الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

في كل أعمالي أشعر أني مرائية، فكيف أتخلص من هذا الهوس؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أنا أحاول الالتزام قدر المستطاع، أحاول قدر الإمكان المحافظة على الصلاة في وقتها، وقراءة القرآن والدعاء كل يوم، وكنت قد بدأت في قيام الليل لكن أوقفته لأيام، مشكلتي هي أني عندما أفعل هذه الأشياء أحتاج أن أشاركها مع صديقاتي حتى أكسب الأجر، لكن عندما أخبرهن أحس بإحساس سيء، وذلك أني فعلت ذلك من أجل الرياء، وأن الله لن يحتسب لي أفعالي، ولا أعلم ماذا أفعل!

حتى عندما أنزل أي كلام ديني في الفيسبوك لكي يستفيد منه الكل، عندما لا أجد أن هنالك من يعجب بما أنزلته أقوم بمسحه، وهنا أحس حقاً بأن ما فعلته لم أفعله إلا من أجل الناس، وأخاف جداً، وعندما أرى مسكيناً في الشارع أتصدق له من أجل الأجر، لكن بعدما أعطيه المال، ألتفت لأرى هل هناك من رآني وأنا أعطيه المال لكي يعجب بما فعلته؟ أحس وقتها بالإحساس الفظيع، وأقول أن كل أعمالي رياء، أصبح لدي هوس من الرياء، أخاف أن تكون كل أعمالي هباءً منثوراً، ولا أعلم ماذا أفعل، ولا كيف أتخلص من هذا التفكير السيء.

أرجوكم أن تدلوني على شيء يريحني.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ ريم حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك -ابنتنا العزيزة- في استشارات إسلام ويب، نسأل الله تعالى لك التوفيق والسداد، ونشكر لك حرصك على الإخلاص في العمل، وهذا دليل على رجاحة عقلك وحسن إسلامك، فإن الإخلاص هو جوهر هذه الأعمال ولُبها، به تُقبل، وإذا فقدته تُرد، فقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى)، والله عز وجل لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصًا لوجهه، كما دلت على ذلك نصوص القرآن والسنة، قال الله سبحانه وتعالى: {قل إني أُمرتُ أن أعبد الله مُخلصًا له الدين}، وقال: {وما أُمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين}، والنصوص في هذا المعنى كثيرة وفيرة، كما أن النصوص في الترهيب من الرياء، وبيان سوء عاقبته وفيرة أيضًا.

وينبغي للإنسان المؤمن أن يجاهد نفسه في تحقيق الإخلاص وتحصيله، والابتعاد بأعماله عن الرياء بقدر الاستطاعة، وإذا علم الله عز وجل منه الصدق فإنه سيتولى عونه، كما قال سبحانه: {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين}، فعلاج الرياء ليس بترك العمل، وإنما بمدافعة هذا العارض الخبيث الذي يعرض للنفس أثناء عملها، وكما قال الفضيل ابن عياض –رحمه الله تعالى-: (العمل من أجل الناس شرك، وتركه من أجل الناس رياء، والإخلاص أن يعافيك الله منهما) فالإخلاص أن يفعل الإنسان العمل لله، فلا يفعل من أجل الناس، ولا يترك من أجل الناس.

ونحن نصيحتنا لك -أيتها البنت العزيزة- أن تأخذي بالأسباب المعينة لك على تحقيق الإخلاص، أول هذه الأسباب: أن تجاهدي نفسك بإفراد القصد لله وحده، وذلك بأن تتذكري أن كل أحد غير الله تعالى لا يستطيع أن يجلب لك نفعًا ولا أن يدفع عنك ضرًا، لا يستطيع أحد أن يثيبك على هذا العمل، فالأمر كله لله، فإذا كان كذلك، فإن العقل يحكم بأن على الإنسان أن يسعى فيما ينفعه، ودفع ما يضره.

الأمر الثاني: أن تتذكري عواقب الرياء، وما رتبه الله عز وجل على هذه الآفة القبيحة من بطلان الأعمال، ودخول صاحبها النار، وذهاب سعيه هباءً، فهذا يُزعج القلب ويحثه على تحقيق الإخلاص.

ثالثًا: أن تحاولي ستر أعمالك عن الناس بقدر الاستطاعة، فإن فعل العمل الصالح في الخفاء يعين على تحقيق إخلاص صاحبه، ولهذا كانت أفضل الصلوات صلاة الليل –أي بعد الفريضة–، لأنها بعيدة عن أعين الناس في الغالب، وأفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة كما جاء في الحديث، فهذه كلها نصوص تعودنا فعل العمل بعيدًا عن أعين الناس، والعلماء يقولون: لا ينبغي للإنسان أن يُجاهر بعمله، أي العمل المسنون الذي لم يشرع الله سبحانه وتعالى أن يكون في جماعة وأمام أعين الناس، فالأعمال المسنونة لا يجهر بها الإنسان كما يقول العلماء إلا بشرطين: الشرط الأول أن يكون ممن يُقتدى به، بحيث إذا رآه الناس عملوا مثله، والشرط الثاني: أن يكون آمنًا على نفسه من الوقوع في الرياء، ومعنى هذا الكلام أنه بلا شك وبلا ريب الأفضل للإنسان أن يكون بعمله بعيدًا عن أعين الناس، ما دام ليس فيه شيء من هذه الأوصاف التي ذكرنا.

ومن ثمَّ فنحن ندعوك إلى أن تعودي نفسك، وتمرنيها على العمل بعيدًا عن أعين الناس، وهذا سيورثك -بإذن الله تعالى- الإخلاص لله وابتغاء وجهه، ثم اعلمي جيدًا -أيتها البنت الكريمة- أن دافع الرياء إذا عرض للإنسان فإن هذا قد يعرض لكل أحد، ولكن الواجب على الإنسان أن يدفعه فقط عن نفسه ولا يستسلم له، فإذا عرض لك حب رؤية الناس لعملك أو نحو ذلك، فادفعي عن نفسك ذلك بتذكر هذا المعنى الذي ذكرناه، وسيزول عنك -بإذن الله تعالى- خطر الرياء.

أما مجرد أن يفرح الإنسان إذا اطلع الناس على عمله، أو أثنوا عليه بذلك العمل الخير، فهذا ليس رياء، فإن المؤمن تسره حسنته وتسوؤه سيئته، والرجل يعمل الخير فيحمده الناس عليه، قال فيه -عليه الصلاة والسلام-: (تلك عاجل بُشرى المؤمن)، فلا تجعلي من هذا سببًا للقلق والحزن والخوف، وربما التحبيط والتثبيط عن العمل، بل جاهدي نفسك على إخلاص عملك لله تعالى، وإذا رآك من يقتدي بك ويفعل مثلك، فإن ذلك لن ينقصك أجرك.

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يتولى عونك، ويأخذ بيدك إلى كل خير.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك
  • عمان ليان

    كذا يحصل معي لكن احب ان يثني الناس علي وان يروا اعمالي ادعوا لي بالهدايا

  • الأردن عمار عبد الله

    جزاكم الله خيراً

  • مجهول اسماء الجزائرية

    جزاكم الله كل خير.

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً