الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

المثبطات تعيقني في طريقي إلى الله وحفظ القرآن.. كيف أتجنبها؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أنا فتاة متفرغة لحفظ القرآن والعبادات، أقضي يومي بين الحفظ والصلاة والمراجعة والتسميع، وأرفه عن نفسي بمحادثة صديقتي، وشغلي الشاغل هو التدرج في الوصول إلى الله، فأحاول أن أعمل قلبي، وأجاهد نفسي، وأن أوطنها على العيش مع الله، ولكن هناك اضطرابات تحصل لي، أحاول أن أكثر من الاستقرار والمداومة، قد أداوم على الطاعة، ولكن قلبي يشرد، وهذا يشعرني بفشل كبير، وأحس أن فيّ مشاكل لا أعرفها، وأنها كثيرة وتتضخم العقبات في عيني، فأحس بالضعف والكآبة، ولا أجد إلا البكاء طوال الوقت؛ لأني أهزم كل مرة، وأخاف أن يثبطني الشيطان كثيرا.

لا أدري كيف أتصرف، فحالي لا يليق بنعم الله عليّ، فقد سخر لي معلمة تعتني بي خصيصا، وصحبة صالحة، وشبابا، وفراغا، وكلما رغبت في شيء أجده بين يديّ، وأنا لا أفعل شيئا أمام هذا كله.

ثبت في الفترة الأخيرة على الحفظ السليم، وإتمام واجبي مع القرآن، وحضور القلب، ثم لا أدري ما الذي حصل؟

تغيرت حالي، ورجعت للبكاء حتى تعب قلبي، وما عدت أشعر بشيء، لا فرح ولا حزن، وأحس أني أعيش بلا قلب، واضطرب الحفظ والمراجعة لدي، وأصبحت أخاف من معاودة المحاولة مع نفسي ومجاهدتها، وأحس أني سلكت طريقا خاطئا لم تتحمله نفسي، فأنا حائرة، صحيح أني لا أترك العمل والدعاء قدر المستطاع، ولكن مشكلتي ذهاب همتي وحماسي، وأصبحت أتمنى على الله الأماني.

أرجو منكم إعانتي في الخروج من هذه الحالة.

جزاكم الله خيرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ راجية عفو ربها حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحابته ومن والاه.

نرحب بك - ابنتنا الفاضلة – ونفخر بك وبأمثالك، ونسأل الله لك السداد والرشاد، ومثلك تكون لها العزيمة بعد أن عرفت حلاوة الطاعة، وما يحصل لك قطعًا الشيطان له فيه دور، والشيطان لا يقف في طريق من يريد الفحشاء والمنكر، من يريد المعاصي والأغاني، إنما كما قال: {لأقعدنَّ لهم صراطك المستقيم}، فليس عجيبًا أن يكون الشيطان في طريق من يريد الله ورسوله والدار الآخرة، ولكن العظيم تبارك وتعالى يُخبرنا أن كيد الشيطان ضعيف، وأنه مهما حاول أن يُحزن الذين آمنوا فإن الله يقول: {وليس بضارهم شيئًا إلا بإذنِ الله}.

فاجتهدي في الطاعات، وتوجهي إلى رب الأرض والسموات، واعلمي أن الإنسان تعتريه لحظات من الفتور، فإن كانت فترته وفتوره هذا إلى السنة وإلى الشريعة وإلى وضع مستقر، فهذا على خير، وأنت -ولله الحمد- على خير، نسأل الله لك التوفيق والثبات والسداد، وأرجو أن تزدادي ثقة في الله، وتوجهًا إلى الله، ولجوءً واضطرارًا إليه، وتضرعًا بين يديه سبحانه وتعالى، فإن قلبك وقلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء.

وأرجو أن تعلمي أن كثيرا من السلف أشاروا لهذه المسألة، وأن الواحد منهم صلى سنوات ثم تلذذ بالصلاة، وقرأ سنوات ثم حس بحلاوة الخشوع والخضوع لله تبارك وتعالى، فاستمري على ما أنت عليه، فإن الخشوع والخضوع والخشية ثمار لا تنال إلا بالمداومة على الطاعات، وإلا بالحرص على رضا رب الأرض والسموات، واغتنام هذه الفرص.

ونحن نعتقد أن مجرد الشعور ومجرد الكتابة إلينا، مجرد الخوف من هذا التردي الذي يحدث أحيانًا دليل على أن قلبك حي، وعلى أنك تسيرين في الطريق الصحيح، وعلى أنك تملكين نفسا لوامة تعينك على الخير، فاعلمي أن الله تبارك وتعالى يقبل رجوع الناس إليه، ويفرح بتوبة العاصين إليه، والإنسان عندما يحس بأنه مقصر في جنب الله، فإن هذا يحمله على الاجتهاد، والوضع الآخر هو الذي نخاف، أن يغتر الإنسان بعبادته وبوضعه، أما أن يشعر الإنسان بالتقصير فهذه هي الخطوة الأولى والمهمة الأساسية في طريق التحسن في مسيرنا إلى الله تبارك وتعالى.

فنسأل الله أن يلهمك السداد والصواب، وأرجو أن تعودي أيضًا إلى مسألة المراجعة والحفظ والتذكر، وننصحك بأن لا تحملي نفسك فوق طاقتها، فالنفس تحتاج أن تأخذ حظها من الراحة وحقها أيضًا من بعض الترفيه، وهذا معنى مهم جدًّا، فإن المنبت لا أرضا قطع ولا أرض أبقى، بعض الناس تثقل عليه الطاعة؛ لأنه في الحقيقة أثقل على نفسه؛ ولأنه في الحقيقة أتعب نفسه، ولأنه في الحقيقة لم يراع الضعف الذي يعتري البشر، والنبي - صلى الله عليه وسلم – يقول: (اكلفوا من العمل ما تطيقون، فإن الله لا يمل حتى تملوا) فالإنسان لا يكلف نفسه فوق طاقته، ولكن يسعى باعتدال في مسيره إلى الله تبارك وتعالى، والمهم هو المداومة على الطاعات وإن كانت قليلة، أفضل من الإكثار منها، ثم الانقطاع عن الطاعة بعد ذلك.

كذلك أيضًا أرجو أن تجدي من الصالحات والصديقات من يكنّ عونًا لك ومشجعات على الاستمرار في هذا الطريق، واجتهدي في البحث عن التغيرات التي ربما دخلت إلى حياتك، فقد تكون هناك مؤثرات فعلية مرئية، عند ذلك ينبغي أيضًا أن نحتكم إلى ضوابط هذا الشرع الحنيف، فمن المناسب أن تتواصلي مع الصديقة، والإنسان يحتاج إلى التواصل، لكن ما لون هذا التواصل؟ ما هي طبيعة هذا التواصل؟ هل تحدث فيه مخالفات كالغيبة أو النميمة؟ يعني مثل هذه الأمور أيضًا الإنسان لا بد أن ينتبه لها؛ لأنه قد تكون هناك أشياء جديدة تدخل حياة الإنسان فتؤثر عليه، لكن في كل الأحوال التوبة والرجوع إلى الله والبعد عن الذنوب المركبة التي فيها حقوق للعباد، والحرص على سلامة الصدر تجاه الآخرين، والحرص كذلك على بذل المساعدة للمحتاجين، ونوصيك ببر الوالدين، والاهتمام بصلة الرحم، فإن هذه من الطاعات التي فيها توفيق كبير، ويجد الإنسان ثمرتها وحلاوتها في الدنيا مع ما أعد الله للعاملين بها في الآخرة من الثواب الجزيل.

نسأل الله لك التوفيق والسداد، وسوف نكون سعداء في حال تواصلك مع الموقع، فلا تستسلمي للمشاعر السالبة، وإذا ذكرك الشيطان بالتقصير فتعوذي بالله واستغفري ربك القدير، فإنه غفار لمن تاب وآمن وعمل صالحًا ثم اهتدى.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً