الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

معاناة أخي تدور بين المس والوسواس القهري

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أشكر الدكتور محمد عبد العليم وجميع القائمين على الموقع، على جهودكم الجبارة لمنفعة الأمة الإسلامية، أما بعد:

بدأت مشكلة أخي منذ عام تقريبا، وهو طالب في الثانوية العامة؛ بأعراض تتمثل في: عدم التركيز والسرحان، ثم تزامنت الحالة مع أفكار ملحة وصفها بالسلبية، مثل: سب الذات الإلهية، والخوف الشديد من دخول جهنم ...الخ.

ثم تطور ذلك لموضوع الطهارة والصلاة، ولم نلق بالا في ذلك الوقت لعدم معرفتنا بأنه مرض يلزم علاجه، برغم أنه في فترة من الفترات طلب الذهاب لطبيب نفسي.

ذهبنا به إلى عدد من الرقاة، منهم من قال: إنه سليم، ومنهم من قال: لديه قرين قوي، إلى أن تفاقم الوضع في نهاية العام الدراسي، وبدأ يقول: إن فيه مسا شيطانيا، ويشعر به على إثر ما حصل معه في الليلة السابقة؛ حيث إنه استيقظ في الليل ليصلي فسمع صوت اثنين يتكلمون بلغة غير مفهومة، وارتعب في ذلك الوقت وأخذ يؤذن، ثم قرأ عليه أكثر من قارئ الرقية الشرعية، وقالوا: إن عنده مسا؛ لما ظهر عليه من علامات (الصراخ عند القراءة، وتكلم الجن على لسانه).

في نفس الفترة منذ شهرين ذهبنا به لطبيب نفسي، وشخص الحالة وسواسا قهريا، علما أنه لم يخبره بالحادثة التي قيل عنها: مس، فوصف له الطبيب (فافرين) و(ديباكين) و(سولبرين) تحسنت حالته قليلا، واختفت مشكلة الطهارة والصلاة، وظهرت مشكلة الخوف من النفاق والرياء والتكبر، وعدم مغفرة الله له.

ثم انتكست حالته، وذهبنا به لطبيب آخر، فشخص حالته: وسواس قهري، وبعض الذهان، علما بأنه أخبره بحادثة المس، فاختلط الأمر علينا، فمن المعروف بأن معظم الأطباء النفسيين لا يؤمنون بفكرة المس، ويعتبرونها خرافة لكونها من الغيبيات، فلم نعد نميز هل هو فعلا ذهان أم مس شيطاني؟ علما بأننا مررنا بتجربة سابقة بموضوع المس مع أحد الأقارب، وشفي بالرقية الشرعية، وكان أخي طفلا في ذلك الوقت (8سنوات)، وحضر بعض الجلسات.

وصف له الطبيب بالإضافة للأدوية السابقة: (ريسبال) وألغى (السولبرين) لوحظ عليه بعد مراجعة الطبيب سوء حالته، وأخذ يطلب قراءة الرقية الشرعية عليه من أحد الشيوخ، ويقول: بأنه أصيب بمس آخر، ويشعر بالجن في عينه أو في قلبه أو يده، وأخذ يقرأ على نفسه القرآن، ويقلد الشيخ القارئ في عملية إخراج الجن، ويكلمنا تارة بشخصيته الحقيقية، وتارة أن الجني يتكلم على لسانه، وتارة أخرى يجري حوارا مع الجن، ثم يقول: هل صدقتم بأنني ممسوس، علما أن في المس الحقيقي بسبب الحسد أو السحر، وهناك شروط خاصة لكي يتكلم الجن على لسان الإنسي.

عذرا للإطالة، أفيدونا أفادكم الله، وجزاكم الله كل خير.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ rawan حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نسأل الله تعالى لأخيك الشفاء والعافية.

لا شك أنه قد أصيب بوساوس قهرية شديدة، وهو في سن اليفاعة، وبعد ذلك استحكمت هذه الوساوس وتعمقت، وأصبحت أكثر استحواذًا وقوة وإلحاحًا، ونسبة لغرابة الفكر الوسواسي والتصرفات التي قد يُبديها المريض؛ يعتقد الكثير من الناس أن هذا الأمر ليس وسواسًا، إنما هو نوع من المس أو الجن أو السحر.

موقفي أنا شخصيًا: أنا أؤمن بالمس وأؤمن بالجن وأؤمن بالسحر، لكني أؤمن إيمانًا قاطعًا أن الله سيبطل هذه جميعًا، وأؤمن في ذات الوقت أن الإنسان قد يُصاب بتلك الحالتين، يُصاب بالمس أو الجن، وفي نفس الوقت يُصاب بالمرض.

الوساوس معظمها قد تكون في أمور الدين، لكنها تتعلق أكثر بالشهوات، والمسلم الذي يكون حريصًا على عباداته سوف يخنس الشيطان منه ويبتعد عنه، لكن الشيطان يكون قد قذف قذفته، مما جعل الوسواس بعد أن خنس يتحول إلى وسواس طبي.

أعتقد هذه النظرية معقولة ومعقولة جدًّا؛ حيث إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، وطالما يجري من ابن آدم مجرى الدم، فله أن يُحدث ويغيَّر في كيمياء دماغ الإنسان.

موضوع المس والجن والسحر أسرف الناس في الحديث فيه، وتباينت الآراء ما بين منكر وما بين مبالغ، وأعتقد أن كليهما على خطأ.

أيتها الفاضلة الكريمة: هذا الأخ يتطلب العلاج القرآني، ويتطلب العلاج الطبي، وأنا لا أرى أي نوع من التعارض ما بين الاثنين، لكن بكل أسف بعض الذين يتحدثون عن المس وعن الجن وعن الحسد يرون أن الأدوية تعطّل التخريج، وتعطل ذهاب هذه الأرواح الشريرة، لكن هذا الكلام من وجهة نظري لا أساس له، ولا سند له أبدًا.

اذهبوا بأخيكم هذا إلى الطبيب النفسي، واذهبوا به إلى أحد المشايخ الثقات الذين يتعاملون على ضوء الكتاب والسنة، ويجب ألا تكون هنالك أي طقوس علاجية من أي نوع غريب غير الرقية الشرعية، والتحصين، والقراءات الواردة المعروفة، الأمر لا يتطلب أكثر من ذلك أبدًا.

أما دور الطبيب النفسي فهو دور مهم جدًّا، وأعتقد أن هذا الأخ سوف يستفيد كثيرًا من الأدوية النفسية، وأنا أرى بالفعل أنه في حاجة لعقار بروزاك وفافرين، وجرعة صغيرة من الرزبريادون.

وساوسه نعتبرها من النوع المستحوذ المطبق، لذا تحتاج للحزمة الدوائية التي ذكرتها، وبعد أن تهدأ أحواله وتبدأ في التحسن، لا بد أن يخضع لبرنامج علاجي سلوكي نفسي، وهذا قطعًا سوف يرتبه وينظمه له الطبيب.

هذا هو الذي أراه، ووجهة نظري المتواضعة هذه إن وجدت لديكم قبولاً فهذا حسن، وخذوا بها في تلك الحالة، ولا تحرموه أبدًا من نعمة العلاج.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك
  • السودان فاطمة محمد سعيد

    جزاكم الله خيرا على هذه الافادة

  • عبد البديع فلسطين

    السلام عليكم نعم انا اؤيد كلام هذا الشيخ فأنااصبت بمثل هذا الامر

  • رضوان الجزائري

    انا باذن الله كنت اعالج الناس بالرقية الشرعية وكنت انصح الناس بالذهاب الا الطب الحديث فكنت اجمع بين هذا وهذا خلاصة القول انا الدعاء والتوكل على الله وخاصة البعد عن المعاصي باذن الله يزول الداء ولو في شربة ماء.سلامي الا الشيخ وعمال الموقع بالتوفيق ان شاء الله

  • أمريكا طارق الصرايرة


    باعتقادي هذا الطبيب اكثر من أصاب ووفق في تحليل الأمور
    المتعلقة بالوسواس القهري فهو لا ينكر المس وبنفس الوقت يعزي حدوث الاضطراب النفسي واختلال السلوك إلى تأثير الشيطان على كيمياء الدماغ...

    وهذا الامر لا يقر به معظم الأطباء والذين يؤكدون ان ليس للشيطان أي علاقة بحدوث المرض النفسي اعتقد إنهم بذلك على غير صواب.. حيث إنهم وبنائا على هذه القاعدة يقرون
    فقط بالعلاج الكيميائي والعلاج السلوكي المعرفي....

    بينما هذا الطبيب قدم تحليلا وعلاجا صحيحا وشافيا ومنطقيا للوسواس القهري والمتمثل بما يلي:

    العلاج الكيميائي بالأدوية
    العلاج السلوكي المعرفي
    الرقية الشرعية

    هذا والله أعلم

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً