الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

متى سألبس تاج العفة؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

أحب في البداية أن أشكر جميع القائمين على هذا الموقع، وجعله الله في موازين حسناتكم.

أنا فتاة عمري 19 عاما، أعاني من هوس التفكير في الجنس، نعم، من المحرج جدا بالنسبة لي الحديث عن تفاصيل مشكلتي، ولكنني أريد الحل، فلم أعد أحتمل بقاء هذه المشكلة في حياتي!

عندما كنت طفلة في الثامنة أو التاسعة تقريبا من عمري، بدأت ممارسة العادة السرية دون علمي بمفهومها، حتى كبرت، وعلمت أنها شيء خاطئ، فتمكنت من التخلص منها تدريجيا، وانقطعت عنها فترة طويلة، ولازلت بين حين وآخر أعود لممارستها، ولكن بقلة، ولكن الأمر يزداد عندما أكون في فترة أمر فيها بمشاكل وتوترات، فألجأ لهذه العادة التي ما تلبث أن تترك في نفسي الكثير من الحسرة، والندم، والخجل من الله، فيزداد وضعي سوءا.

أنا غارقة في أحلام يقظة وهمية: الحب، والقبلات، والأحضان، والأمان، والسكينة، فكلها اعتدت أن أشعر بها و كأنها حقيقة عن طريق خيالي، تعدى الأمر لبعض الأفكار الجنسية، وهذه الخيالات مستمرة 24 ساعة، في 7 أيام في الأسبوع، لا أستطيع قطعها حتى أثناء حديثي العادي مع الناس، أشعر أنها تراودني لا إراديا، ولا أستطيع قطعها، بل أنها تستمر وتتعمق أكثر فأكثر، حتى صارت تحرمني من القيام بواجباتي ومهامي اليومية.

كم هذا محرج! فأنا كفتاة مسلمة يجب أن أكون أبعد ما يكون عن مثل هذه الأفكار!

أكثر ما يضايقني شعوري بأنها خيانة لنفسي ولشريك حياتي المستقبلي.

أشعر بالذنب كثيرا لأن هذه الأفكار تسلبني عذرية روحي.

في حياتي كلها لم يلمسني رجل، بل أنني أحيانا عندما أمر برجال لا إراديا أغمض عيني بقوة من شدة الخجل، ولا أريد حتى أن ألمحهم سواء كانوا ينظرون لي أم لا!

أنا ليس لدي أخوة، علاقتي بمحارمي الرجال محدودة، بإمكاني القول أن الرجل الوحيد في حياتي هو أبي!

أنا خائفة إن ارتبطت مستقبلا أن أصبح مثل البلهاء في علاقتي مع زوجي، فكم العواطف في داخلي هائل، كما أنني خائفة من أن تكون خيالاتي ولدت بداخلي الجرأة، وأخاف أن يتلاشى حيائي بعد لحظات من اقترابه مني!

بالرغم من أني أتوقع العكس، فدرجة خجلي أصبحت مرضا كما أظن، فلا أستطيع تقبل فكرة السماح لرجل ما بلمسي!

أنا لم أشاهد صورا أو أفلاما إباحية نهائيا - والحمد لله - ولكني مطلعة بعض الشيء على تفاصيل العلاقة الزوجية، اطلاعي كان محدودا من خلال بعض المنتديات، ولكني أشعر بأنه كان من الأفضل أن أبقي تفاصيل هذه العلاقة مجهولة تماما حتى أرتبط وبعدها أبدأ بالاطلاع.

لا أعلم ماذا أفعل؟ أشعر بأني لوثت عفتي داخليا بالرغم من حفاظي عليها خارجيا.

أنا أحاول تقوية علاقتي بربي ولكنني مقصرة جدا.

أنا لا أستطيع التركيز في شيء أبدا، ولو لدقائق، دائمة التشتت والسرحان عند الصلاة، وقراءة القرآن، والمذاكرة، والحديث مع الآخرين، إلخ.

ماذا أفعل؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أحلام حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلاً وسهلاً ومرحبًا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله العلي الأعلى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يغفر ذنبك، وأن يستر عيبك، وأن يتجاوز عن سيئاتك، وأن يرزقك الهدى والتقى والعفاف والغنى، وأن يجعلك من الصالحات القانتات، وأن يمنّ عليك بزوج صالح يكون عونًا لك على طاعته ورضاه.

وبخصوص ما ورد برسالتك - ابنتي الكريمة الفاضلة – فإنه مما لا شك فيه أن ما تعانينه ليس بالأمر الهين، وأن العادة السرية هي وسيلة من وسائل دمار القيم في داخل الإنسان، وهدم هذا الكيان الرائع، ولذلك تقولين أنك تحافظين على عفتك خارجيًا، ولكنك تشعرين في الداخل أنك لست كذلك، وأنك لوثت عفتك، وهذا فعلاً شيء حقيقي، لأن الإنسان عندما يشعر أمام نفسه بأنه ليس شيئًا، وأنه يقترف بعض المعاصي والآثام، فإنه يسقط من عين نفسه، وليست هناك من عقوبة أعظم وأبلغ من أن يرى الإنسان نفسه في عين نفسه حقيرًا ودنيئًا وذميمًا، وهذا من - رحمة الله تعالى عليه – لأن هذا الشعور هو بداية التغيير، وبداية التغير، وبداية الخير.

ومن هنا فإني أقول لك – ابنتي الكريمة الفاضلة -: أحمدُ الله تعالى أن الله أكرمك بعدم مشاهدة الأشياء الإباحية، وهذا رحمة من الله، وهذا دليل على محبة الله لك، كما أحمدُه تبارك وتعالى أن أعانك على التخلص من هذه العادة السرية، وأصبحت قليلة إلى حد كبير، ولا تقعين فيها إلا عندما تعانين من مشكلة، ولكنك مع الأسف الشديد تعالجين المشكلة بمشكلة، فإن التوتر، ووجود المشاكل عندما تقعين في المعصية يجعلك تزدادين من الله بُعدًا، وبالتالي تزدادين من الشيطان قُربًا، وبالتالي تتحول حياتك إلى جحيم لا يُطاق، لأن الشيطان من نار، وما وُجد الشيطان في حياة إنسان إلا وسوّد في وجهه الحياة، وأغلق في وجهه كل باب، وصرفه عن كل خير – والعياذ بالله تعالى -.

هذا الخيال الواسع الذي أعطيته هذه المساحة الكبيرة، أصبح يمثل نوعًا من الخطورة، ولذلك لابد لك من الخروج من هذا الخيال، والخروج من هذا الخيال يكون بعدة أمور:

الأمر الأول: أتمنى أن تقومي بعمل رقية شرعية لنفسك، إذا كنت تستطيعين ذلك بنفسك، فهذا حسن، وإن استطاع أحد أرحامك أن يقوم بذلك لك فلا مانع، وإن لم يتيسر لك ذلك فلا مانع من الاستعانة ببعض الرقاة الشرعيين الذين يقومون على العلاج بالطريقة الشرعية، لاحتمال أن يكون الشيطان قد لمس فيك نقطة الضعف، وبدأ يتحكم في عواطفك ومشاعرك، وبدأ يزين لك هذه الأمور ويحسنها لك، حتى أنك أصبحت لا تستطيعين التخلص منها.

فإذن - بارك الله فيك – أتمنى إذا كانت هناك فرصة للرقية الشرعية فلا تحرمي نفسك من ذلك، فإن هذا مهم جدًّا على الأقل نحن نستطيع بذلك أن نغلق منافذ الشيطان إلى القلب.

الأمر الثاني: المحافظة على الصلاة في أوقاتها، حتى وإن كان هناك نوع من السرحان وعدم التركيز.

الأمر الثالث: المحافظة على أذكار الصباح والمساء بانتظام، وخاصة ما يتعلق بقول النبي - صلى الله عليه وسلم-: (بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم) ثلاث مرات صباحًا وثلاث مرات مساءً، وقوله - عليه الصلاة والسلام -: (أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق) ثلاث مرات صباحًا وثلاث مرات مساءً، وقول: (حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم) سبع مرات، ولو أكثرت منها كان خيرًا، فإن الله تعالى يقول في من قالها: {فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم}، كذلك التهليلات المائة: (لا إله إلا الا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على شيء قدير) مائة مرة صباحًا ومائة مرة مساءً، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم – قال بعد هذه التهليلات المائة: (وكانت له حرزًا من الشيطان يومه ذلك حتى يُصبح)، أو (حتى يصبح)، فعليك بارك الله فيكِ بذلك.

رابعًا: عليك بالدعاء والإلحاح على الله تبارك وتعالى أن يعافيك الله من ذلك.

خامسًا : عليك بأخذ قرار بالتوقف نهائيًا عن هذه العادة السرية، وعدم الانصياع لشهواتك، ونزواتك، ووسوسة الشيطان لك.

سادسًا: أتمنى أن تضيقي مساحة الخيالات، بمعنى أنك كلما شعرت بأنك ستدخلين إلى مرحلة الخيال فعليك بالخروج منها بتشتيت الفكرة، بمعنى أن تقطعي حبل التفكير، وتنظري يمينًا أو يسارًا، أو تنشغلي بشيء آخر.

فإذا كنت في الغرفة وحدك فاخرجي منها إلى الصالة وتكلمي مع أحد، أو اقرئي كتابا، أو طالعي برنامجا من البرامج في التلفاز، انظري من النافذة، المهم هو تشتيت فكرة الخيال، لأن الخيال فعلاً مع تكراره سيجعلك تعيشين الأمر كما لو كان حقيقة، وبالتالي هذا سوف يكون مزعجًا جدًّا كما ألاحظ من كلامك أنت الآن.

وهذا الكلام لا يؤثر على علاقتك بزوجك في المستقبل ما دمت - والحمد لله - لم تفعلي شيئًا، فلا تشغلي بالك.

وتقولين بأنك ستشعرين أكثر جرأة مع زوجك؟ هذا الكلام قد لا يكون صحيحًا، فالزوج عادة يريد من المرأة أن تكون على قدر من الوعي، وقراءاتك هذه ما دامت في منتديات معتدلة، وكونك على علم ببعض التفاصيل، فهذا حسن وليس مذمومًا، ولكن بشرط على ألا نستعمله في إزكاء وتقوية الخيالات التي تجعلك تعيشين الخيال كما لو كان حقيقة.

فأرجو أن تضيقي دائرة الخيال إلى أبعد حد، وهذا ليس صعبًا ولا مستحيلاً، وإنما عليك بالدعاء، وعليك بتشتيت هذه الأفكار السلبية من ذاكرتك تمامًا، والابتعاد عنها، والتخلص منها بالمقاومة، وعدم الاستسلام لها، فكلما شعرت بالدخول في مرحلة الخيال، أخرجي منه بتشتيت الفكرة، وتغيير الواقع الذي أنت فيه، حتى وإن كنت جالسة فقومي، وإن كنت واقفة فتحركي، وإن كنت ساكتة فتكلمي، وإذا كنت وحدك فاقرئي شيئا من القرآن.

أنا أعلم أن الأمر في البداية سيكون صعبًا، ولكنه ليس مستحيلاً، سيأتي يوم من الأيام وتشعرين - بإذن الله تعالى – بأنك أصبحت في حالة أفضل وأحسن، وأنك قد تخلصت فعلاً من هذا الكابوس الصعب الرهيب الذي يسيطر على حياتك الآن.

أسأل الله تعالى لك التوفيق والسداد، كما أسأله تبارك وتعالى أن يعينك على أن تصرفي كل جهدك للدراسة، حتى تكوني متميزة متفوقة، وأتمنى أن تجعلي مساحة التميز العلمي في حياتك كبيرة، وأن تهتمي بدروسك أولاً بأول، عسى الله تبارك وتعالى أن يفتح عليك، وأن يوفقك لكل خير، إنه جواد كريم.

هذا وبالله التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك
  • السعودية اشواق

    أسأل الله العلي القدير الذي أذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون يارب يارب يارب حول حالها الى احسن حال وثبتها على القول الثابت واتباعه

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً