الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

وساوسي أساءت بعلاقتي بجميع من حولي، فكيف أعيش حياة طبيعية؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.

أنا فتاة أبلغ من العمر 23 سنة، متزوجة حديثا لكن لم ألتحق ببيت زوجي بعد.

أريد المساعدة بشأن حالتي، ولا أعلم ما أفعل! ولا أريد زيارة طبيب نفسي نظرا للظروف المادية، ولرؤية الناس للمريض النفسي.

قبل زواجي، كنت أتوتر وأنزعج وأتعصب لأبسط الأشياء، لكن لم أكترث قط لهذا السلوك؛ لأني كنت مشغولة فقط بدراستي، والآن وبعد أن تزوجت، أصبحت أراقب سلوكياتي كثيرا، وسرعان ما ازدادت لدي حدة العصبية، والتوتر والحيرة والشكوك، أتوهم طوال اليوم بأن زوجي سيتركني يوما ما، أو أنه سيمل مني وينظر في غيري، أو أن أحدا سيضمر لي السوء ويوقعني في فخ ليفرقني عن زوجي، وهذا الخوف بات يلاحقني لدرجة أنه إذا رن هاتفه، يبدأ قلبي بالخفقان بسرعة حتى أعرف من المتصل، هذا من جهة.

أنا أحب زوجي كثيرا، أصبحت مهووسة من أن يتركني يوما ما، فأجن أو أنتحر، كما وأشك فيه طوال الوقت أين ذهب، وأين هو؟! وأنه ليس في العمل، بل يخونني، فأشعر بالضعف والخوف وعدم القدرة على القيام حتى بالأعمال المنزلية، وكلما كلمني في الهاتف ألومه أين كان، ولماذا لم يتصل، فتبدأ المشاكل بيننا.

أنا أشعر أن شخصيتي أصبحت ضعيفة، وأن قوة التركيز لدي ضعفت أيضا، فلم أعد أتذكر ما قرأته البارحة في مجال ما، كما وانقطعت علاقاتي بجميع من حولي؛ لأني أشعر أنهم لم يعودوا يحبونني بسبب عصبيتي، وانزعاجي كثيرا، وهذا الأمر يؤرق حياتي أكثر.

أنا لم أعد أستطيع النوم بهدوء، وليس لي نفس في الأكل، ولا أركز في شيء، وأشعر بصداع طوال اليوم بسبب كثرة التفكير، والخوف من المستقبل، أصبحت أبكي بسهولة، وحزينة طوال الوقت، وأفكر كثيرا في الانتحار إذا تركني زوجي، حتى أني لم أعد أبالي بدراستي ومستقبلي، ولم أذق طعم اللذة بالنعم التي أنعم الله بها علي.

أرجوكم علاقتي بجميع من حولي تدهورت، حتى مع زوجي الذي أحبه أكثر من نفسي، أشعر أني متضايقة من تصرفاتي، الكل أصبح يتكلم عني بالسوء، لكني والله أنا لا أقصد الإساءة في هذه العصبية، والشكوك تتملك نفسي كثيرا، ولا أستطيع مقاومتها، علما أني ترعرعت ببيت يسوده قلة التفاهم، وكثرة المشاكل، وقسوة أبي على أمي، وتهديده لها دائما بالطلاق، فأنا خائفة من أن أعيش مثلهما أو أن يعاملني زوجي مثل هذه المعاملة.

إيماني ضعف، ولم أعد أصلي أبدا، الحياة أصبحت لا تعني لي أي شيء، وعلاقتي بالجميع تتدهور، ولم تعد لي شخصية، كيف أستعيد ثقتهم بي وحبهم لي؟ أرجوكم أنا خائفة من أن لا تنجح حياتي الزوجية، وأن لا تتركني هذه العصبية والنرفزة، أنا خائفة من أن أستخدم نفس السلوك اللاإرادي مع زوجي وأهله فيكرهونني ويتركني، أنا خائفة من أن تتدهور حالتي، فأصبح هستيرية.

أرجوكم .. قل لي: ماذا أفعل وكيف أنظم حياتي؟ وكيف أصبح فتاة هادئة؟ كيف أنجح في حياتي، وأحس بالأمان من جديد؟

أنا أشك في الكل، في نفسي أيضا، أنا أكره نفسي، وسأموت من هذه الأحاسيس، وزني ضعف كثيرا، أنا أقاوم من دون منفعة.

أرجوكم خذوا رسالتي بعين الاعتبار، أعتذر عن الإطالة، وشكرا جزيلا ... في أمان الله!

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ فاطمة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

بارك الله فيك، وجزاك الله خيراً، ونشكرك كثيراً على تواصلك مع إسلام ويب، وأود أن أؤكد أن رسالتك قد أخذت بعين الاعتبار، وهي مقدرة جداً.

الحالة التي تعيشين فيها من حيث التشخيص، ومن خلال المعلومات الجيدة التي وردت في رسالتك، أستطيع أن أقول لك أنك تعاني من قلق ومخاوف وسواسية، وساوسك كلها حول الزوج ومستقبل الزواج، ويظهر أنه من الأصل لديك ميول للقلق النفسي، وبعد ذلك حدث الزواج، وهو زواج ممتاز من الواضح بالرغم من ذلك وبالرغم مما فيها من إيجابيات إلا أن الزواج حرك لديك المشاعر الوسواسية التي تتجسم وتتجسد في هذه الأفكار المستحوذة والشعور بعدم الأمان، وأنك كذا وكذا.. وسوف يحدث كذا، كلها وساوس، وليس أكثر من ذلك.

والطابع الشكوكي معروف جداً في الوساوس، كما أن الوساوس تأتي للناس ويكون محتواها دائماً في أشياء عزيزة على النفس إن شاء الله تعالى لن يصيبك مكروه، وزوجك سوف يكون على خير، عدم التركيز وافتقاد الرؤية الواضحة حول المستقبل، والعصبية والنرفزة كلها من نتائج حالة القلق التي تعيشين فيها.

الوضع الأمثل هو أن تقابلي الطبيب النفسي، ولكن قلت أن ذلك ليس ممكناً، وعليه أنت محتاجة إلى علاج دوائي مضاد للقلق، والوساوس، والمخاوف، أعتقد أنه سوف يفيدك كثيراً، الدواء يعرف باسم فافرين Faverin، والاسم العلمي هو فلوفكسمين Fluvoxamine، جرعة البداية هي ( 50غ) يتم تناولها ليلا بعد الأكل، واستمري عليها لمدة أسبوعين، وبعد ذلك ارفعي الجرعة إلى (100غ) ليلاً، واستمري عليها لمدة ستة أشهر، ثم تخفض الجرعة إلى (50غ) ليلاً لمدة ثلاثة أشهر، ثم يتم التوقف عن الدواء.

وهذا الدواء ممتاز، وفعال جداً لعلاج القلق، والمخاوف، والوساوس، كما أنه سوف يحسن مزاجك، وإن شاء الله تعالى يبدأ وزنك في التحسن، هذا الدواء في حالة حدوث حمل يجب أن تتوقفي عنه؛ لأن الفترة الأولى في الحمل لا ننصح فيها بتناول أدوية.

الدواء سوف يمهد لك الطريق للتطبيقات السلوكية الأخرى، وهي أولاً: وبعد أن يأتي إن شاء الله الشعور بالأمان نظمي حياتك على هذا الأساس، وإدارة الوقت بصورة جيدة، كوني متفائلة، حقري أي فكر وسواسي، وفكر سلبي، وانطلقي بحياتك على أسس جديدة تقوم على الشعور بالأمان كما ذكرت لك، وحسن الظن وتحقير الفكر الوسواسي واستيعابك الأشياء الطيبة في حياتك دائماً سوف تكون محفزة لك للمزيد من الاستقرار النفسي.

أنت لديك أشياء جميلة في حياتك، وهي الانتهاء من الدراسة الجامعية، وتزوجت من زوج طيب، وإن شاء الله ترسمي خريطة الطريق واضحة جداً لمستقبلك، وأعتقد أن الدواء سوف يساعدك كثيراً.

وعليك بالصلاة، والصلاة في وقتها، وبالدعاء والذكر، وهذه صمامات الأمان للإنسان في حياته، وآخرته إن شاء الله تعالى.

الفكر الذي يسيطر عليك الآن فيما يخص مشاعرك حول الآخرين سوف يتقلص تماماً، وسوف تجدين أن الأمور أفضل مما كنت تتصورين، والفكر حول الانتحار فكر بغيض، وأنا أعرف تماماً أنك لا تريدين أن تقتلي نفسك، ولكنه الشعور الكدر الذي دفعك نحو ذلك، فاستعيذي بالله تعالى من الشيطان الرجيم، وانظري للحياة بإيجابية، وإن شاء الله تعالى هذا الفكر يزول تماماً، وعليك بالتواصل الاجتماعي الإيجابي، مارسي أي تمارين رياضية تناسب الفتاة المسلمة، كما أن تمارين الاسترخاء مهمة جداً للقضاء على القلق، خاصة المصحوب بالوساوس والمخاوف، ويمكنك معرفة كيفية تطبيق هذه التمارين بمطالعة الاستشارة التالية: (2136015).

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأكثر مشاهدة

الأعلى تقيماً