الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مشاهد القتل والعنف تؤرقني كثيرا.. فكيف أتخلص منها؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

سؤالي: أنا رجل أبلغ من العمر 52 عاما، ولدي أمر محيرني، وأعزوه إلى مرض نفسي، وهو أنني لا أحتمل مشاهدة مناظر قاسية مثل القتل، والإعدام والحوادث، وأتعب نفسياً عند مشاهدة هذه الأمور سواء على الطبيعة أو في الفيديو رغم أنني استشرت من حولي، وقالوا لي هي مسألة تعود، وأنا من السعودية، ونصحوني بأن أواجه هذا الأمر بكثرة المشاهدة، وعدم الهروب منها واضطررت لحضور القصاص أكثر من مرة، ومشاهدتها كذلك عبر الفيديو إلا أنني أتعب، وكل مره أتعب أكثر من التي قبلها.

حضرت القصاص عدة مرات ومع ذلك أجد في نفسي خوف شديد، وهلع غير مبرر رغم أنني أتحامل على نفسي حتى لا يرى الآخرين علي أي شيء من هذا وأجد رائحة للدم كريهة، ولا أعلم هل هي حقيقة أم أنها مسألة نفسية.

وكنت أحدث نفسي، ولا زلت أحدث نفسي كيف هو التصرف؟ والحل -لا سمح الله-؟ لو وجدت إنسانا مصابا في حادث، ويحتاج لمساعدة وإسعاف سواء أعرفه، أو لا أعرفه، وكيف أتصرف لو -لا سمح الله- أصيب أحد أبنائي أو أقاربي كيف أسعفه وأنا على هذه الحالة؟ عند مشاهدة مثل هذه الأمور أشعر بألم في بطني، وانتفاخ، ودوخة، وصداع، وضيق في النفس، وضيق في النفسية يصاحبني أكثر من يومين متتالية عقب مشاهدة أي منظر من هذه التي ذكرت.

أصبحت خاملا في البيت، لا أرغب في الخروج، ولا أرغب في الكلام، ولا الأكل، ولا الشرب، وأصبحت سارح الفكر مع ما شاهدته لعدة أيام، مع العلم أن هذه الحالة ليست بصفة دائمة، بل أغلب الأحيان بمعنى أنه مرات لا أجد أي تأثر بما أشاهد، ولكن ذلك قليل جداً.

سؤالي: هل أنا مريض نفسياً؟ رغم أنني لم أجد علاج لدى الطب النفسي في شكواي، وكيف أتخلص من ذلك الأمر الذي يؤرقني كثيرا.

مشاهد القتل والعنف تؤرقني كثيرا..فهل كيف أتخلص منها؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أبو خالد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:

فلا شك أن الإنسان له تكوين عاطفي ووجداني، والناس يتفاوتون في درجة تحملهم لأحداث معينة أو مناظر معينة قد تُعرض عليهم، فهنالك من تكون قلوبهم غير متفاعلة لدرجة القسوة، وهنالك من تجده سريع التأثر، وهنالك من تكون مشاعره في جانب الوسطية، يعرف أيضًا أن انفعالات الناس يعبر عنها استنادًا إلى بيئتهم، والمفاهيم الاجتماعية السائدة، فنجد الناس يعبرون بصورة مختلفة تمامًا من دولة إلى أخرى أو منطقة إلى أخرى فيما يخص مشاعرهم.

انظر مثلاً لمناظر القتل التي تشاهد الآن على التليفزيونات، هذه أدت إلى تبلد مشاعر الكثير من الناس، بل حدث لهم شيء من التطبع، والتعود والتوائم على هذه المناظر القبيحة، والمقززة والمؤلمة، فالإنسان هو وليد بيئته من حيث تفاعلاته النفسية والوجدانية.

حالتك أعتقد أنها نوع من المخاوف الشائعة نسبيًا، لكنّ الناس لا يتحدثون عنها بطبيعة الحال، مثلاً: رجلاً في مثل عمرك إذا ذكر أنه يخاف من منظر الدم قد يتهمه البعض بالجبن، وهذا ليس صحيحًا، لأن المخاوف دائمًا هي مكتسبة، والإنسان قد يكون مروضًا للأسود، لكنه يخاف من القط، هذا مؤكد.

فربما تكون أنت تعرضت لشيء من المخاوف أو الهرع في فترة الطفولة دون أن تتذكر ذلك الآن، وخُزّن هذا على مستوى اللاوعي، وأصبحت حين تواجه مواقف معينة كالقتل وخلافه تحس بشيء من التقزز، والألم النفسي، وعدم الارتياح، وعدم قبول الموقف.

أنا لا أرى أنك مريض حقيقة، هذه نوع من الظواهر، لكن أتفق معك أن الإنسان يجب أن يحاول أن يصلح ما به، لأنه قد يضطر في بعض المواقف أن يتحمل ما يشاهده مهما كانت فظاعته.

بالنسبة لموضوع الإعدام ومشاهدة القتل: هذه حقيقة يجب ألا تشغلك كثيرًا، ليس هنالك ما يدعوك حقيقة أن تذهب، وتشاهد مواقف الإعدام، هذه الأمور تعامل معها بصورة عادية ويجب ألا تكون شاغلاً لك، الذي أراه هو أنك أصبت بشيء من المخاوف الوسواسية حول هذا الأمر، فلذا يجب أن تتجاهله.

أما بالنسبة للمخاوف الأخرى - خاصة المتعلقة بمنظر الدم، والجروح وهكذا – هذا أتفق معك أنه يجب أن يعالج، ومن وجهة نظري المتواضعة: أولاً يجب أن تحقر الفكرة، تحقير الفكرة في حد ذاته يعتبر علاجًا نفسيًا ممتازًا، الإنسان كثيرًا ما يقبل أفكارًا تلقائية سلبية دون أن يناقشها بدقة مع نفسه، وبعد ذلك يتكون التعود لديه، وتقوى الفكرة حتى تصبح عادة، وتصبح سلوكًا.

فراجع نفسك، قل لنفسك (لماذا أقبل هذا الأمر؟ الأطفال يشاهدون الدم، الناس يذهبون إلى المستشفيات، ما الذي يجعلني أتقزز لهذه الدرجة)، وهكذا، إذن عش هذا النقاش المعرفي الداخلي مع نفسك، وسوف تجد فيه - إن شاء الله تعالى – فائدة كبيرة.

الأمر الثاني: أريدك أن تكثر من زيارة المرضى، واتبع كل ما ورد في السنة المطهرة من زيارة المريض، وأن تسأل الله له العافية والشفاء، وألا تطيل الزيارة، وأن تحتسب الأجر بالفعل، وعليك أن تزور المرضى في الأقسام المختلفة في المستشفيات، أقسام الجراحة، الباطنية، العناية المركزة، وهكذا. وليس من الضروري أن يكون المرضى من معارفك، أعرفُ الكثير من الأخوة – جزاهم الله خيرًا – يذهبون في يوم الجمعة – بعد الصلاة مثلاً – لزيارة المرضى في المستشفيات والتخفيف عليهم، هذا نوع من التعرض الممتاز والإيجابي جدًّا، أرى أنك إذا انتهجته سيكون هذا أمرًا جيدًا ومفيدًا لك، وإن شاء الله تعالى من خلال هذا التعريض الإيجابي يُكتب لك الأجر أيضًا وتنتهي مشكلتك مع هذه المخاوف.

ثالثًا: لابد أن تطبق تمارين الاسترخاء. ضيق التنفس الذي يأتيك إذا تدربت على تمارين الاسترخاء سوف تجد أن هذه الظاهرة قد اختلفت تمامًا، وإليك بعض الاستشارات السابقة التي بها كيفية تطبيق هذه التمارين، وهي برقم ( 2136015.).

ذكرت أنك متواصل مع الطب النفسي، وهذا أمر جيد، هنالك دراسات تشير أن بعض الأدوية تساعد في القضاء على مثل هذه المخاوف الخاصة، من هذه الأدوية دواء يعرف تجاريًا باسم (زولفت) أو (لسترال) ويعرف علميًا باسم (سيرترالين) فحين تذهب إلى طبيبك، وتناقشه حول حالتك – ويمكن أن تطرح له الأفكار التي طرحناها، وأنا أعتقد أن الطبيب سوف يقبل ذلك تمامًا – وإن أؤيدك على تناول عقار زولفت، فيمكنك أن تتناوله، وأنا من وجهة نظري أنه سوف يفيدك جدًّا، وجرعته بسيطة في مثل هذه الحالات، هي أن تبدأ بنصف حبة – أي خمسة وعشرين مليجرامًا – يتم تناولها ليلاً لمدة عشرة أيام، بعد ذلك ترفع إلى حبة كاملة ليلاً لمدة خمسة أشهر، ثم تحوّل الجرعة إلى نصف حبة ليلاً لمدة شهرين، ثم نصف حبة يومًا بعد يوم لمدة شهر، ثم يتم التوقف عن تناول الدواء.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، ونسأل الله لك العافية والتوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً