الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أنا فتاة أعمل في عمل تطوعي وأخشى الفتنة بالرجال ... ما نصيحتكم؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته,,,

أنا مهندسة إعلامية, التحقت منذ أشهر بجمعيّة عمل خيرية في ميدان الإعلام، والبرمجيات الحرّة، والحقيقة أنني أجد أني أستطيع تقديم الكثير في إطارها.

المشكلة: أنّ الجمعيّة مختلطة، وأكاد أكون الأخت الوحيدة فيها، كما أنني كثيرة التفاعل مع أحد الإخوة، وهو أخ يبهرني بهمّته العالية في سبيل نصرة الدّين، وأنا بصراحة وقعت في فتنة بسببه، ثمّ ابتعدت عن المجموعة لفترة, ونجحت في نسيانه نوعا ما لمدة شهر.

لكن جاءت منذ أسبوعين أنشطة جديدة للمجموعة فاضطررت للعودة، وهناك أفكار مطروحة قد تجعلنا نتعامل بصفة دوريّة مع بعضنا, مرة كل يومين، أو كل يوم, أنا أرى أنني أستطيع تقديم الكثير لهذه الجمعيّة، وقد استخرت في الموضوع, ورأيت جدّي -رحمه الله- في المنام يقول لي أتمّي المهمّة التي بدأتِ.

طرح عليّ الأخ البارحة فكرة أن ننشئ مجموعة لنتعامل مع بعضنا في إطارها؛ لأنه مدرك لتحريم التعامل على الخاص، ولكن المجموعة -رغم أن الكلام سيكون فيها مرئيا للجميع- سيكون تعاملنا فيها مع بعضنا فقط.

أنا في حيرة، أريد حلاّ يجعلني أنشط بدون أن يكون الله غير راضٍ عنّي.

كنت أستطيع أن أكون قويّة، وأركّز فيما فيه نصرة للأمة، ولم تكن مشكلة فيما لو كنت معجبة به أم لا، ولكن ما يغضبني هو أنّه أصبح لبقا أكثر من قبل، أو لعلّني أتخيّل، إذ أصبح يعتذر حين يتأخّر عن الرد على رسالتي, حتى إنّه المرة الأخيرة قال: إنّه لن يستطيع الردّ، لأنّ عنده عملا في المكتب ليلا، واستغربت منه ذلك؛ لأنّه ليس معتادا أن يتحدّث عن أموره الشخصية, وأنا الأخرى كذلك.

في المرة الأخيرة لمست من كلامه نوعا من الحديث الذي لم يكن منه بدّ، وبدا لي الهدف منه أن أعجب به.

طيلة تعاملنا هذه الأشهر لم تكن هناك مخالفات على حسب علمي، ولم يكن هناك خروج عن الموضوع من أحد الطرفين، ولكن هناك نوع من الألفة أحس أنها تكوّنت، يعني حتى ولو لم أكن معجبة به، أحس بالراحة للحديث معه، وكأنه فرد من العائلة.

أرجو أن تنفعوني بحل عملي -بارك الله فيكم- وإذا طلبتم مني الانسحاب فقولوا لي: ماذا أقول له؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ نور الإيمان حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،

مرحبًا بك -أختنا الكريمة- في استشارات إسلام ويب، نحن نشكر لك -أيتها الكريمة- إحساسك بخطورة الوقوع فيما يُسخط الله تعالى، وهذا دليل على إيمانك, ورجاحة في عقلك، نسأل الله تعالى أن يزيدك هدىً وصلاحًا.

ونشكر لك كذلك -أيتها الكريمة- حرصك على الخير لأمتك, وتقديم النفع لهم، ونسأل الله أن ييسر لك ذلك فيما يُرضيه ولا يُسخطه.

وصيتنا لك -أيتها الكريمة- أن تكوني حريصة على الوقوف عند حدود الله تعالى، والابتعاد عن أسباب الفتنة، وقد ظهر لنا رجاحة عقلك حين وصفت ما وصفت من التعلق بهذا الشاب، بأنه فتنة، وهو كذلك.

لهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم حريصًا كل الحرص على إغلاق كل الأبواب التي قد تؤدي إلى فتنة الرجل بالمرأة، أو فتنة المرأة بالرجل، وقد جاء في الحديث أنه صلى الله عليه وسلم كان جالسًا على الدابة ووراءه ابن عمه الفضل بن العباس -رضي الله عنهما- فرآه النبي صلى الله عليه وسلم وهو ينظر إلى امرأة، فصرف وجه الفضل إلى الشق الآخر، فسأله عمه العباس بن عبد المطلب - رضي الله عنه - : لم صرفتَ وجه ابن عمّك؟ فقال النبي عليه الصلاة والسلام: (رأيتُ شابًا وشابة فلم آمن عليهما الشيطان).

هذا الحديث العظيم -أيتها الأخت- يُبين لك بجلائه ووضوحه أن الشيطان لا يؤمَن في باب الصلة بين الشاب والشابة، وإذا كان هذا الخوف موجودا على شاب من شباب الصحابة -رضي الله عنهم- ومن أقرب الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم, وفي أشرف البقاع - في عرفة - مع امرأة قد تكون أيضًا من خِيرة الصحابيات, وهي حاجَّة في عرفة، إذا كان هذا الخوف يوجد مع هؤلاء الناس, وفي مثل تلك الأحوال, وفي تلك البقاع, فكيف بنا نحن في هذه الأزمان!ّ مع ما نحن فيه من تقصير, وعرضة لاصطياد الشيطان بيسر وسهولة!!

لهذا فمن العقل والحزم كل الحزم -أيتها الأخت الكريمة- لمن كان حريصًا على مرضاة ربه, والابتعاد عن الفتنة, والوقوع فيما حرم الله عز وجل عليه أن يتعامل مع هذا الباب بحزم وشدة، وأن يغلق على نفسه أبواب الفتنة ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث آخر: (ما تركتُ بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء).

من أعظم الفتن التي يتعرض لها الإنسان في دينه افتتان الرجل بالمرأة, وافتتان المرأة بالرجل، وقد يُزين الشيطان الأبواب التي تُدخل إلى هذه الفتنة بأنواع من التزيين، بأن يدعو إلى عمل الخير المشترك, أو نحو ذلك، ثم يجر الإنسان شيئًا فشيئًا حتى يقع في حبائله وشِراكه، وقد نهانا الله عز وجل عن اتباع خطوات الشيطان في كتابه الكريم، فقال: (يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان).

من ثم نصيحتنا لك -أيتها الكريمة- أن تقطعي التواصل مع هذا الشاب، وإذا دعت الحاجة إلى الحديث معه في أوساط آخرين من غير خلوة، مع التزام الضوابط الشرعية من حجاب, وعدم خضوع بالقول، فيكون الكلام بقدر الحاجة، وإذا أمكنك أن تتجنبيه تجنبا كاملا فهذا خير لك وله.

لا حرج عليك أبدًا في أن تظهري له الحقيقة في أن علاقة المرأة بالرجل ينبغي أن تكون منضبطة بضوابط الشرع، وإذا وصلته هذه الرسالة فإن الظن فيه -إذا كان متدينًا-أن يزيد احترامه لك, ويبتعد عنك، وإذا كان فيه رغبة وميل لك فليتقدم لخطبتك من أهلك إذا كان يريد الزواج، وإلا فإن الخير كل الخير في قطع هذا النوع من العلاقات، ولا تسمحي للشيطان أبدًا بأن يجرك إلى شيء من هذه الفتنة تحت مبرر العمل الخيري, أو ما شابه ذلك؛ فإن أسباب الخير كثيرة ينبغي لك أن تقدمي منها ما تقدرين عليه، مع الحفاظ على دينك, والابتعاد عن سخط الله تعالى.

نسأل الله أن يقدر لك كل خير.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً