الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل واجب علي الإنفاق على أبي بعد أن تزوجت ولو من مال زوجي؟

السؤال

السلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته
سعدت جدا لما أوجدتني الصدفة على النت بموقعكم. حقيقة حصل الأمر في وقته خصوصا و أني غير معتادة على استعمال الإنترنت, أود طلب استشارة بخصوص مشكلة تؤرقني منذ أن تزوجت قبل سبعة أعوام, و كلي أمل في أن تفيدوني بالجواب الشافي.

تتخلص حالتي كالتالي: والدي يقيم في موطنه ببلد عربي, و هو على قدر من يسر الحال حيث رزقه الله ما يكفيه مؤونة التكلف, إلا أنه يطلب مني ومن إخوتي أن نرسل له مالا باستمرار على اعتبار أننا نقيم بالمهجر, و بالتالي بحسبه دخلنا عال و يعتبر أننا وإن تزوجنا نبقى رهن تصرفه, وهكذا فهو يريد أن نخصص له مبلغا من المال نرسله له بصفة شهرية وبشكل دائم, عندما يتأخر أحد إخوتي عن بعث المال يغضب أبي ويعنفه في الهاتف ولا يكلمه بعد ذلك, على الرغم بعلمه بأن دخلنا جميعا يكفي لتلبية طلبات الحياة اليومية والأسرية لكل واحد منا لا أكثر.

مشكلتي أن زوجي صار يرفض بشكل قاطع بعث المال لوالدي. بنظره أبي لا يحتاج للمال لأنه يملك ما يكفيه وزوجته وزيادة, وهذا أمر واقع لدرجة أن والدي يملك بيتا فخما وشقة مجهزة بأحدث ما جادت به مصانع الأثاث المنزلي, ثم إن زوجي لا يعتبر والدي كشخص مسؤول منه حتى يبعث له مالا باستمرار, وإن كان الأمر كذلك منذ مدة حيث برضا زوجي بعثنا مبالغ مهمة لوالدي منذ أن تزوجت, وذلك لعدة مرات ووافق زوجي كي نأتي بوالدي لزيارتنا هنا في أمريكا هو وزوجته منذ مدة يسيرة حتى وإن كان الأمر جدا مكلفا.

لكن ومنذ أن أوقف زوجي بعث المال لوالدي لأسابيع خلت للأسباب التي ذكرت تغير صوت أبي في الهاتف, ولم يعد بعدها يكلمني عندما أتصل به, حيث ترد زوجته على مكالماتي لتخبرني أنه غير راض عني بسبب انقطاع الحوالات المالية. بين مطرقة رفض زوجي الاستمرار في بعث مال لوالدي ولو عند المناسبات وسندان رفض أبي محادثتي وإعراضه عني ما دمت لا أبعث له المال, أعيش عذابا نفسيا بشكل يومي حتى أثر ذلك على علاقتي بزوجي, وصار مؤخرا يحرص على مراجعة حساباته المالية بشكل دائم خشية أن آخذ منها شيئا دون علمه وأبعثه لأبي خفية لجلب رضاه, كما صرت أحس بعدم ثقته بي بخصوص هذا الأمر لظنه أني سأحرص على إرضاء والدي حتى لا يغضب مني, كما أن زوجي لم يعد يريد الخوض في هذه السيرة.

أرجوا إفادتي بموقف الشرع من زوجي ووالدي ونصحي بما يمكنه تخليصي من هذا العذاب ولكم جزيل الشكر.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سناء حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،

فمرحبًا بك أختنا الكريمة في استشارات إسلام ويب. ونحن سعداء باهتدائك إلى موقعنا، ونسأل الله تعالى أن يعننا على تقديم ما فيه خير لك ولغيرك من المستشيرين، وكنا نحبذ أيتها الكريمة أن تقولي (قدر الله لي أن أقع أو أن أهتدي إلى موقعكم) فذلك خير من أن ننسب شئا إلى صدفة، فإن كل شيء يتم بقدر الله تعالى وتقدير.

أما في موضوعك مع والدتك فالذي فهمناه من كلامك أن المال الذي توصلينه إلى والدك من مال زوجك، وإذا كان الأمر كذلك فنقول لك أيتها الكريمة: جزاك الله خيرًا على حرصك على إرضاء أبيك، وهذا دليل منك على الإيمان ورجاحة العقل، ولكن ليس لأبيك حق في مال زوجك، ولا يجب على زوجك أن يبعث بشيء من ماله إلى أبيك، إلا بطيب نفس منه إذا أراد أن يُهديه شيئًا، أما أن يُكلف أو أن تأخذي من ماله شيئًا بغير رضاه فهذا لا يحل ولا يجوز، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم – يقول: (لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب من نفسه) وقال: (كل المسلم على المسلم حرام: دمه وماله وعرضه) وقال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراضٍ منكم} والنصوص من القرآن والسنة في هذا المعنى كثيرة.

ومن ثم فنقول أيتها الكريمة: إن والدك ليس له حق في مال زوجك، أما أبناؤه الذكور الذين يطلب منهم فهذا شأنه وشأنهم، وينبغي لهم أن يطيعوا آباءهم وأن يحصلوا على رضاه بقدر استطاعتهم ما داموا يقدرون على الإنفاق عليه أو مواساته بشيء من المال بما لا يضرهم ولا يُجحف بهم.

أما أنت فمعذورة، وليس عليك إثم، وينبغي أن تُحسني التلطف بأبيك وتسلكي الرفق في الاعتذار إليه وتبيني له هذا المعنى الذي بيّناه، وهو أن الزوج لا يريد أن يعطيه شيئا من المال باستمرار لضيق حاله، ولأنه يحتاجه في الإنفاق على نفسه، وهو في الآخر رجل لا تملكين أنت جبره على أن يتصرف في ماله كيف ما يشاء، ونحن نظن أن والدك بهذا النوع من الاعتذار سيتقبل وسيتفهم حقيقة أمره.

وإذا استطعت أن ترغبي زوجك باللين أن يواسي والدك في بعض الأحيان إذهابًا لغلِّ الصدر والوحشة بين النفوس فهذا شيء حسن، ولكنا نؤكد عليك أنه لا يجوز أبدًا أن تضطري الزوج إلى أن يدفع شيئًا من ماله تحت ضغط الحياء، فإن ما أُخذ بالحياء حرام، وليس عليك إثم كما قلتُ أولاً، وأكرر هذا ثانيًا، حتى لا تظني بأنك في حرج شرعي، وعليك أن تصلي والدك بالمعروف الذي تقدرين عليه من السلام والسؤال عن حاله ونحو ذلك، وإذا كنت يومًا ما قادرة على أن ترسلي له شيئًا من مالك فلا بأسك عليك ولا حرج.

نسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يعينك على برك بأبيك، وييسر لك الخير حيث كان.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً