الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

لدي تصور أن الزواج فيه قلة حياء.. فما توجيهكم؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

لدي سؤال، وأرجو الإجابة عليه، وهو عن الزواج، أرى أن الزواج والمعاشرة الزوجية بالتحديد يوجد فيها شيئ من قلة الحياء، ودائما أخاف من الزواج لهذه الفكرة، ولأنني أيضا لم أكن جميلة، وليس لدي الثقة بالنفس، وأخاف أن أتزوج، وأن أكون ناشزا وربي يغضب علي، حيث أن لدي معوقات كثيرة في حياتي، وهي ابتلاءات في نفسي تعوقني في طاعة( الله).

وقرأت أيضا أن عدم الزواج حرام, فهل هذا حرام؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ samira حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:

فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلاً وسهلاً ومرحبًا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله جل جلاله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يبارك فيك، وأن يثبتك على الحق، وأن يشرح صدرك للذي هو خير، وأن يمنّ عليك بزوج صالح طيب مبارك يكون عونًا لك على طاعته ورضاه.

وبخصوص ما ورد برسالتك - أختي الكريمة الفاضلة – من أنك تنظرين إلى الزواج على أنه نوع من قلة الحياء أو الأدب، ولذلك تخافين من هذا الزواج نتيجة هذه الفكرة، فأنا أقول لك: إن الله تبارك وتعالى أباح النكاح وحرّم السفاح والزنى، والزواج صاحبه يأخذ عليه أجر؛ لأنه يتعامل مع الطرف الآخر وفق شرع الله تبارك وتعالى والعقد الشرعي والميثاق الغليظ الذي أخذه الله تبارك وتعالى علينا، والذي أيضًا أخذه ولي الأمر على زوج ابنته.

ولذلك نجد أن الفارق ما بين الزنى – عياذًا بالله – وبين الزواج الصحيح المباح أن الزنى صاحبه ملعون؛ لأنه آثم، والزنى يُخرج الإيمان من القلب، والزنى صاحبه قد ارتكب كبيرة من الكبائر، أما إذا أصر على الزنى ورأى أنه ليس حرامًا - بمعنى أنه استحله - فإنه يكفر بذلك، ويخرج من الملة.

أما الرجل الذي تزوج أو الفتاة التي تتزوج زواجًا شرعيًا، فإنه كلما حدث لقاء بينها وبين زوجها تأخذ على ذلك أجرًا، كما أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم – بقوله: (وفي بضع أحدكم صدقة. قالوا: أيأتي أحدنا شهوته يكون له في ذلك أجرًا؟ قال: أفرأيتم إن وضعها في الحرام أكان عليه وزر؟ قالوا: نعم. قال: كذلك إن وضعها في الحلال فإن له بذلك أجرًا).

ثانيًا: أن هذا الأمر ما دام قد شرعه الله تبارك وتعالى وأمر به، فقضية أنه حياء أو غيره، هذا نوع من الوهم، قلة الحياء إنما تكون في المعصية، فيما حرم الله تعالى، قلة الحياة تكون في عدم الحياء من الله، أما إذا مارستْ الزوجة مع زوجها حياتهما الطبيعية الخاصة فإنهما بذلك يكونان من المتعبدين إلى الله تبارك وتعالى بهذا العمل، لأن الله تبارك وتعالى هو الذي أمرنا بالنكاح، والنكاح كما أخبر الله تبارك وتعالى لا يكون إلا بوجود طرفين بالغين عاقلين قادرين على ممارسة الحياة الطبيعية العامة والخاصة، ولذلك قال الله تعالى: {نساؤكم حرث لكم فأْتوا حرثكم أنّى شِئتم} فهذا أمر الله تبارك وتعالى.

فهذه الفكرة التي لديك ليست صائبة فيما يتعلق بالزواج الشرعي، وإنما هذا قد يكون في العلاقات المحرمة، نقول نعم، أما في الشرع فيما ينبغي أن نقول بأن هذا شيء سيئ أو أن هذا شيء غير مقبول، أو أنه قلة حياء، لأن هذا الأمر هو الذي فطر الله الناس عليه، وما دام قد ورد الشرع به فهو في غاية الحسن والجمال والروعة.

تقولين أنك تخافين من الزواج وتخافين أن تكوني ناشزة فيغضب عليك الله تبارك وتعالى، حيث أن لك معوقات كثيرة في حياتك، وهي ابتلاءات حتى في نفسك؟ ..

أقول لك ابنتِي الكريمة الفاضلة: إن هذه المعوقات معظمها قد يكون من الشيطان الرجيم، ما دمت سليمة صحيًّا وليس في بدنك أي شيء يمنع من الزواج فأرى أن تتوكلي على الله، وألا تردي الزوج المناسب الذي تتوافر فيه الصفات الزوج الصالح المسلم كما ورد في كلام النبي - صلى الله عليه وسلم – واتركي الأمر لله تبارك وتعالى، واعلمي أن من ترك شيئًا لله عوضه الله خيرًا منه، واعلمي أن من فوّض أمره لله تعالى كفاه الله وأيده ونصره، وبإذن الله تعالى أنت عندما تمارسين هذه العلاقة تحت مظلة الزواج الشرعي سوف تشعرين بمتعة طيبة، وسوف يبارك الله تبارك وتعالى لك، وتشعرين فعلاً بنوع من اللذة التي لا يتصورها العقل إلا بممارسة الحلال الطيب المبارك.

تسألين: هل عدم الزواج حرام؟ .. النبي - صلى الله عليه وسلم – أخبرنا بقوله: (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج) والله تبارك وتعالى قال: {فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع} وقال أيضًا: {وآتوا النساء صدقاتهنَّ نحلة} وقال: {فانحكوهنّ بإذن أهلهنَّ وآتوهنَّ أجورهنَّ} وقال: {ولا جناح عليكم أن تنكحوهنَّ إذا آتيتموهنَّ أجورهنَّ} وقال: {والمحصنات من المؤمنين والمحصنات من الذين أوتو الكتاب إذا آتيتموهنَّ أجورهنَّ} وأيضًا أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم – بقوله: (تُنكح المرأة لأربع) وقال: (الزواج من سنتي فمن رغب عن سنتي فليس مني) وقال: (وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني) إلى غير ذلك من النصوص الواردة في الحث على الزواج.

فما دام الإنسان ليس لديه مانع طبي، أو مانع نفسي قوي يمنعه من الرغبة في هذا الشيء، فله أن يترك هذا الأمر، لأن شأنه شأن غيره من المباحات أو المندوبات أو حتى الواجبات، أما إذا لم يكن لديه عذر قاهر أو قوي ويستطيع أن يتأقلم مع هذا الجو الجديد فلا يجوز له حقيقة أن يحرم نفسه أنعم الله بها عليه، خاصة وأن النبي - صلى الله عليه وسلم – قال: (تناكحوا تناسلوا تكاثروا، فإني مباهٍ بكم الأمم يوم القيامة) ونحن نريد أن تكون أمة النبي - عليه الصلاة والسلام – خير الأمم وأكثر الأمم عددًا، لأن هذه الأمة سيكون أكثرها من أهل الجنة.

فاعلمي -بارك الله فيك- أنه ما دام لا يوجد هناك عذر شرعي لا ينبغي لك أن تحرمي نفسك هذه النعمة، خاصة وأن الفكرة التي لديك ليست صحيحة أو صائبة، فإن قلة الحياء أو الأدب إنما تُطلق – كما ذكرتُ – على الحرام، على العلاقات المحرمة، أما العلاقة المشروعة فهي عين الحياء وهي عين الأدب، لأن الذي أمر بها إنما هو الله جل جلاله ورسوله – عليه صلاة ربي وسلامه - .

أسأل الله أن يشرح صدرك للذي هو خير، وأن يوفقك إلى كل خير، إنه جواد كريم، هذا وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً