الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيف نرد شبهة من يقول: الله يهدي من يشاء فلا نبحث عن الهداية؟

السؤال

السلام عليكم

أنا شاب في ال 20 من عمري، مسلم بفضل هدايته والحمد لله، مؤمن كل الأيمان بالله تعالى وواثق من قدرته وجبروته، فهو الذي لا يعجزه شيء، ومن حسن تدبيره وعدله وحكمته أني أواظب دائماً على سماع وقراءة القرآن الكريم.

لكن بما أن الأيمان والتصديق بالشيء أمر متعلق بالعقل الذي ميزنا الله به، وأنا شاب ومحتاج أن أقتنع بالشيء تمام الاقتناع لدي تساؤل، ولبس في مسألة دينية قرآنية، بسيطة تشغل بالي، ولا تتركني من تساؤلاتي، حتى أجد لها الجواب الشافي الكافي المقنع بإذن الله.

الله سبحانه وتعالى ذكر في كثير من مواضع القرآن الكريم بأنه: (يهدي من يشاء ويضل من يشاء) أي أن أمور الهداية والضلال بيده سبحانه وتعالى، ولو شاء لهدى الناس أجمعين، ويقول في محكم تنزيله أيضاً: (ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها ولكن حق القول مني لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين، فذوقوا بما نسيتم لقاء يومكم هذا إنا نسيناكم وذوقوا عذاب الخلد بما كنتم تعملون).

مما سبق تساؤلي هو: بما أن أمور الهداية والضلال متروكة لله وحده، وبما أنه حتماً ستمتلىء جهنم بالناس والجن أجمعين، فلماذا نجتهد نحن كبشر في أمور هداية أنفسنا وغيرنا، إذا كان كل ذلك بيد الله وتدبيره؟

هل سنغير شيئاً من إرادة الله؟
إنا له وإنا إليه راجعون، إذا كان هناك قوم كتب الله لهم الضلال والشقاء، مثل الأمم السابقة التي أهلكها وغضب عليها، فماذا عسانا أن نفعل له؟ لماذا نجتهد ونحاول تحسين أنفسنا إذا كان أقصى ما نستطيع فعله هو تنفيذ إرادة الله؟

كذلك إلى أي مدى نحن مخيرون كبشر، لمصائرنا، وهي بأيدينا وبمحض إرادتنا أم أن مصيرنا كله بيد الله؟ هل صحيح أن هناك إنساناً مغضوباً عليه من الله، وسيكون مصيره الحتمي والمحتوم جنهم؟

هل الإنسان بمجرد أن آتاه الله الكتب والرسل والأديان المنزلة والآيات البينة والمعجزات والدلائل، والحقائق العقلية الواضحة يصبح مخيراً كامل الاختيار في مصيره، إما الإيمان أو الكفر مثلما يريد، وهذا ما دلت عليه كثير من الآيات أو أن حكمة الله هي في أن يهدي من يشاء ويضل من يشاء، وينعم من يشاء ويعذب من يشاء برحمته فقط، بدون اختياره، كما دلت كثير من الآيات أيضاً؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبد اللطيف حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،

مرحبًا بك - أيها الولد الحبيب – في استشارات إسلام ويب، ونشكر لك التواصل معنا.
ما أثرته من شبهة، الجواب عنها سهل ويسير، ولكن قبل الجواب نود أن نُسديَ لك نصيحة، وهي نصيحة من يُحب لك الخير ويتمنى لك الفلاح، هذه النصيحة - أيها الحبيب – تتمثل في عدم الإصغاء للشبهات أو البحث عنها والتفاعل معها، لا سيما من الشخص الذي لا يجد علمًا راسخًا يستطيع به تفنيد الشبهة وردَّها.

الشُّبهُ إنما تُسمى شبهة لأنها تُشبه الحق، فهي ليست حقًّا، ولكنها تُشبه الحق، فإذا وردت على القلب الخالي من العلم تمكنت منه، وعسر عليه بعد ذلك طردها ورفعها.

من ثم فنصيحتنا لك أن تعتني بتثبيت إيمانك بالأخذ بأسباب تقوية الإيمان، وأن تُعرض تمام الإعراض عن الإصغاء للشبهة وتتبعها، أما هذه الشبهة فأمرها يسير، وذلك بأن تعلم أن الله سبحانه وتعالى يعلم ما كان وما هو كائن وما سيكون، وعلمه سبحانه وتعالى لا يتخلف، فكتب بعمله سبحانه وتعالى ما علمَ أن العباد سيفعلونه، فكتب في اللوح المحفوظ أشقياء الناس وسعداءهم، وأهل الجنة وأهل النار، لعلمه سبحانه وتعالى بما سيكسبه كل فريق من الأعمال، وهو مع هذا ترك لهم القدرة والإرادة، فلهم إرادة يختارون بها، ولهم قدرة يُنفذون بها ذلك الاختيار.

هذا أمر معلوم بالضرورة، فإننا نميز حركاتنا التي نفعلها باختيار منا، وحركاتنا التي نفعلها بغير اختيار، فرعشة المريض ليست باختياره، بينما مشي الإنسان إلى المسجد برضاه واختياره، فنحن نفرق بالضرورة بين حركات هذا الإنسان التي يختارها، والحركات التي لا يختارها، فله إذن إرادة يختار بها، وله قدرة ينفذ بها ذلك الاختيار.

لكنَّ الله عز وجل له سبحانه وتعالى المشيئة السابقة، فلا يمكن أن يختار الإنسان إلا ما يوافق اختيار الله تعالى، كما قال الله سبحانه وتعالى: {وما تشاؤون إلا أن يشاء الله} ولكنه يختار ويفعل باختياره.

هذا سرٌ من أسرار الله تعالى في خلقه، فالقدر من أسرار الله تعالى في هذا الكون، فلا ينبغي للإنسان إذا لم يُدرك هذه الحقائق ويقدر على تصورها أن يتعمق بالبحث فيها، وعليه أن يستسلم لما جاء عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم، وأن يعلم بأن البشر مطلوب منهم العمل، ولهذا أرسل الله الرسل وأنزل الكتب، وعلى الإنسان أن يأخذ بأسباب الهداية والصلاح كما يأخذ بأسباب الرزق سواءً بسواء، وعليه أن يأخذ بأسباب الفلاح في الآخرة ودخول الجنة وتجنب الوقوع في النار، كما يأخذ بأسباب شِبَعِه ورِيِّه سواءً بسواء، وإلا فكل الأمور مقدرة مكتوبة.

كما أنه لا يقبل بأن يُقال له: (لا تأكل) لأن الله تعالى إن كتب أنك ستشبع فإنك ستشبع بغير تناول الأكل، فكذلك لا يصح أبدًا أن يقبل بأن يُقال: (لا تعمل الخير) فإن كتب الله تعالى لك الهداية ودخول الجنة فإنك ستفعل، فهما من باب واحد، فكما يعلم أنه لا بد من الأخذ بأسباب الرزق الدنيوي العاجل، فكذلك نقول: لا بد من الأخذ بأسباب الرزق الأخروي الآجل.

مع ذلك عليه أن يفوض أمره إلى الله، ويعتمد عليه، ويتوكل عليه، ويستعين به، ويرجو خيره وبره، فإذا فعل ذلك فلن يُخيِّبه الله تبارك وتعالى.

نسأل الله تعالى بأسمائه وصفاته أن يهدينا وإياك سواء السبيل وصراطه المستقيم.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك
  • السعودية ياسر اليافعي

    من بعد إذن القائمين على الموقع جزاكم الله خيرا
    أود أن أنبه السائل إلى أن الله عز وجل يقول :وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ .
    فالرزق يكون بقدر الله و الأخذ بالأسباب من قدر الله عز وجل.
    ويقول جل شأنه :وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى.
    انظر كيف قدم أسباب الهداية على الهداية .
    وجزاكم الله خيرا

  • تركيا محمد عيسى

    السلام عليكم
    إن معنى الآية واضح أي أن من شاء الهدى فإن الله يهديه ومن أراد الضلال أضله الله

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً