً ومرحبًا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، وأسأل الله العلي الأعلى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يفتح عليك فتوح العارفين، وأن يقويك وأن يثبتك، وأن يؤيدك، وأن يصرف عنك هذا التخاذل وهذا الخمول، وأن يرفع عنك كيد شياطين الإنس والجن، وأن يمنحك قوة من لدنه تتمكن من خلالها بأن تحقق هدفك الذي تطمح إليه في خدمة الإسلام والمسلمين.

وبخصوص ما ورد برسالتك – ابني الكريم الفاضل – فإني حزين جدًّا على هذا التقصير الذي وقعت فيه، لأنك كنت مشروع عالم كبير يخدم الإسلام ويرفع رايته في مشارق الأرض ومغاربها.

ابني الكريم محمد: أتمنى أن تنظر يمينًا ويسارًا لتنظر الأمة الإسلامية وهي طارحة على قارعة الطريق تطؤها الدول المتقدمة بأقدامها وتركلها بنعالها لأنها أمة متخلفة، أمة لا تملك قوت يومها، ولا تصنع دواءها ولا غذاءها، ولا تكتفي بأي شيء يعود عليها بالنفع في حياتها.

أيسرك أننا نتسول على أبواب الكفار الملاعين شرقًا وغربًا ولدي محمد؟! أيسرك أننا آخر الناس استفادة من التقنيات الحديثة؟! أيسرك أننا أمة لا نستطيع أن نصنع سلاحًا ندافع به عن أنفسنا أمام عدونا؟! أيسرك أننا أمة ملابسنا من مصانع أعدائنا، ودواؤنا من مصانع أعدائنا، وغذاؤنا من مزارع أعدائنا؟!

لقد قصرت تقصيرًا عظيمًا يا ولدي، ولكن ما زالت هناك فرصة متاحة أتمنى أن لا تضيعها، لأنك ستُسأل عن هذه الأمة يوم القيامة، ما دام قد منحك الله تبارك وتعالى ذكاء ونبوغًا وهيبة وتقدمًا وتفوقًا ذهنيًا، كان المفروض منك أن تظل الأول فعلاً، لأن الله تبارك وتعالى جعل هذه منزلة المسلم، وقال صلى الله عليه وسلم: (لا يكن أحدكم إمعة، يقول أنا مع الناس إن أحسنوا أحسنت وإن أساءوا أسأت، ولكن وطدوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا وإن أساءوا أن لا تتبعوا إساءتهم).

ولدي: ألم تسمع قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا سألتم الله فسلوه الفردوس) لماذا يا ولدي؟ لأنها أعلى منزلة في الجنة.

ولدي: ألم تسمع قول النبي صلى الله عليه وسلم: (سددوا وقاربوا) ومعنى سددوا أن تصيب الهدف مائة بالمائة، وإذا كنا قد قصّرنا ولدي محمد في السنتين التي ضاعت منك، حيث ضاعت منك مرتبة الشرف، إلا أنه ما زالت هناك فرصة أن تنافس على الصدارة بإذن الله تعالى، والذي تحتاجه هو أن ترتب أوراقك، وأن تخلع من ذهنك تمامًا مسألة الفشل، ولا داعي للاستخارة الآن، لأن الاستخارة لا تكون في مثل هذا الأمر، وإنما صل ركعتين بنية قضاء الحاجة، وتوجه إلى الله أن يجعلك الله عملاقًا في خدمة الإسلام، وإذا كنت لن تعمل معيدًا في الجامعة فالدنيا لم تنته، فإنك من الممكن أن تواصل رحلتك التعليمية من خارج الجامعة، وأن تكون عملاقًا كبيرًا من خارج الجامعة، ولكن احرص يا ولدي على استغلال الفرصة المتاحة ولا تضيع دقيقة واحدة.

الأمة كلها أمانة في عنقك ولدي محمد، لأن الله منّ عليك بنعم عظيمة وأنت متفوق، وإذا كنت قد أضعت فرصة أو فرصتين فيما مضى فينبغي عليك أن تجدَّ فيما هو آتٍ، وأن تواصل الليل بالنهار، وأن ترتب أوراقك ترتيبًا جيدًا، وأن تنظم حياتك تنظيمًا دقيقًا، وأن تجعل وقتًا لنومك ووقتًا لعباداتك ووقتًا لمذاكرتك، ووقتاً لراحتك ولهوك ولعبك، على أن تجعل المساحة الكبرى لله سبحانه وتعالى أولاً من حيث الدعاء والأخذ بالأسباب؛ لأن طلب العلم لخدمة الإسلام عبادة.

فأنت تستطيع يا ولدي أن تغير هذه النتيجة السيئة، وتستطيع أن تحقق حلم الأمة في عالم كبير يخدم هذه الأمة، ويرفع رايتها في المحافل الدولية. نحن في حاجة إلى النابغين والمتميزين من أمثالك ولدي محمد. لا تنظر إلى ورائك يا ولدي، إنما انظر إلى الأمام، إلى المستقبل المشرق.

أتمنى أن تكتب في ورقة وتضعها أمامك على المكتب (لا بد أن أكون أستاذًا كبيرًا) أو (لابد أن أكون عالمًا يعمل لخدمة الإسلام ويرفع رايته) اكتب أي عبارة شعرية تحبها أمامك. نابليون بونابرات الذي حكم فرنسا والذي فعل ما فعل وسطّر اسمه في جبين التاريخ، كان من حيث المبدأ لا يصلح أن يكون قائدًا بحال من الأحوال، لأنه لم يكن من الأشراف ولم يكن من علية القوم، ولكنه جاء من السلم الخلفي وجاء من الطوابير المتأخرة، إلا أن أباه كتب له عبارة أمامه على مكتبه (لا بد أن أكون قائدًا عظيمًا) وظل يسعى لتحقيق هذا الهدف، حتى عندما أصبح امبراطور فرنسا وقف أمام قبر والده وقال: (يا أبت لقد حققتُ أملك، وها أنا ذا الآن امبراطور فرنسا الأعظم).

أتمنى بارك الله فيك أن تضع أمامك عبارة مشجعة مثل هذه العبارة، وأن تجعلها هدفًا كبيرًا تجعل خدمة الإسلام هي رأسه وهي قاعدة هرمه، واعلم أن النظر إلى النقاط السوداء يؤدي إلى ظلمة الرؤية، أما النظر إلى الأمل والنظر إلى الطموح والنظر إلى الأشياء الجميلة يؤدي إلى سعة النفس وقوتها، وهذا هو الإسلام الذي لا يعرف اليأس ولا يعرف القنوط ولا الإحباط، ولذلك قال الله تبارك وتعالى: {إن يمسسكم قرحٌ فقد مسّ القوم قرح مثله} إذا تغيرت الأحوال عليك فاعلم أنها من الممكن أن تتغير على غيرك، ولكن المهم أن تنهض، وأن تقف على قدميك، ولا تطل الجلوس على الأرض ولا تركع لغير الله تعالى.

أتمنى أن تقرأ كتاب إبراهيم الفقي: (الخطوات العشرين للنجاح) وإن كنت أنت لست في حاجة إلى ذلك، ولكن أتمنى أن تحفز نفسك بكل ما أوتيت من قوة، واجعل دائمًا كما ذكرت نصب عينيك الإسلام المستهدف، الإسلام الذي ضعف أبناؤه عن حمله، الآن يحتاج إلى أن تحمله معهم ليصل إلى مشارق الأرض ومغاربها.

خذ بالأسباب واستعن بالله ولا تعجز، واعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، وما أصابك لم يكن ليخطأك، وقل لما فاتك (قدر الله وما شاء فعل) ولكن المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف.

وفقك الله وسددك وأيدك .

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً