الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هجرني ابن خالي الذي أحببته وأحبني دون سبب، فما توجيهكم لي؟

السؤال

السلام عليكم.

منذ ما يقارب العامين أحببت ابن خال لي، هو في نفس عمري، أنا وهو أصدقاء طفولة، وأحبه أكثر من إخوتي، حتى أنه أقرب إليّ من أبي وأمي، أبي وأمي منفصلان منذ كنت في 12 سنة، وكان هو دائماً معي يواسيني.

المهم قبل عامين أحببته أو هو أحبني لأنني لم أكن منتبهة له، فبدأ يلمح لي كثيراً، حينما عرض علي ذلك ذعرت ثم بدأت أحب الفكرة لأنني أحبه ابتداء، وأعلم أنه لن يؤذيني، لكن كانت هناك مشكلة أمه لا تحبني لأنني من عائلة منفتحة أكثر منها، وأيضاً والدي ووالده متخاصمان، فسألته مراراً عن ذلك قال لي أنه يضمن أهله.

هو شاب هادئ غير صدامي مهذب وهو أكبر إخوته، المهم أحببته ولكنه بعد فترة تركني، لا أعلم السبب! ورجع لي بعد ستة أشهر في تلك الفترة شعرت قلبي يتمزق ولم أستطع الابتسام حتى إلى أن عاد لي.

بعدما عاد كان دائم الانشغال بالدراسة وغيرها، لكنني أعلم أنه يحبني ومتأكدة من ذلك، فأنا أعرفه جيداً، المهم قبل ثمانية أشهر تطورت علاقتنا وبدأنا نتحدث بأمور جنسية، تكرر ذلك 6 مرات تقريباً، لأننا كنا نشعر بالسوء بعد ذلك، المهم قبل شهرين من الآن عرفت أمه بعلاقتنا تماماً من خلال محادثتنا على الفيس بوك، علمت بكل أخطاءنا، وأنه قبلني.

حدثته أنها من المستحيل أن تزوجه فتاة سيئة، وأن والده لن يرضى بوالدي، وهو رضي حتى قال لي: أن حبه لي غلطة! حاولت مع أني سأكلم والده لأجلنا، فقال أنه يرفض لأن المشكلة فيه أولاً وليس بأهله، حتى كنت أتصل على صديقه كي يكلمني يرفض محادثتي بالرغم من أني كنت أبكي.

أحاول الوصول إليه ويعطيني ظهره وأخبر صديقه أنه لا يريدني، أحسست بأنه داسني حتى لم يحاول أن يفهمني ما حصل أو يعتذر مني! قلت لنفسي لربما هو حقاً يكرهني أو أنه فعل ذلك ليكون هو القوي وأنه اختار ذلك بنفسه وليكون البطل أمام أهله.

أنا حقاً لم أتوقع ذلك أبداً لأنني أثق باثنين أمي وهو، المهم أنا جننت حقاً لا آكل ولا أشرب لا أنام، أبكي طوال الوقت وأشعر بأني في عالم والناس في عالم آخر، وأشعر بالخجل الشديد لما فعلت، ولا أستطيع أن أنسى، في المرة الأولى ظللت ست أشهر وأنا أقول لنفسي سأتحسن غداً وما كانت حالتي تتحسن، أما الآن وبعد مرور سنتان لا أملك لنفسي إلا الألم، أنا حقاً أخشى على نفسي أن أموت.

حاولت التحدث مع خالي لكنه رفض رؤيتي، ثم تحدثت مع خالتي ووافق أخيراً لكنني لم أراه بعدها.

ساعدوني أنا حقاً أخشى على نفسي أن أموت.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ رزان حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحابته ومن والاه.

نسأل الله لك التوفيق، ونرحب بك في موقعك، ونسأل الله أن يلهمك السداد والرشاد، هو ولي ذلك والقادر عليه، وأرجو أن تبدئي رحلة التصحيح بالتوبة النصوح والرجوع إلى الله تبارك وتعالى، فإن قلب الشاب وقلب أهله – قلب الخال وقلب الخالة وجميع الأهل – بين أصابع الرحمن يقلبها سبحانه وتعالى، فاحرصي على أن تتوبي إلى الله تبارك وتعالى، وأصلحي ما بينك وبين الله وسوف يُصلح لك ما بينك وبين هذا الشاب، وما بينك وبين الناس، لأن الإنسان إذا وقع في معصية وأمر يُغضب الله تبارك وتعالى فإن المعاصي شؤمها وآثارها خطيرة.

لذلك أرجو أن تبدئي مسيرة التصحيح بالرجوع إلى الله، بالندم على ما فات، بالإقبال على الله تبارك وتعالى، ثم بتحسين الصورة التي في مخيلة وفي رأس أم هذا الشاب، لأنك بحاجة إلى أن تلتزمي طالما كانت الأسرة ملتزمة، وفي النهاية العودة إلى الله تبارك وتعالى لها ثمارها الطيبة وثمارها المباركة.

لا تشغلي نفسك أكثر من اللازم، واجعلي قلبك عامرًا بحب الله تبارك وتعالى، واجعلي لسانك يلهج بذكر الله، وارفعي أكف الضراعة إلى الله تبارك وتعالى، فإن الأمر لله من قبل ومن بعد، وقلوب العباد بين أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء، ولا مانع من أن يتدخل الأهل (المحارم بالنسبة لك) في مثل هذا الموضوع، لأن تدخلهم يعتبر عملاً إيجابيًا، وهو عمل يرفع عنك الحرج، خاصة الخالات أو العمات كذلك أو من ترينهم مناسبًا من محارمك يتدخلوا في هذه المسألة، ولكن دون أن يُشعروه أيضًا أنك تركضي ورائه وتجري خلفه، وسيعود إليك، ونحن نعتقد أن والدته لها تأثير عليه، وأن الأمور ستعود إلى نصابها وصوابها بحول الله وقوته.

اجتهدي في طاعة الله، وأنت في شهر فضيل، احرصي على أن تقبلي على الله تبارك وتعالى، ثم اجتهدي في إصلاح الخلل الذي حدث، وعند ذلك نتمنى من الله تبارك وتعالى أن يقدر لك الخير حيث كان ثم يرضيك به.

نحن حريصون على أن يتوب هو أيضًا إلى الله تبارك وتعالى، لأن المخالفة التي حدثت ولأن التواصل الذي كان في الخفاء له آثار كبيرة، وطبعًا متوقع أن يرفض أهله مثل هذه العلاقة، ويؤسفنا أن الناس يجعلوا العيب دائمًا على الفتاة وحدها، مع أن العيب مشترك، بل قد يكون الشاب هو المبادر، بل قد يكون هو المخطئ المتجرئ على مثل هذه العلاقات.

أرجو أن يكون فيما حصل لك درس عظيم جدًّا، فالمؤمنة لا تُلدغ من الجحر الواحد مرتين، وحتى إذا رجع إليك احرصوا على أن تكون العلاقة رسمية ومعلنة واضحة، لها أهداف، هدفها الزواج، ليس علاقة كما يفعل الشباب والفتيات الهدف منها تضييع الوقت وتمضية الوقت، دون الانتباه للعواقب الوخيمة التي يمكن أن تحدث بعد ذلك.

لا تقدمي تنازلات له ولا لغيره، واعلمي أن الشاب دائمًا يجري خلف الفتاة التي تهرب منه وتلوذ بإيمانها، تلوذ حجابها وحيائها وسترها وحشمتها بعد أن تلوذ بإيمانها الله تبارك وتعالى، فالشاب يحترمها ويقدرها عندما تأبى السقوط، وعندما تأبى تقديم التنازلات، والشاب دائمًا يحتقر الفتاة التي تقدم له التنازلات، وحتى لو تزوجها فإن ذلك يعد موقف سلبي بالنسبة لها، فلا يستطيع أن يحترمها، لأنها قدمت له التنازلات.
لذلك ينبغي أن تنتبهي لهذا الأمر، فالشاب (الرجل) يجري وراء المرأة التي تهرب منه وتلوذ بعد الله بإيمانها وحيائها، ويهرب من الفتاة التي تجري ورائه وتحرص عليه وتجري خلفه، حتى لو تزوجها فيما بعد يقول (أنا ما كنت أريد، لكنك أنت كنت تصرين وترغبين) لكن في الحال هذه غالبًا يكون هذا الشاب عنده ميل لك، وأنت أيضًا كذلك تبادليه المشاعر.

ما عليكما إلا أن تتوبا إلى الله تبارك وتعالى، وتتخذي السبل الشرعية في إصلاح هذه العلاقة، ونعتقد أن التدخلات من الذين تدخلوا هي عمل إيجابي، ولكن هذا التدخل ينبغي أن يبدأ بخطوات عملية معلنة ليست خطوات في الخفاء، لأن أمه إذا شعرت أنكم تعملوا في الخفاء وأن بينكم علاقة، بالعكس ستغضب أكثر، وستتأكد عندها الصورة السالبة، فهم يرونك – كما قلت – منفتحة، والآن سيرونك أمرًا آخر.

لذلك انتبهي لهذا الأمر، وراقبي الله تبارك وتعالى، واعلمي أن العلاقة في الخفاء – سواء تواصل بالهاتف أو الفيس بوك أو غيرها من وسائل الاتصال – من الأمور التي لا تجوز من الناحية الشرعية، فإن الإسلام يعتبر هذا الشاب أجنبي عنك، والأجنبي هو كل من يجوز له أن يتزوج الفتاة، والعاقلة دائمًا لا ترضى بأي شاب إلا إذا طرق الباب وجاء إلى دارها من الباب وقابل أهلها الأحباب، في علاقة معلنة محترمة، أما ما عدا ذلك فإن الصورة التي في أذهان الناس – وخاصة الكبار من الآباء والأمهات – أنه لا تُقدم التنازلات للشباب ولا تكلم الشباب إلا الفتاة الساقطة، وأنت لست كذلك، وإلا فإنه يشاركك في هذا الخطأ الذي حصل.

نسأل الله تبارك وتعالى أن يرد جميع شباب المسلمين ردًّا جميلاً إلى التزام بهذا الدين الذي شرفنا الله تبارك وتعالى به، وأن يجنبنا مخاطر مثل هذه الاتصالات التي تحدث بكل أسف في الخفاء، وهي من الأمور التي لا يرضاها العظيم سبحانه وتعالى.

نوصيك بأن تراقبي الله، أن تتقي الله تبارك وتعالى، وإذا كنا قد تركنا الطعام والشراب لله في شهر الصيام فلنتذكر أن الطعام والشراب الذي تركناه هو حلال في الأصل، لكن العلاقات هذه محرمة في الليل وفي النهار، في رمضان وفي غيره، لذلك الصيام تدريب على ترك مثل هذه الأمور، واعلمي أنك عندك إرادة استطعت معها أن تتركي الطعام والشراب، ومع ذلك أنت قادرة بحول الله وقوته على فعل الكثير، وهذا الشاب - إن شاء الله – سيعود إليك، وإذا لم يعد ففي الشباب خير، والأبواب واسعة، ولا خير في ودٍّ يجيء تكلفًا، ولا خير في ودِّ امرئٍ متقلبٍ، ولا خير في شاب لا يملك قراره عند غيره، فنسأل الله أن يسعدك، وأن يلهمك السداد والصواب، وأن يردنا إلى الحق والصواب.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً