الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

لا أرتاح عند مقابلتي للناس وفي المجمعات وقيادة السيارة، ساعدوني.

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا شاب عمري 26 سنة، متزوج، كنت أدرس في الخارج، وهنا بداية التعب، بدأت أشعر بالتوتر والخوف، وعند دخولي قاعة المحاضرات يبدأ جسمي بالتعرق، ويحمر وجهي، ويأتيني مغص شديد مع أصوات قرقرة في بطني، لم أستطع حضور الكثير من المحاضرات لهذا السبب، وبالأخص تزيد عندي الحالة وقت الامتحانات، مما سبب لي الإحباط، وكان سبب رجوعي من غير أن أكمل ما تبقى لي، والحمد لله على كل حال.

راجعت طبيب باطنية، ووصف لي دواء السيروكسات، وأنا مستمر على هذا الدواء الآن ما يقارب الأربع سنوات، أحس بتحسن كبير في حياتي اليومية، ولكني أشعر بعدم الارتياح عند مقابلتي للناس، وعند الذهاب إلى المجمعات التجارية، وأخاف من سياقة السيارة لخوفي من أن شيئا سيحدث، وأخاف السفر.

وعندي مشكلة في حضور صلاة الجماعة في المسجد، حيث يأتيني مثل الدوار والخوف من السقوط، فسمعت عن دواء سبرالكس، هل هو أفضل من السيروكسات؟

للعلم أنا أستخدم سيروكسات 20، ولكن ما زالت الأعراض التي أشكوا منها موجودة، لكن بشكل أقل وأشعر بنغرات في الجهة اليسرى من الصدر، وذهبت للطبيب وعملت الفحوصات، وكانت سليمة، ما زال القلق والخوف والتفكير موجود، فأتمنى منكم مساعدتي في هذا الشأن.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ Naif حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

بالفعل أنت تعاني من درجة بسيطة إلى متوسطة مما يمكن أن نسميه بالخوف أو الرهاب الاجتماعي الظرفي.

استفدتَ كثيرًا من الزيروكسات، لكن قطعًا أنت محتاج أيضًا للتدعيمات السلوكية، والتدعيمات السلوكية تقوم على مبدأ:

أولاً: التحسن الذي طرأ عليك يجب أن تستفيد منه من أجل المزيد من التحسن.

ثانيًا: تحقير فكرة الخوف، ولا تعتقد أنك مراقب من قبل الآخرين، أبدًا، مشاعرك هي خاصة بك، مشاعر داخلية لا أحد يحسها، لا أحد يلاحظ عليك أي سمة من سمات الخوف.

ثالثًا: لا تقبل المشاعر السلبية، يجب أن تتحداها، يجب أن تحقرها، يجب أن ترفضها، ما الذي يمنعك من الذهاب إلى صلاة الجماعة؟ أنت تعرف فضل صلاة الجماعة وقيمة الصلاة، الصلاة في المسجد قيمة عظيمة جدًّا، وهي وصية النبي - صلى الله عليه وسلم – حين قال: (صَلاةُ الرَّجلِ في جمَاعَةٍ تَزيدُ عَلَى صَلاتهِ في بيتهِ وصلاته فِي سُوقِهِ بضْعاً وعِشرِينَ دَرَجَةً، وَذَلِكَ أنَّ أَحدَهُمْ إِذَا تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الوُضوءَ، ثُمَّ أَتَى المَسْجِدَ، لا يَنْهَزُهُ إِلا الصَلاةُ، لا يُرِيدُ إلا الصَّلاةَ: لَمْ يَخْطُ خُطْوَةً إِلا رُفِعَ لَهُ بِهَا دَرجَةٌ، وَحُطَّ عَنْهُ بها خَطِيئَةٌ حَتَّى يَدْخُلَ المَسْجِدَ، فإِذا دَخَلَ المَسْجِدَ كَانَ في الصَّلاةِ مَا كَانَتِ الصَّلاةُ هِي تَحْبِسُهُ، وَالمَلائِكَةُ يُصَلُّونَ عَلَى أَحَدِكُمْ مَا دَامَ في مَجْلِسِهِ الَّذِي صَلَّى فِيهِ، يَقُولُونَ: اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ، اللَّهُمَّ تُبْ عَلَيهِ، مَا لَم يُؤْذِ فيه، مَا لَمْ يُحْدِثْ فِيهِ)، إذًا هذه فضائل عظيمة ينالها الإنسان بحضوره الصلاة في المسجد، فأريدك أن تكون مواظبًا، بل تكون خلف الإمام، تقدم في الصفوف وكن أول المصلين.

لا تساوم نفسك في هذا الأمر، وأنا أؤكد لك أنك سوف تنجح نجاحًا عظيمًا، وأريدك أيضًا أن تمارس الرياضة مع أصدقائك، مثل: كرة القدم مرتين أو ثلاثة في الأسبوع، هذا نوع من التفاعل الاجتماعي الممتاز جدًّا.

اجعل لنفسك أيضًا جدولاً أسبوعيًا تزور من خلاله بعض أرحامك وجيرانك وأصدقائك ومعارفك القدامى والجُدد، وتحضر المناسبات الاجتماعية، وتزور المرضى في المستشفيات، كن اجتماعيًا، كن متواصلاً.

هذا هو الدفع الإيجابي الحقيقي الذي يعالج الخوف الاجتماعي.

بالنسبة لموضوع قيادة السيارة: تأمل في هذه السيارة، إنها نعمة عظيمة، كيف أن الله تعالى قد سخر العقل البشري ليقدم لنا هذا المنتج العظيم، يجب أن تُحيط نفسك بفكرٍ معرفي عن السيارة، السيارة ليست فقط أن أركب وأقود، يجب أن أتأملها، أتقرب إليها بمعرفتي عنها، هذا يجعلك في شيء من الطمأنينة.

وأود أن ألفت نظرك أن العلاج في ركوب السيارة لا في الابتعاد والتجنب، وهذا ضروري وضروري جدًّا، حين تجلس على كرسي قيادة السيارة، وتأخذ نفسًا، وتقول: (بسم اللهِ الرحمن الرحيم) وتقرأ دعاء الركوب، وتقول: {سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون} قطعًا سوف ترسخ فيك الطمأنينة؛ لأنا لا نسير ولا نتحرك إلا بأمر الله، قال تعالى: {هو الذي يُسيركم في البر والبحر} ومع تعودك على ذلك وتكرارك لذلك سوف تكون وكأنك (مايكل شوماخر) المتسابق العالمي في السيارات، وإن كنا نبالغ بعض الشيء.

سر على هذا المبدأ - أيها الفاضل الكريم -.

بالنسبة العلاج الدوائي: الزيروكسات من الأدوية المعتبرة، من الأدوية الجيدة، لكن بعض الناس لا يستفيدون إلا من جرعة أربعين مليجرامًا، فالخيار الذي أمامك هو أن ترفع الزيروكسات وتجعله حبة ونصف يوميًا لمدة شهر، ثم تجعله حبتين يوميًا لمدة ثلاثة أشهر على الأقل، ثم ترجع إلى حبة ونصف لمدة شهر، ثم حبة واحدة يوميًا، تستمر عليها لمدة ستة أو سبعة أشهر (مثلاً) بعد ذلك تراجع نفسك إذا كانت الأمور سليمة خفض الجرعة إلى نصف حبة لمدة شهر، ثم نصف حبة يومًا بعد يوم لمدة شهر آخر، ثم توقف عن تناول الدواء، هذه طريقة.

الطريقة الأخرى هي: أن تدعم الزيروكسات وبجرعته الحالية بعقار يُسمى (فلوناكسول)، ويسمى علميًا باسم (فلوبنتكسول)، هذا دواء متميز جدًّا لعلاج القلق، مفيد جدًّا، وربما أنا أكون أكثر ميولاً لأن تجرب الفلوناكسول في الأول مع الزيروكسات، ولا ترفع الجرعة.

جرعة الفلوناكسول هي حبة كاملة، وقوة الحبة هي نصف مليجرام، تناولها صباحًا لمدة أسبوع، بعد ذلك اجعلها حبة صباحًا ومساءً لمدة شهر، ثم اجعلها حبة واحدة مساءً لمدة شهر آخر، ثم توقف عن تناول الدواء.

وقطعًا توجد خيارات دوائية كثيرة أخرى، السبرالكس ممتاز، الزولفت يقال أيضًا أنه من أفضل الأدوية، الآن هنالك حديث كثير عن الإفكسر وفعاليته في علاج الرهاب الاجتماعي، لكن من الأفضل أن تستمر على الدواء الذي جربته، هذا أفضل - أيها الفاضل الكريم -.

أسأل الله لك الشفاء والعافية والتوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً