الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أمي أوصتني بالزواج بفتاة لكني أرغب بأخرى .. فما توجيهكم؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أحب زميلتي في العمل منذ فترة، وهي على خلق ودين، لكن حدث أن مرضت الوالدة بمرض السرطان، وطلبت مني أن تخطب لي فتاة تعرفها، فلم أستطع أن أرفض تقديرًا لظرفها، ذهبت وتكلمت إلى أهل الفتاة، وتوفيت بعد ذلك بأقل من شهر، وأوصتني بإتمام المعاملات، وأنا في حالة ضيق شديد بين رغبتي في بر والدتي، ورغبتي في الزواج ممن أحبها، وتبادلني نفس الشعور، وتناسبني على كافة المستويات؟

أفتوني.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ سائل حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحابته ومن والاه.

نسأل الله تبارك وتعالى أن يقدر لك الخير حيث كان ثم يرضيك به، ونسأل الله أن يرحم الوالدة رحمة واسعة، وأن يغفر ذنبها، وأن يحشرها في زمرة النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقًا.

ونريد أن نبين لك أن بر الوالدين فيه فضل كبير وخير كثير، لكن مثل هذه الأمور- مسألة الزواج - هي عن رغبة وميل، ولابد أن يكون هذا الميل ميلاً مشتركًا، وإذا كانت التي خطبتها الوالدة تجد في نفسك الميل إليها، وهي جميلة بكل المواصفات، وتحقق فيها ما تريد ووجدت في نفسك قبولاً لها، فنوصيك بإكمال المشوار، أما إذا كان ارتباطك بتلك الفتاة من باب المجاملة، ومن باب تنفيذ وصية الوالدة، ومن باب الخوف عليها، ولا تجد في نفسك قبولاً لتلك الفتاة، فعند ذلك نعتقد أن الحرج الشرعي مرفوع عنك؛ لأن إقبالك على فتاة لا تحبها ولا تريدها فيها ظلم لك وللفتاة.

لذلك ينبغي أن تدرس الأمر، وتنظر في القضية من كافة جوانبها، وبعد ذلك تقرر ما تراه مناسبًا، وما يحقق المصلحة، وعليك أن تكثر من الدعاء للوالدة، والترحم عليها، ونسأل الله أن يرحم أمواتنا وأموات المسلمين.

غير أني أريد أن أقف معك وقفة أولى، بخصوص زميلة العمل، فأنت قلت: (أحب زميلتي)، ومعروف أنه لا يتحقق الحب الحقيقي إلا بعد الرباط الشرعي، فهل تبادلك المشاعر؟ وهل أنت على علم بأنها ليست مرتبطة؟ هل تعاملك معها في الفترات الماضية كان على وفق الشرع والذي يرضي الله تبارك وتعالى؟ هذه الأمور فقط نحب أن ننبه لها، لأنه أولاً نحن نتحفظ على كلمة الحب في هذه المرحلة دون وجود رباط شرعي، ونتحفظ على كلمة (زميلة) فليس بين الرجل والمرأة علاقة إلا في إطار الزوجية، أو في إطار المحرمية.

هذا من باب التنبيه؛ لأن بعض الناس يتوسع ويقول: (هذه زميلتي, وهذه صديقتي) فنحن ننبه لهذا.

لكن نريد أن نقول: إذا كانت هذه الزميلة صاحبة دين، وتجد في نفسك الميل إليها، وهي تبادلك الميل، فعليك أن تطرق باب أهلها، وتأتي البيوت من أبوابها، فإذا وجدت وفاقًا وقبولاً وميلاً فلا مانع من أن تتزوج زميلة العمل، وفي هذه الحالة لابد أن تحسن الخروج من الأسرة التي وصلت الوالدة إليها، وكلمت تلك الأسرة، تحاول أن تتواصل معهم، وتحسن الاعتذار لهم، وتبين له أنه حدث لك ظرف، والمهم أن تحسن الاعتذار حتى لا يُحرجوا، ونسأل الله أن يغفر لك؛ لأن هذه المسألة فعلاً قد تكسر خاطر الفتاة، والواحد منا لا يرضى لأخته أو لبنته أن يخطبها خاطب ثم يتركها، لكن في النهاية نحن نقول: خير لك ولها إذا كانت الرغبة غير فعلية، وغير حقيقية، ولا تجد نفسك معها فمن الظلم أن تتزوج منها.

ورغم الصعوبة – صعوبة الموقف – إلا أن ما يترتب عليه أصعب، فالزواج لا تصلح فيه المجاملات، ولا يصلح فيه التهاون والتساهل مع مثل هذه الأمور، لابد أن يكون عن رغبة، وعن ميل، وعن قبول، وعن دافع من الزوج نفسه، لا يصلح في الزواج أن يُجبر الرجل على الزواج، أو أن تُجبر الفتاة على الزواج، أو يكون هذا الزواج بناء على المجاملات، فكثير من الزيجات التي تقوم على المجاملة مصيرها الفشل.

وكما قلنا: نحن حريصون في مثل هذه الأحوال أن يحسن الإنسان الاعتذار والانسحاب، ويدعو للفتاة وأهلها، ويتمنى لهم الخير، وتستغفر الله أيضًا على ما يكون قد لحقهم من الأذى من خلال هذا الانسحاب.

ونحن أيضًا لم تتضح لنا درجة الارتباط مع الجديدة، وهل هي خطبة رسمية أم كان مجرد كلام من الوالدة؟ وماذا كان ردهم؟ وما هو شعور الوالد والأهل؟ فهذه أمور لابد أن تحسب حسابها، يعني نطالبك بأن تنظر للقضية نظرة شاملة، ثم تستخير؛ لأن الإنسان إذا احتار فعليه أن يستخير, ويسأل الله تبارك وتعالى، والخير فيما يقدره الله تبارك وتعالى، ولأهمية الاستخارة فقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم – يعلمها لأصحابه كما يعلمهم السورة من القرآن، والاستخارة هي طلب الدلالة إلى الخير ممن بيده الخير.

ونتمنى أن تبدأ بالاستخارة في هذا الأمر، وتفكر في الموضوع بطريقة شاملة، بإيجابيات هذه الخطيبة، وما فيها، وهل يمكن أن تقبل بها؟ وهل تجد في نفسك ميلاً لها؟ ثم تفكر بالأولى أيضًا، فلابد أن تنظر للموضوع نظرة شاملة، وبعد أن تستخير أرجو أن تتواصل مع موقعك - إن كانت هناك تطورات أو إضافات- حتى نتعاون جميعًا في اتخاذ القرار الصحيح الذي لا يندم عليه الإنسان في مستقبل أيامه.

وأرجو أن تجتهد في الدعاء للوالدة بالمغفرة، وأيضًا أن تهتم برأي الوالد إن كان موجودًا، ورأي الفضلاء العقلاء من الذين يعيشون حولكم، ونسأل الله أن يوفقك للخير، وأن يلهمك السداد والرشاد، هو ولي ذلك والقادر عليه.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً